وغير مباشرة على القضايا التي تؤرّق الشرق الأوسط ،وتثير هلع الدول الخليجيّة وأوّلها صراع النّفوذ المتنامي في المنطقة والحروب المشتعلة في بلدانها .
هذا وانطلقت الثلاثاء قمة خليجية أمريكيّة في العاصمة السعوديّة الرّياض على مستوى وزراء الدفاع، قبيل انعقاد لقاء بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقادة الدول الخليجية على هامش قادة دول مجلس التّعاون اليوم الخميس ، وذلك قبيل أشهر قليلة من انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي في وقت تواجه فيه المنطقة العربية أزمات حارقة أثقلت كاهل الدول المعنية وألقت بتداعيات خطيرة على اغلب دول العالم. وتأتي الزيارة في وقت يسود فيه التوتر العلاقات بين واشنطن وحلفائها في الخليج لعدّة أسباب أثرت بطرق عدة على التحالف التقليدي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية ، فرغم محاولة الطرفين عدم إظهار التوتّر بين البلدين يرى شق أن الجفاء كان السّمة البارزة التي طبعت علاقة البلدين خلال العقود الأخيرة سواء على مستوى المواقف تجاه ملفات المنطقة أو على مستوى المصالح المتبادلة على غرار النفط، صادرات السلاح . في حين يرى شق آخر انّ العلاقات بين واشنطن والرياض تبقى مفصلية رغم اهتزازها في السنوات الأخيرة.
من 11 سبتمبر 2001 إلى اليوم
قبل الحديث عن السياسة الأمريكية في المنطقة والموقف السعودي من قضايا الشرق الأوسط وجب أولا إلقاء الضوء على واقع العلاقات بين البيت الأبيض والبلاط الملكي السعودي ، فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 ، التي نفذها موالون لتنظيم القاعدة الإرهابي ، كان من بينهم 15 سعوديا ، شهد الخطاب الامريكي والغربي عموما تغيّرا ملحوظا في التعامل مع مصطلحات مثل الوهابية والسلفية حيث وصل الأمر حدّ القول بوجود علاقة تربط ايديولوجية الوهابية بايديولوجية التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» ، وهو مازعزع وفق مراقبين علاقة الولايات المتحدة الأمريكية التحالفية مع المملكة العربية السعودية اولا وبدول الخليج ثانيا . على هذا الأساس يرى محللون أن أحداث 11 سبتمبر 2011 غيرت المعادلة ،حيث شهدت أمريكا مطالب متزايدة في الآونة الأخيرة طرحت في الكونغرس الأمريكي تقضي بضرورة استصدار قانون يُلزم السعودية بدفع تعويضات مالية عن هجمات 11 سبتمبر،واجهتها تهديدات سعودية ببيع سندات خزينة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار ، علاوة على أصول أخرى تملكها المملكة في الولايات المتحدة كما أشارت صحيفة «نيويورك تايمز « في تقرير حديث لها. ويتيح مشروع القانون لعائلات ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر 2001 أن تلاحق أمام القضاء الأمريكي الحكومة السعودية لمطالبتها بتعويضات، يشار إلى أن محكمة أمريكية قامت خلال شهر سبتمبر المنقضي بتبرئة المملكة العربية السعودية .
في هذا السياق قال الباحث والكاتب اللبناني المختص في الشؤون الخليجية علي مراد لـ«المغرب» بخصوص الأسباب التي دعت الكونغرس الأمريكي وشخصيات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى إعادة إثارة موضوع الصفحات ال 28 الخاصة بدور السعودية في هجمات 11 سبتمبر رغم تبرئتها من قبل المحكمة.
يشار إلى أنّ تقرير الـ«28 صفحة» هو تقرير متعلّق بأحداث 11 سبتمبر يضمّ معلومات سريّة عن الحادث ،تمّ فيه توجيه أصابع اتهام لدول معينة.
وتابع محدّثنا أنّ مرشّحا الحزب الدّيمقراطي هيلاري كلينتون وتوم ساندرز أبديا تأييدهما لتمرير مشروع القانون في الكونغرس الذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات سبتمبر بمقاضاة الرياض. وأشار علي مراد انه «قبل عدة أشهر كانت تدور في لجان الكونغرس ومجلس النواب مداولات حول دور الايدولوجيا الوهابية التي تنشرها السعودية في العالم في المساهمة ببروز حركات متطرفة تحمل الفكر الوهابي في تعاليمها، منها القاعدة و«بوكو حرام» و«داعش» مؤخراً ،فالأمريكيون يعرفون ذلك منذ زمن، وهم كانوا شركاء السعوديين في دعم هذه التنظيمات من أفغانستان في الثمانينات وصولاً إلى سوريا مع بدء ما سمي بالربيع العربي».
ويرى مراقبون أنّ زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض ولقاءه القادة الخليجيين يحمل أهدافا خفية على غرار المشهد في المنطقة ودور الأطراف الإقليمية على غرار إيران في كل من المعادلة السورية واليمنية.
«طهران» ورقة ضغط
وعلى صعيد أهداف زيارة الرئيس الأمريكي إلى السّعودية أجاب الباحث اللبناني انّ الزيارة تندرج ضمن مساع حثيثة لإعادة ترتيب العلاقة مع دول الخليج ، معتبرا انّ قضية 11 سبتمبر، أعيد استحضارها فقط لممارسة الضغط وللابتزاز المالي.
وتابع الباحث اللبناني علي مراد أنّ الواقع الإقليمي الجديد يفرض على جميع الأطراف تقبل الدور الإيراني في المنطقة باعتبارها دولة نووية فاعـلة ، رغم رفض السعودييـن ، مشيرا إلى أنّ الإدارة الأمريكية تحاول إقناع الخليجيين بالمعادلة الجديدة.
وأكد الكاتب والباحث المختص في الشؤون الخليجية أن العقيدة السياسية الأمريكية براغماتية في علاقاتها وحمايتها لمصالحها، مضيفا أن مستقبل منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تحديده من دون التفاهم مع القوى الإقليمية الكبيرة، وعلى رأسها إيران المنضمة حديثاً إلى نادي الدول النووية الحديثة، واقتصادها واعد جداً ومتوقع له الازدهار وفق تعبيره.
ورقة ضغط مضادة ؟
ويربط متابعون للشأن الدولي أنّ المملكة العربية السعودية تسعى بكلّ جهدها وإستراتيجيتها للحفاظ على موقعها في معادلة الشرق الأوســــط ، حيث اعتبر الباحث اللبناني علي مراد أن الاتفاق الأخير بين القاهرة والرياض بخصوص جزيرتي تيران وصنافير ، هو خطوة سعودية استباقية لزيارة باراك اوباما.
واعتبر أنها محاولة سعودية للتأثير على القرار الأمريكي عبر إغرائهم ببوادر انفتاح على «اسرائيل « ، لكي يتم فتح ثغرة في العلن للتقارب مع الابن المدلل لواشنطن «إسرائيل» من باب جزئية البنود التي تخص الجزيرتين والملاحة الدولية التي انتقلت من مصر إلى السعودية .
النفط ..خارج الحسابات ؟
كما هو معلوم فان العلاقات الأمريكية السعودية تحكمها مصالح سياسية وأخرى اقتصادية، إذ يرى محدّثنا أن مرحلة استفادة الأمريكيين مادياً من نفط الخليج تكاد تنتهي، النفط سيستمر في أسعاره المتدنية، والاعتماد أصبح على النفط الصخري، وبين عامي 1990 و2003 استفادت واشنطن من برنامج التخفيضات على خام النفط السعودي، وجنت أرباحا كثيرة مقابل مصالح صغيرة ونفوذ سعودي في المنطقة».
وأشار علي مراد أنّ المملكة ستعلن يوم 25 افريل الجاري خطتها الاقتصادية القادمة لمستقبل البلاد، ستنقل السعودية من مرحلة النفط إلى مرحلة ما بعد النفط، في محاولة لبناء اقتصاد جديد دون الاعتماد على النفط – وفق تعبيره- وهو أمر مستحيل التحقّق وفق آراء محللين .
واعتبر الكاتب اللبناني في حديثه لـ«المغرب» انّ «هذه المرحلة ولّت واعتقد بأنّ أوباما سيُخبر خلال زيارته الرياض وبقية الدول الخليجية بأن الإصلاحات مطلوبة ،وبالفعل هناك عملية انقلاب ناعم تحصل في السعودية، قبل أشهر أغلقوا مكاتب «رابطة العالم الإسلامي» في دول العالم، و الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، وقبل أيام صدر قرار جديد يقضي بتقليص دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
وتابع «اعتقد أن هذه الإصلاحات «التجميلية» يفرضها محمد بن سلمان ليؤكّد للأمريكيين أن السعودية جاهزة للإصلاح ، علما وان هذه الهيئات والمؤسسات تعتبر المسؤول الأوّل عن نشر الايديولوجيا الوهابية في العالم، وقد رأينا اثر هذه الايديولوجيا في هجمات حصلت في مختلف دول العالم، ما يحصل هو عملياً محاولات سعودية للإيحاء بأنّ علاقة نظام الرياض بنشر الايديولوجيا الوهابية قد انتهت ».
بين السياسي والاقتصادي
وفي ظل أهمية الجانب الاقتصادي بين البلدين باعتبار انه العامل الأول في التأثير على الجانب السياسي، قال محدّثنا أن سياسة واشنطن التي تظهر التغير الكبير الطارئ على المنطقة قائم على أسباب اقتصادية بالأساس .
وتابع مراد قوله ان «الأمريكيين لم يعودوا بحاجة إلى السعودية كشريك أساسي في منطقة الشرق الأوسط واعتقادي أن دورها سوف يتم تحجيمه كما تم تحجيم دور قطر، خاصة بعد الإخفاقات العديدة من سوريا والحرب على اليمن وليبيا ، ففي اليمن وحدها يلوم الأمريكيون السعودية بسبب تعاظم نفوذ «القاعدة» في الجنوب اليمني».
وعن الملف السوري وتأثيره على العلاقات بين واشنطن والرياض يرى علي مراد أنّ المعادلة السورية كان لها تأثير كبير على العلاقة بين البلدين، في ظل الفرصة التي قدمها الأمريكان للرياض ، وذلك لإحداث تغيير على الأرض والاستثمار في السياسة والمفاوضات مع روسيا لتحصيل مكاسب ملموسة ، وفق تعبيره ، الاّ انّ فشل متعهد الحرب على النظام السوري «الأمير بندر بن سلطان» عندما كان رئيساً للاستخبارات العامة رغم انه اشترى السلاح الوفير وضخ الكثير من المال في سوريا ، كان أيضا من بين أسباب التباعد بين حلفاء الأمس على حدّ قوله، مضيفا أن الرياض ناورت خلال العام المنصرم بالاشتراك مع تركيا ،من اجل العودة من جديد للساحة السورية وتحقيق انجازات إلا ان التحالف الروسي السوري الإيراني أجهض المساعي السعودية التركية.
وتابع مراد ‘في ظل العجز السعودي عن تحقيق اختراق في المسالة السورية اختارت أمريكا أن تتصدر هي وروسيا بشكل مباشر إدارة ملف المفاوضات والهدنة في سوريا، وفي الأشهر المقبلة سوف نشهد الانسحاب السعودي الكامل من ملف الأزمة السورية بضغط أمريكي».
الآراء إزاء العلاقات الأمريكية منقسمة فرغم انّ اغلبها تعتبرها ضعيفة ، يرى البعض الآخر ان الرياض لا تزال حليفا قويا لواشنطن ربما دون علاقات إيجابية في الوقت الراهن ولكن هناك مصالح مشتركة على الصعيد الاستخباراتي أو التعاون في الحرب ضدّ تنظيم «داعش» في المنطقة.