معلنة سقوطها تحت السيطرة التركية ، وذلك بعد مضي حوالي شهرين على انطلاق ما سمي بـ«غصن الزيتون» ... هذه العملية العسكرية التي تهدف بالأساس الى محاصرة وحدات حماية الشعب الكردية بعد سلسلة الانتصارات التي حققتها بعيد تحريرها المناطق الكردية شمال سوريا من ايدي داعش الارهابي.. وتنضوي في هذه العملية الى جانب القوات التركية فصائل معارضة سورية سبق ان شارك معظمها في عملية «درع الفرات» التي نفذتها انقرة قبل عامين قرب حدودها مع سوريا واستهدفت حينها تنظيم داعش الارهابي والقوات الكردية في أن معا. وتصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية «إرهابية» وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
وبذلك يكون أحد اهم اهداف انقرة قد تحقق بالسيطرة على منطقة استراتيجية وهامة على حدودها ، والمفارقة ان هزيمة الكرد تزامنت مع ذكرى احيائهم يوم غد عيد النوروز. وفي تحد واضح للأكراد أقدم مقاتلون على تهديم تمثال «كاوا الحداد» الذي يعد احد اهم الرموز في الثقافة القومية الكردية ويرتبط اسمه بعيد رأس السنة الكردية. وبسقوط عفرين ذات الغالبية الكردية ينتهي ربما حلم راود الاكراد طويلا بإقامة دولتهم في الشمال السوري والتي تعتبرها انقره تهديدا مباشرا لأمنها القومي خاصة ان عفرين شكلت على مدى خمس سنوات احد الاقاليم الثلاثة التي انشا فيها الاكراد ادارتهم الذاتية ...وفي اول رد له قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «الآن، سيُرفع العلم التركي هناك!». في حين توعدت الادارة الذاتية الكردية بالرد معتبرة ان الحرب ضد ما اسمته « الاحتلال التركي» دخلت مرحلة جديدة ..
مرحلة جديدة
وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان فان هناك ألف شخص فر من المدينة وتوجه معظمهم إلى مناطق يسيطر عليها الجيش السوري شمال حلب. وحصيلة هذا الهجوم الاوسع منذ بدء عملية « غصن الزيتون» بحسب ما اعلن الجيش التركي هو مقتل 46 من جنوده، في حين وثق المرصد السوري المعارض مقتل أكثر من 400 مقاتل من الفصائل السورية الموالية لأنقرة، وفي المقابل قتل 1500 مقاتل كردي ..
جاءت هذه العملية لتزيد من تعقيدات المشهد السوري وتحكم قبضة الاتراك على المعادلة السورية، في هذا السياق يرى الكاتب السوري منير شحود في حديثه لـ «المغرب» ان ما حدث في عفرين يذكّر بما كان يحدث في العهد العثماني، حيث أنشأ سلاطين العثمانيين الجيش الانكشاري وأطلقوا له العنان في ولاياتهم مترامية الأطراف. وقال ان هذا ما يستعيده الرئيس التركي الحالي، أردوغان، بتشكيله لجيش انكشاري جديد، لكن من السوريين هذه المرة. وتابع بالقول :» كان أول ما فعله هذا الجيش هو تحطيم تمثال كاوا الحداد، رمز حرية الأكراد وانعتاقهم ، مع أن ثمة من مازال يطلق عليه «الجيش الحر». مثل هؤلاء الجهلة كانوا قد حطموا أيضاً تمثال الثائر ضد الانتداب الفرنسي، إبراهيم هنانو، والشاعر الفيلسوف، المعري، عام 2012. يحدث ذلك في ذكرى قيام ثورة على نظام الاستبداد لم تلبث أن حولتها التدخلات الخارجية إلى لعبة لتحقيق مصالحها في سوريا على حساب دماء السوريين».
مقايضة بين انقرة وموسكو؟
وعن تداعيات هذه العملية اجاب :«أعطى وجود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) الحجة لتركيا، وهي التي تصنفه إرهابياً، لدخول عفرين، مع أن المرامي التركية أبعد من ذلك، ففي الوقت الذي دخل فيه الأتراك إلى عفرين ورفعوا علمهم، كان الروس ينسقون معهم ويتفاوضون مع المسلحين المدعومين منهم لإقفال ملف الغوطة الشرقية. إنها مقايضة مكشوفة على حساب السوريين، يشهد عليها سيل المهجرين المتزامن من الغوطة وعفرين، في حلقة أخرى من المأساة السورية».
ويضيف :«الدولتان، روسيا وتركيا، ضامنتان لاتفاقات خفض التصعيد في أستانة، وكانتا على طرفي نقيض فيما يتعلق بالأزمة السورية، حيث دعمت روسيا النظام على طول الخط ، في حين دعمت تركيا الثورة عليه، وهذا لم يمنع تحالفهما في وجه السياسة الأمريكية بسوريا من جهة، وإجراء الصفقات من جهة أخرى، ومنها صفقة عفرين- الغوطة الشرقية الحالية».
ويضيف محدثنا بان الدول المتنازعة على الكعكة لا تهتم بدماء السوريين، وتتساوى جميعها في استباحة هذه الدماء في سعيها لتحقيق مصالحها، وحتى تتفق على تحديد مناطق نفوذها بصورة نهائية. كما لا يجب تحميل الخارج المسؤولية فقط، فلم يظهر، حتى الآن، الطرف الوطني السوري الممثل لمصالح السوريين ككل، في العمل على وقف الحرب وضمان البديل الديمقراطي. واعتبر محدثنا انه لا بد من إجراء مراجعة شاملة لأحداث السنوات السبع الماضية من أجل استخلاص العبر على قاعدة تشابه ممارسات الأطراف الداخلية من أجل تجاوز واقع الانقسام الحالي.
وعن الدور التركي الجديد بعد احتلال عفرين وتداعيات فوز بوتين بالرئاسة وتاثير ذلك على الملف السوري يجيب بالقول :«تركيا مرتاحة الآن، وقد ضمن لها انتخاب بوتين استمرار السياسة القيصرية المتقاطعة مع أحلام سلطانها أيضاً، بينما جل ما يمكن أن تحققه مع الأمريكيين هو التفاهم على منبج، أما أحلامها بالسيطرة على الشريط الحدودي من الجانب السوري شرق الفرات، فهي مؤجلة حالياً، والأمريكيون ليسوا مرتهنين لها بعد بناء قواعدهم الجديدة شرق سوريا، فيما تحاول التعويض عن ذلك بالهجوم على المناطق الحدودية من شمال العراق بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني».
في اكتوبر من عام 1918 انسحب العثمانيون من سوريا في أعقاب الثورة العربية الكبرى والحرب العالمية الأولى ..واليوم تعود الاعلام التركية لترفرف من جديد في الشمال السوري تحت ستار «غصن الزيتون»..في احدى اخطر انعكاسات «الثورة» التي اندلعت قبل ثماني اعوام من اجل المطالبة بالديمقراطية والعدالة ...واذا بها تتحول الى حرب اقليمية وعالمية كبرى ، في لحظة فارقة من تاريخ سوريا الحديث ...