، اتصالاً بتجدد مساعي «اسرائيل» للحصول على وضعية مراقب في الاتحاد الافريقي بغرض تغيير النمط التصويتى للدول الأفريقية فى المحافل الدولية، وقد تجسدت مخاوفنا في مشروع القرار الذي قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت عليه في 21 ديسمبر 2017 لرفض اعتبار الرئيس الامريكي مدينة القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي وما دفعني للإشارة مجدداً لخطورة التغلغل الاسرائيلي في القارة السمراء امتناع دول : أوغندا والكاميرون وبنين وغينيا الاستوائية عن التصويت على مشروع القرار والمنهج الخطير الذي اتبعته دولة توجو بالتصويت ضد القرار وذكرني ذلك الموقف السلبي بتغريدة لنتنياهو في جانفي 2017 أشار فيها الى حديث له مع وزير خارجية توغو حيث أشار له الأخير تعليقاً على زيارات نتنياهو الإقليمي شرق وغرب افريقيا ‘’اننا نريد ان نعطيكم افريقيا كلها’!!
وبصرف النظر عن ذلك الموقف الشخصي لوزير الخارجية وان كان يوحي في الوقت نفسه بتوجه رسمي مغاير لما كانت عليه الأمور في السابق ، حيث انه من المعلوم ان الشعوب الافريقية من اهم المناصرين للقضية الفلسطينية ولقادة افريقيا مواقف تاريخية في هذا الشأن ، وان كان من الملاحظ ان النُخب والقيادات السياسية الجديدة لا تعترف سوي بلغة المصالح ، وغياب رؤية عربيّة موحدة لكيفية تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية العربية الافريقية ، اعطى الفرصة لأطراف اخرى للتواجد القوي في الدول الأفريقية بل والتأثير على توجهات بعض قادتها، وهو ما يستدعي التفكير بطريقة استراتيجية لمضاعفة الدعم العربي للدول الافريقية ومساندة خططها في التنمية الاقتصادية .
وللتذكير ، فإن الكيان الاسرائيلي لديه قناعة راسخة بأن الحصول على وضعية مراقب بالاتحاد الافريقي، سيحقق توازن للدور الافريقي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي استناداً إلي وجود منظمة التحرير الفلسطينية بالاتحاد الافريقي كمراقب، اخذاً في الاعتبار انه في عام 2002 ونتيجة لضغوط مارسها القذافي تم منع «اسرائيل» من التواجد في اجتماعات «الاتحاد الافريقي»، أخذا فى الاعتبار أنه لا توجد وثائق تُثبت بشكل قاطع تمتع «اسرائيل» بعضوية «منظمة الوحدة الافريقية»كمراقب.
وتنتهج السياسة الاسرائيلية خطة استراتيجية لتحقيق ذلك الهدف، من خلال 3 مسارات رئيسية وهي مسار العلاقات الثنائية مع مختلف دول القارة،و مسار التجمعات الاقتصادية بهدف الترويج لصور تعاون مشترك مع دول القارة وتجمعاتها، بصفة خاصة في مجالات التكنولوجيا والأمن الغذائي، ومسار توثيق العلاقات مع مفوضية الاتحاد الافريقي، ومسعى الحصول على صفة مراقب بالاتحاد
وكما أوضحنا في المقال المشار إليه بعاليه فإن «اسرائيل» تعتمد على عدة ادوات لتوسيع نفوذها في الأقاليم الافريقية وتأتي وكالة التعاون والتنمية التابعة لوزارة الخارجية MASHAV في مقدمة تلك الأدوات إذ تحصل على تمويل من بعض الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة أو كما ذكرنا سلفاً دعم كل من الولايات المتحدة والمانيا مع تقديم «اسرائيل» للخبرة التقنية، إلي جانب وكالة MASHAV ودورها في دبلوماسية التنمية يوجد 12 مركز بحثي متخصص في كافة انحاء «اسرائيل» لإعداد الكوادر الفنية في مجال الزراعة وإدارة الموارد المائية، ويتم من خلال تلك المراكز استقبال ما يقرب من 3000 متخصص من كوادر الدول الافريقية سنوياً لحصول على دورات تدريبية.
بالتوازي مع ما تقدم، فإن «اسرائيل» تعتمد بشكل كبير على صيغة التعاون الثلاثي في افريقيا ويلاحظ بصفة خاصة تعاونها مع كل من الولايات المتحدة والمانيا، حيث تقوم كل من «اسرائيل» والمانيا بتنفيذ عدداً من مشروعات التعاون التنموية في افريقيا.
وغني عن البيان أن تل ابيب من وراء الجولات التي يقوم بها نتنياهو برفقة وفود تضم رجال اعمال ومستثمرين للتقليل من آثار عزلتها الدولية والاستناد إلى دبلوماسية القمة لإجراء اتصالات مباشرة حول قضية مثل مكافحة الارهاب تشغل حيزاً واسعاً من اهتمامات الاوساط السياسية والإعلامية في القارة السمراء، وتقدم تل ابيب نفسها للدول الافريقية على انها أفضل شريك امني يقدم خبراته إليها .
ويمكن القول أن جولات رئيس الوزراء الاسرائيلي لا تعد هي الوسيلة الوحيدة التي اتبعتها تل ابيب لمزيد من الحشد وراء مطلبها الانضمام للاتحاد الافريقي، بل تقوم تل ابيب بتوظيف لوبي داخل الدول الافريقية المؤثرة أو التي تتمتع معها بعلاقات جيدة، يضم رجال اعمال ومستثمرين يحملون جنسيات مزدوجة (افريقي اوروبي / افريقي امريكي) لهم نفوذ واتصالات مع دائرة اتخاذ القرار في تلك الدول لتحقيق تقارب بينهما والكيان الإسرائيلي، ويبقي هدف استمالة أكبر عدد ممكن من الدول الافريقية إلي جانب اسرائيل هدفا استراتيجيا لاستخدام تلك الكتلة التصويتية الأكبر في مختلف المحافل الدولية إلى صفّها، خاصة وان معظم القرارات والإعلانات الصادرة عن قمة الاتحاد الافريقي تعكس دعماً كاملاً للشّعب الفلسطيني في كفاحه المشروع ضد الاحتلال الاسرائيلي وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة وفقاً لحدود الرابع من جوان 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة وعودة اللاجئين. كما دأب القادة الأفارقة في اجتماعاتهم على دعوة المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على «اسرائيل» لوقف جميع الانشطة الاستيطانية.
ولا يفوتنا الإشارة إلى أن مساعي اسرائيل لا تتوقف عند حد الانضمام للاتحاد الافريقي فقط، حيث تقوم تل أبيب بجهود اخرى للانضمام إلي منظمة الدول الناطقة بالبرتغالية بصفة مراقب وتضم المنظمة في عضويتها كل من انجولا والبرازيل والرأس الأخضر وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية والبرتغال وتيمور الشرقية وساوتومي وموزمبيق.
وعلى الرغم ان المزاج الشعبي العام داخل دول القارة الافريقية ما زال ينظر إلي تل أبيب بصورة سلبية نتيجة معاناة تلك الدول من الاستعمار، ومع التسليم باحتمالية نجاح تل أبيب فى إعادة تسويق نفسها فى القارة السمراء وأنها قادرة على نقل خبراتها فى مجالات التكنولوجيا والأمن للدول الأفريقية المتعطشة لتلك الخبرات، فان الدول العربية الرائدة مطالبة بالتحرك بشكل جماعي لصد مساعي تل أبيب او تحييدها من خلال التعاون العربي الافريقي وتنويع أدوات غير تقليدية لتعظيم الاستفادة من الروابط العديدة التي تجمع بين الدول العربية والإفريقية في كافة المجالات ، اخذاً في الاعتبار أن القارة السمراء واعدة وبها فرص استثمارية جاذبة للمستثمرين والدول العربية بشرط أن تستند العلاقات الاستراتيجية المأمولة على المصلحة المشتركة ودعم سياسي جاد لجهود التنمية في القارة السمراء بدلاً من الارتكان فقط الي الرصيد التاريخي بين الدائرتين العربية والإفريقية والذي يبدو انه يمر بمرحلة جفاف تجسدت في ردود فعل حكومات الدول الافريقية لقرار نقل السفارة الامريكية إلي القدس والتي جاءت إما ناعمة لا ترتقي الى مستوى الحدث او صامتة وممتنعة عن التصويت مثل بنين وصولاً إلى موقف توجو برفض قرار الجمعية العامة في سابقة تتطلب الوقوف بجدية أمامها.