وطرد السفير الإيراني في الرباط، بعد تأكدها أن إيران وميليشيا حزب الله، تدعمان جبهة البوليساريو بتدريب مقاتليها وتسليحهم بحسب ما اعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. وتابع أنه قام بزيارة إلى طهران حيث أبلغ نظيره الإيراني محمد جواد ظريف قرار المملكة، مؤكداً مغادرته برفقة السفير المغربي هناك. وقال إنه سيستقبل القائم بالأعمال الإيراني في الرباط لـ«مطالبته بمغادرة التراب المغربي».
قد جاء هذا القرار المفاجئ في الوقت الذي تشهد فيه ايران حصارا دبلوماسيا من قبل جيرانها الخليجيين وفيما يترقب العالم القرار الذي تنوي الادارة الامريكية اتخاذه بشأن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الايراني من عدمه يوم 12 ماي القادم. وتلقت الدول الخليجية المعادية لايران وعلى رأسها الامارات والسعودية والبحرين هذه الخطوة بترحيب كبير ، اذ أكّدت الإمارات وقوفها مع المغرب ضد التدخلات الإيرانية، مشددةً على موقفها الثابت في السراء والضراء. كما أكدت البحرين تأييدها «بقوة» لقرار المغرب «الصائب». فيما عبر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، عن وقوف المملكة إلى جانب المملكة المغربية الشقيقة في كل ما يهدد أمنها واستقرارها ووحدتها الترابية.
أزمة ثنائية
واللافت كان حرص المخزن على التأكيد بان قرار قطع العلاقات ليست له علاقة بالصراع الدائر في الشرق الاوسط، واشار وزير الخارجية المغربي في هذا الخصوص الى ان قطع العلاقات يخص «العلاقات الثنائية» حصرياً بين البلدين ولا علاقة له بالتطورات في الشرق الأوسط. وكشف في تصريح اعلامي أن هذه العلاقة بدأت عام 2016 حين تشكلت لجنة لدعم الشعب الصحراوي في لبنان برعاية حزب الله، تبعها «زيارة وفد عسكري من حزب الله إلى تندوف» في إشارة إلى مخيمات بوليساريو في الجزائر. واضاف ان تصعيد الموقف جاء بناء على ادلة تكشف تورط حزب الله بارسال أسلحة وكوادر عسكرية إلى تندوف لتدريب عناصر من البوليساريو . على حد قوله. واعتبر الوزير المغربي أن مثل هذا «القرار الاستراتيجي لا يمكن أن يتخذه حزب الله دون موافقة إيران». وقد نفت ايران من جهتها اتهامات المغرب بالضلوع في النزاع مع جبهة بوليساريو بحسب ما افاد بيان لوزارة الخارجية الايرانية مؤكدا ان التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية المغربي بشأن وجود تعاون بين دبلوماسي ايراني وجبهة بوليساريو .. كاذبة».
أية تداعيات
حول قرار قطع العلاقة مع ايران وتداعياته قال الكاتب والناشط السياسي المغربي عبد الحميد جماهري مدير تحرير يومية «الاتحاد الاشتراكي» وعضو المكتب السياسي لاتحاد القوات الشعبية في حديثه لـ«المغرب» ان الرباط اتخذت الموقف، بعد أن اتصل وزير الخارجية والتعاون، ناصر بوريطة مع نظيره الايراني جواد ظريف، والتقاه على ضوء ما توفرت لديه من معطيات. وهو بذلك اختار اللقاء المباشر قبل قرار بهذه الدرجة من الخطورة والجدية لكي يقدم ما لديه، ولكي يعطي للطرف الاخر فرصة للدفاع أو لاجراء البحث أو للتفنيد …وفي الشكل دائما، كانت طريقة المغرب تريد أن تعلن أن الموقف تتحكم فيه المعطيات التي توفرت وليست أي قراءة أخرى قد تقوم بها إيران نفسها قبل أن تتدافع التحليلات من الشرق والغرب ومن هنا وهناك»..
ويضيف محدثنا :«اما من حيث المضمون فقد اختار المغرب أن يؤسس موقفه على ما يتعلق بقضيته المقدسة، وهنا لا بد من القول أن البحث في خلفيات القرار عن تأويلات من خارج هذا الثابت الوطني، معناه استهانة بحرص المغرب والتحامه حول قضيته، وذلك بالبحث عن قضايا أخرى لتبرير القرار. المغرب يريد أن يقول، من خلال البلاغ وطريقة التبليغ إن القضية المقدسة هي الوحدة الترابية وأنه لا قضية أكثر قدسية منها، لا تبحثوا عن تبرير من خارج هذا الاطار.. كذلك، يتضح مما قدمته الوزارة المغربية أن الامر يتعلق بمتابعة دامت سنتين على الأقل، وهي تعرف مبتدأها، أي منذ اعتقال القائد في حزب الله، قاسم محمد تاج الدين الذي بسببه هدد حزب الله بالانتقام من المغرب»..
ويشير محدثنا الى ان اسم تاج الدين ادرج على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة منذ العام 2009 مع شقيقيه حسين وعلي. كما أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية على لائحة العقوبات واتهمته بتبييض الأموال واستخدامها في دعم نشاطات إرهابية وإدارة العديد من الشركات التي تغطي أعمال حزب الله في أفريقيا.
وكان قاسم محمد تاج الدين على متن رحلة جوية قادمة من مطار كوناكري في اتجاه العاصمة اللبنانية بيروت، حيث جرى توقيفه من طرف السلطات الأمنية المغربية وقامت لاحقا بتسليمه إلى الولايات المتحدة وذلك بناء على مذكرة البحث الدولية الصادرة عن السلطات القضائية الأمريكية التي وضعته على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية، بتهمة غسل
الأموال، واستخدامها في دعم أنشطة إرهابية…
واوضح :«كما أن المغرب ربط القرار بتحركات أحد موظـفي السفارة الإيرانية في الجزائر، لتسهيل التواصل بين حزب الله والبوليساريو، التي تتبنى الانفصال بخصوص صحراء المغرب الجنوبية، وقدم في ذلك معطيات مادية عن هذا التورط، وانتقال التهديد الي التسليح وتوفير الرد العسكري -صواريخ - على تفوق المغرب في الجانب المتعلق بالطيران.. وهو ما يعتبر، باللغة العسكرية توجها اسراتيجيا في خلق بؤرة حربية متطورة ضد المغرب واضاف :«يحرص المغرب مع ذلك أن يقدم الدليل على قراره بالرغم من حقه السياسي في اتخاذه دون إقناع من هو موجه ضده..
مسار الصراع الخليجي الايراني
اما عن افق هذه الازمة اضاف جماهري بالقول :«ينتظر المغرب أن تتوفر الارادة في تمتين العلاقات مع إيران على قاعدة الموقف من الوحدة الترابية.. ولعل من المنطقي أن ننتظر موقف ايران مما قدم لها من وقائع ، وتقدير الموقف بناء على مصلحة المغرب ووحدته الترابية..لا غير. هل ستسير إيران نحو تبرئة نفسها بوضع حد لما يقترف باسمها في سفارتها ومعاقبة التوجهات المعادية للمغرب وفصل المسار المشرقي عن نظيره المغربي، وبالتالي العمل على تلطيف الاجواء.. وإلا سنكون أمام تحول استراتيجي كبير مفاده أن إيران تريد أيضا تصدير توترات الشرق الاسلامي الي الغرب الاسلامي وبناء منصات أخرى لتناحر مرتقب.. لحد الآن نفت إيران أن تكون تريد شرا بالمغرب وكررت «احترام سيادة وأمن» الدول التي تقيم معها علاقات دبلوماسية و«عدم التدخل في شؤونها الداخلية ».. وهو ما يرفع من أفق الانتظار حول ما ستقوم به إزاء موظفيها في سفارة الجزائر كعربون حسن نية»..
علاقات متشجنة
وحقيقة الحال فان العلاقات بين ايران والمملكة المغربية عرفت مراحل من المد والجزر .. فقد طغى التوافق السياسي زمن شاه ايران محمد رضا بهلوي والملك المغربي الحسن الثاني ، ثم شهدت العلاقات قطيعة كبرى بعد الثورة الاسلامية في سنة 1979 بسبب موقف الايرانيين الداعم لاستقلال الصحراء المغربية.. وبعدها عرفت العلاقات مرحلة انفتاح سياسي تبعتها مرحلة قطيعة اخرى سنة 2009 ثم عادت في عهد الرئيسين الايرانيين محمد خاتمي ومحمود احمدي نجاد . ولئن نفى الرباط وجود اية علاقة بين اعلان القطيعة مع طهران وما يحصل في الشرق الاوسط من صراع اقليمي وغربي ..الا ان هذا القرار من شانه ان يزيد من حدة العداء مع الجمهورية الاسلامية ويجعل منطقة المغرب العربي جبهة صراع جديدة مع طهران. في هذا السياق اعتبر الباحث اللبناني المختص في الشؤون الايرانية د. محمد شمص لـ «المغرب» ان اتهام الرباط لايران بدعم جبهة البوليساريو كان امرا مستهجنا ومستغربا لدى الاوساط السياسية المعنية بالشأن الايراني لا سيما ان ايران نفت بشكل واضح اية علاقة لها بجبهة البوليساريو .. واضاف :«اعتقد ان المغرب بعد قرار مجلس الامن الاخير
فيما يخص جبهة البوليساريو ، يحاول الايحاء بان المشكلة اكبر من جبهة البوليساريو وبان هناك جهات اجنبية وعدو كبير في المنطقة اسمه ايران هو الذي يدعم الجبهة ويدعم عدم الاستقرار في منطقة الصحراء الغربية». ويستطرد محدثنا بالقول :«ان هذا الامر موجود في اغلب الدول العربية حيث انها تسعى للخروج من ازماتها الداخلية عبر الاظهار للعالم بان هناك عدو خارجي اسمه ايران يخطط لعدم الاستقرار في المنطقة». معتبرا ان ما حدث هو محاولة مغربية للخروج من الازمة لإظهار للعالم بان المشكل ليس مع البوليساريو بل مع ايران وحزب الله ..وقال ان حزب الله ليس له اية علاقة بالجبهة وان هذه الاتهامات المغربية تأتي في سياق ضغط سعودي -ايراني - اسرائيلي لزج اسم حزب الله وايران في سياق مؤامرة تخطط لها امريكا مع شركائها في مواجهة محتملة مع ايران».واستبعد ان تكون ايران دخلت على خط المغرب مشيرا الى ان هناك محاولات لزجها في ملفات لا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد». واشار شمص الى البيان الصادر من حزب الله اللبناني والذي نفى خلاله ، «مزاعم» المملكة المغربية، حول قيامه بـ«دعم وتدريب جبهة البوليساريو»، مستهجنا «قطع العلاقات مع إيران» على هذه الخلفية، معتبرا أن المملكة لجأت إلى هذا التدبير «بفعل ضغوط دولية».