في مدينة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة المُسلّحة، فيما تستعد قوات النظام السوري بدورها لبدء هجوم عسكري مرتقب على المدينة الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة منذ سنوات . ومن المتوقع ان اي هجوم عسكري على «ادلب» ستتجاوز تأثيراته الحدود السورية وحدود الاقليم لتلقي بظلالها على المشهد الدولي أيضا.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد حذر في وقت سابق الرئيس السوري بشار الأسد من شن «هجوم متهور» يستهدف إدلب. الا ان الجانبين السوري وحليفه الروسي رفضا تهديدات البيت الأبيض في خطوة قد تشعل فتيل الحرب في ساحة المعركة بـ«إدلب» .
ويؤكد باحثون أن اندلاع الحرب من جديد في جبهة «ادلب» ستكون هذه المرة ذات ابعاد أخطر من الجبهات القتالية السابقة باعتبار ان هذه المدينة هي الاخيرة التي يسعى الجيش السوري لاستعادتها مامن شانه تغيير موازين القوى لصالحه رغم التهديدات الامريكية المتكررة . وتحمل معركة «إدلب» المرتقبة ابعادا ميدانية تتعلق بموازين القوى ومستقبل النظام السوري وأخرى اقليمية دولية تتعلق بالحرب بين امريكا وإيران وحلفائهما .
تعدّد الجبهات
من جهته قال الكاتب العراقي ثائر عبطان حسن في حديثه لـ«المغرب» أنّ «ما يحصل في سوريا الان من تحضيرات وتحركات عسكرية روسية - سورية لتحرير إدلب التي تعتبر آخر معقل مهم «تحتلهُ جبهة النُصرة»، لم يكن مفاجئا لمتابعي الأحداث الجارية في سوريا ، ويُعتبر استكمالا لما بدأ بهِ سلاح الجو الروسي الذي يعتبر العامل الأساس في حسم الصراع العسكري مع المنظمات الإرهابية على اختلاف مشاربها وتعدد مصادر تسليحها وتمويلها ، لتبقى إدلب المحطة الأخيرة في جدول العمليات الحربية المشتركة للقوات الروسية - السورية، بعد تهيؤ الأجواء السياسية مع تركيا علنا ، والولايات المتحدة سرا علاوة عَلى إطلاع كل من اسرائيل والأردن على ما سوف تؤول اليه هذه العمليات دون المساس بأمنهما معا».
لذا فإن معركة تحرير إدلب من جبهة النصرة ومن معها أمر واقع لا مُحال ، وهو الحلقة الأخيرة في سلسلة استقرار سوريا وأنهاء الحرب فيها بعد الهزيمة الكبيرة التي مُنيت بها التنظيمات الإرهابية امام القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وإيران ، وتمهيد الطريق للحل السياسي على المستويين الإقليمي والدولي حد اعتراف اسرائيل بأنها تفضل التعامل مع بشار الأسد زعيما لسوريا لا غيره ، وسبق ذلك تنسيق روسي- تركي لتمهيد الطريق المؤدي الى تحرير إدلب وفتح طريق آخر يؤدي الى جنيف حيث المفاوضات السياسية التي أعلنت الولايات المتحدة الموافقة على المشاركة فيها والمتوقع عقدها في الأيام القادمة .
أي دور ستلعبه أمريكا ؟
وفيما يخص ردّ الولايات المتحدة الامريكية على مايجري من تخطيط لشن حرب تحرير إدلب من قبل القوات السورية وسلاح الجو الروسي ، اجاب محدثنا أنه سيكون بروتوكوليا ، شكليا ان لم يكن دعائيا ، وذلك لعدة أسباب ، أولها انّ هنالك تنسيقا أمريكيا -روسيا مسبقا بشأن العمليات الحربية في سوريا ودور كل طرف فيها وكذلك تقسيم مناطق النفوذ لكلٍ منهما على حد قوله.
وتابع عبطان حسن أن السبب الآخر هو استحالة التصادم العسكري ما بين القوتين العُظميين في أي منطقة من مناطق العالم لمعرفة كلا الدولتين حجم الدمار الهائل والكارثة الانسانية التي ستحصل نتيجة هذا التصادم ، فما بالكم لو حصل هذا في الشرق الأوسط الذي يزود العالم بخمس انتاج الطاقة من الناتج العالمي .
واشار الكاتب العراقي الى أنّ السبب الثالث في اعتماد أمريكا ردا شكليا ودعائيا كما فعلت يوم أول أمس في تحريك حاملة الطائرات «نيوپورت» وعلى متنها مئات الصواريخ نوع «توما هوك»، هو معرفتها بضعف قدرتها العسكرية على الارض مقارنة بالوجود الروسي المدعوم من ايران ، ودخول تركيا حليفا لروسيا في هَذِهِ المعركة ، علاوة على التخبط والأداء السياسييّن للإدارة الامريكية وتعدد مصادر اتخاذ القرار فيها والذي أدى ولشكل غير مسبوق الى إقالة اكثر من نصف مستشاري ترامب في فترة زمنية قياسية لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، «أضف الى ذلك دخول الصين لمسرح الأحداث وإعلانها مساندة روسيا عسكريا في حربها في سوريا مما يزيد من ضعف الموقف الامريكي وتعزيز الموقف الروسي» وفق قوله.
وتابع «الفائدة الوحيدة التي ستجنيها الولايات المتحدة، من تصاعد الحرب الباردة مع روسيا، والحرب الكلامية والإعلامية التي ستزيد من توتر الأوضاع في الشرق الأوسط، هي جني المزيد من الأرباح التي ستحصدها من عقد صفقات بيع الأسلحة لدول المنطقة الغنية كالسعودية وقطر والبحرين والإمارات من جهة، والتخلص من اجيال متهالكة من الطائرات الحربية والأسلحة التي آن الاوان لها ان تخرج من الخدمة بعد اقترابها من سنّ الإندثار والتقاعد».