على خلفية دعوة هذه الدول المملكة إلى احترام حقوق الإنسان. منذ أسبوع اندلعت أزمة مع كندا إثر إطلاق الدبلوماسية الكندية تغريدة على شبكة تويتر تعبر فيها عن «عميق انشغالها» من الإيقافات في صفوف نشطاء حقوقيين و خاصة اعتقال الناشطة النسوية سمر بدوي، شقيقة المدون رائف بدوي الموقوف منذ 2014 و المحكوم عليه بعشر سنوات سجنا و1000 جلدة بتهمة «المساس بالإسلام». و طالبت التغريدة بـ«إطلاق سراح الناشطين السلميين في ميدان حقوق الإنسان». وكان الرد الحازم لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير فاتحة لإجراءات استثنائية و غير مسبوقة ضد كندا بسبب ما اعتبره «تدخلا في الشؤون الداخلية للمملكة» و«مساسا بعقيدتها وأمنها».
تعدد الإجراءات ضد كندا من قبل الرياض (طرد السفير الكندي و استدعاء السفير السعودي للرياض، وقطع العلاقات الاقتصادية وإيقاف الاستثمارات الجديدة، وسحب 12 ألف طالبا من كندا وتحويل المرضى السعوديين من مستشفيات كندية إلى بلدان أخرى، و قطع شركة الطيران السعودي جولاتها نحو كندا ابتداء من 13 أوت) إجراءات توحي بحدة الأزمة بين البلدين. لكن حجم الإجراءات كان محل تساؤل في العواصم الغربية وحتى العربية لما له من صرامة. وإن حاول رئيس الوزراء الكندي تفادي الأزمة بقوله «نحن لا نريد علاقات سيئة مع العربية السعودية، بلد له بعض الأهمية في العالم وهو يحقق تقدما في ميدان حقوق الإنسان»، فلقد أضاف «الكنديون ينتظرون من حكومتهم أن تتحدث بوضوح وبصرامة وبلطف في مسألة احترام حقوق الإنسان في العالم، وسوف نواصل القيام بذلك»، رافضا بذلك تقديم أي اعتذار للسلطات السعودية.
إجراءات لها أبعاد مختلفة ومترابطة تفسر عمق الأزمة وتوقيتها وتتعلق، في البداية، بالبعد السياسي للإصلاحات الاجتماعية التي شرعت فيها المملكة منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد. ثم للإجراءات السعودية ضد كندا بعد إقليمي خفي عن التصريحات الرسمية. و ثالثا، يتعلق الأمر بالأداة المستخدمة من قبل الدبلوماسية الكندية ألا وهي شبكة تويتر.
التحكم في وتيرة الإصلاحات
التنديد ب «التدخل في الشؤون الداخلية»، الذي هو موقف شرعي و مفهوم من قبل أي دولة في العالم، هو في الحقيقة رفض لأجندات خارجية تتعلق بالإصلاحات التي قررت المملكة إدخالها سواء في مسألة حقوق المرأة (سياقة السيارات، العمل، التنقل، دور السينما، الحفلات الغنائية،المهرجانات، إلخ) أو الحريات العامة و الشخصية للسعوديين. نسق الإصلاحات في المملكة هو من مشمولات القصر الملكي. وهو يندرج في إطار تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في انتظار اعتلائه العرش. الخطاب الرسمي «الليبرالي» الداعي إلى بعض التغييرات التي تمس نصف المجتمع من الإناث والشباب والمثقفين، الذي أصبح حقيقة ابتداء من شهر جوان 2018، هو عربون تغيير يقدمه ولي العهد للمجتمع السعودي. لكن نسق التغيير يخضع إلى توافقات مع مختلف القوى الفاعلة في المجتمع و الدولة بما فيها رجال الدين. وهو أمر لا يمكن حسمه خارجيا في تقدير السلطات السعودية.
البعد الدولي للقضية
صرح عادل الجبير في رده على تغريدة الدبلوماسية الكندية أن المملكة لها «دعم من الدول الخليجية ما عدا قطر» و «دعم عربي و دولي». ذكر دولة قطر في هذا الإطار يتعلق بقضية رائف بدوي، شقيق سمر بدوي، الذي تتهمه المملكة العربية السعودية بتلقي تمويلات من قطر لبث البلبلة في المجتمع السعودي. وكانت السعودية قد ألقت القبض على محاميه و حكمت عليه ب 15 سنة سجنا. أما عائلة رائف بدوي، زوجته وأولاده الثلاثة، فهم يتمتعون باللجوء السياسي في ... كندا.
و في حين تنشط سمر بدوي في الداخل تتحرك الزوجة في كندا، وبالتحديد في مدينة شاربروك، حيث قامت، بمساندة واضحة من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس واطش و منظمة العفو الدولية، بأكثر من 160 مظاهرة في الشوارع أيام الجمعة لمناصرة رائف بدوي و المطالبة بإطلاق سراحه. وهو ما أغضب إلى أقصى الحدود السلطات السعودية التي تعتبر أن ذلك يسيء إلى سمعة وصورة المملكة في الخارج.
تحرك المجتمع المدني السعودي
البعد الثالث الذي يفسر صرامة الرد السعودي يتعلق، في قضية الحال، باختيار شبكة تويتر كوسيلة للتعبير الدبلوماسي. أصبحت منذ سنوات السعودية من أهم البلدان المنخرطة في شبكات التواصل الاجتماعي حيث صنفت الأولى عالميا عام 2016 من قبل منظمة «غلوبل ميديا إنسايط» وهي تتمتع بتغطية لشبكة الأنترنت فاقت 90 % من الأراضي. شبكة تويتر أصبحت منذ سنوات الأداة الأساسية للتعبير لدى الشباب والمثقفين. وهي فضاء افتراضي يسمح للذكور و الإناث بالتخاطب في كنف المساواة بعيدا عن الرقابة. أما باقي وسائل التواصل التقليدية فهي تحت سيطرة الدولة و لا تقبل بالتعبير الحر عن الرأي إلا في إطار منظم و مسموح به. أما باقي الوسائل فهي أساس التواصل في المملكة (8 ملايين على فيسبوك و7 ملايين على تويتر و 5 ملايين على انستاغرام) حيث تسجل شبكة يوتيوب 90 مليون مشاهدة يوميا، حسب الأرقام الرسمية.
التعبير عبر تغريدات تويتر هي وسيلة سريعة لمخاطبة المجتمع السعودي الذي يصل فيه الشباب (تحت 24 سنة) نسبة 45 %. وهي وسيلة يمكن استخدامها للتعبير عن الرأي في هذه المسألة أو تلك و لا تخضع لأي رقابة من قبل السلطات. فهي بذلك تشكل خطرا على نسق السياسة التي اتبعتها إلى حد الآن الدولة و التي، في منظورها، لا بد أن تخضع للتوازنات الضامنة لوحدة الوطن.
لكن ذلك يخفي تنامي المجتمع المدني السعودي الذي أخذ، منذ ولاية الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في تطوير التعبيرات السلمية في ميادين الفن والإبداع والثقافة. فمنذ ذلك العهد تمكن المبدعون من التعبير عن مشاغلهم عبر قنوات التواصل الإجتماعي وبث منتجاتهم في شبكة يوتيوب وفي دور عرض النزل وحتى في الشوارع. وازدهر الأدب السعودي، بما في ذلك الأدب النسائي، عبر عشرات الأقلام التي دخلت ميدان الكتابة والنشر. وهو ما جعل السلطات تتفطن إلى التغيير العميق الذي يحصل في المجتمع السعودي.