انّ خطاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب حول سوريا ودول البلطيق كان أشبه بخطاب ابتزازي لايمت للقرارات الحقيقية أو السياسة الخارجية الأمريكية بصلة ، وأضاف انّ الطريقة الوحيدة لإجبار واشنطن على الانسحاب من سوريا هي برفع تكاليف تواجدها وتحويل القواعد الأمريكية من قواعد ارتكاز استراتيجية إلى أهداف متقدمة لمحور المقاومة .
أولا لو تقدمون لنا قراءتكم لخطاب ترامب حول سوريا امس: أبعاده وتداعياته؟؟
الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي ترامب في القمة مع دول البلطيق كان أشبه بخطاب ابتزازي لايمت للقرارات الحقيقية أو السياسة الخارجية الأمريكية بصلة، فهو في حين يتحدث عن الانسحاب من سوريا يربط هذا الانسحاب بالتكاليف، ويعتبر أن الفائدة التي تجنيها الدول الحليفة لواشنطن لاتجنيها واشنطن نفسها وبالتالي يعتبر أنه على السعودية دفع تكاليف البقاء، وهنا القراءة الحقيقية للمشهد فهو من جانب يبتز السعودية لدفع المال كون السعودية هي المعنية بالفصل الجغرافي لدول محور المقاومة كأولوية قصوى لها، وهي أيضاً تسعى إلى تهديد الأمن القومي التركي والذي شكل نموذجاً بديلاً عن السعودية في دول العالم الإسلامي بما يهدد مكانة الرياض في هذا العالم وبالتالي تشير المقاربة التي طرحها ترامب في خطابه هذا إلى أن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية التي تسعى واشنطن إلى تحقيقها يجب أن تكون بأقل التكاليف الممكنة إذا لم نقل أن ترامب يسعى لأن تكون معدومة تماما، أما الجانب الآخر من الخطاب فترامب يريد أن يغازل تركيا خوفاً من خسارتها النهائية لصالح الفضاء الأوراسي، فواشنطن لم تعتد أن تكون طرفاً في الصراع كما هو حالها اليوم بين السعودية وتركيا، بل كانت دائما تدير الصراع لمصالحها بين الخصوم والاعداء، وبالتالي الانسحاب يعني خسارة السعودية مقابل تركيا وهو ماسيدفع بالسعودية لاختيار البديل الروسي، والبقاء يعني خسارة تركيا بالكامل كدولة ارتكاز للناتو بصفتها جناحه الجنوبي، ومن سيحكم اللهجة الأمريكية هي نتائج أستانا، ففي حال كانت تقاربية فعلياً مع الروس والإيرانيين ستتحول اللهجة الأمريكية حول البقاء في الشرق السوري إلى لهجة تصعيدية نوعاً ما، وهو ماسيحصل على الأغلب.
ماهي قراءتكم لاسباب هذا الموقف الامريكي الجديد؟؟
أسباب الخطاب الأمريكي في دول البلطيق وحديثه عن سوريا والتمويل السعودي، هو ابتزاز واضح لهذه الدول لكي تدفع الأموال لترامب مقابل الحماية، فوضع دول البلطيق الحالي هو وضع مكلف وموتر للعلاقات الأمريكية الروسية، وهو مايراه ترامب عقبة حقيقية لاتستحق تحمل كل هذه التكاليف، حتى أنه أكد في نهاية الخطاب على أنه من الواجب تحسين العلاقات مع روسيا، وهذا التصريح بحد ذاته يثير ذعرا حقيقيا لدى دول البلطيق وبالتالي كان ترامب يضع هذه الدول أمام خيارين لاثالث لهما، إما أن يدفعوا التكاليف الكاملة ويشرعوا لتنفيذ كل الأوامر الأمريكية، أو أن ينتهجوا سياسة خارجية أقل حدة مع روسيا، خاصة بعد نشر الناتو لكتائبه الأربعة في هذه الدول على الحدود مع روسيا في منتصف عام 2016، بالإضافة إلى أن ترامب يريد استهداف خط السيل الشمالي2 الذي تبنيه روسيا لتغذية أوروبا بكميات غاز إضافية والذي يمر من بحر البلطيق، لذلك كان يعلق أنه على هذه الدول شراء الغاز الأمريكي وليس الروسي، لتتقاطع تصريحاته مع تصريحات سابقة للرئيس الفرنسي ماكرون يعتبر فيها دول البلطيق سبب المشاكل مع روسيا، كتصريحات ابتزازية أيضاً، بالنتيجة ذكر وضع القوات الأمريكية في سورية لم يكن إلا رسائل غير مباشرة وليس له أي قيمة أو دليل أو توجه.
برايكم ماهي الفرضية المتوقعة في مثل هذه الحال ؟
لاننسى أن القوات الأمريكية في سوريا ذات وجود استراتيجي، أي هي لتطويق إيران مع القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان، ولتطويق القواعد الروسية شرق المتوسط في سوريا من خلال ربط سلسلة القواعد الأمريكية من الخليج إلى الأردن والقاعدة الجديدة في العقبة وقواعد العراق، بالتالي لن يكون هناك انسحاب أمريكي إلا في حال كانت التكاليف أكبر مما تستطيع تحمله الولايات المتحدة الامريكية، على عكس الوضع الراهن اليوم الذي يتيح لواشنطن إبقاء سيطرتها على ثلث سوريا بالمجان، لذلك الطريقة الوحيدة لإجبار واشنطن على الانسحاب هي برفع تكاليف تواجدها وتحويل القواعد الأمريكية من قواعد ارتكاز استراتيجية إلى أهداف متقدمة لمحور المقاومة، ومن هنا التعويل هو على المقاومة الشعبية التي انطلقت حديثاً في شرق سوريا.