العسكرية والأمنية التي كانت حتى وقت غير بعيد بيد افراد الاسرة الحاكمة الموسعة..
تقول وسائل الاعلام المقربة من الرياض ان هناك حالة من الارتياح تسود الشارع السعودي نتيجة هذه التغيرات التي طالت رجال اعمال متهمين بالفساد ..وقد تصدر عنوان «من اين لك هذا» الصحف السعودية والخليجية المحسوبة على النظام ...
كما اعتبرت وسائل اعلام سعودية وعربية مقربة من النظام ان الأوامر الملكية تتماشى مع مخطط التقشف الاقتصادي ووقف النزيف الاقتصادي في المملكة على يد بعض الامراء وان هذه الخطوة جاءت تلبية لمطالب شعبية بمحاربة الفساد..
وهذا لا يخفي وقع الصدمة داخليا وخارجيا ...اذ لأول مرة تشهد المملكة موجة اعتقالات بهذا الحجم وتطال كبار الشخصيات ورجال اعمال سعوديين بارزين لهم ثقلهم الاقتصادي والسياسي مثل الأمير الوليد بن طلال و الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، الذي تمت اقالته وحل محله الأمير خالد بن عياف. اذ شملت الاعتقالات 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين. ومن بين الاتهامات التي وجهت لهم غسل الاموال واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية. كما تقرر إعفاء قائد القوات البرية من منصبه ، وتعيين الفريق ركن الأمير فهد بن تركي قائدا للقوات البرية .. من ابرز التداعيات الاقتصادية لهذه القرارات الاخيرة هو هبوط مؤشر البورصة السعودية بنسبة 1.1 بالمئة في التعاملات المبكرة ..
بين الاصلاح والانقلاب
في يوم واحد صدر الامر الملكي بتشكيل هيئة عليا جديدة لمكافحة الفساد يرأسها ولي العهد محمد بن سلمان. وفي اليوم ذاته اصدرت الهيئة قراراتها باعتقال كبار الشخصيات المشتبه بتورطهم بالفساد ..ويرى محللون ان التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها الرياض خلال اليومين الماضين لا تعدو ان تكون جزءا من سعي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد الامير محمد الى السيطرة على مقاليد الحكم عبر استبعاد الشخصيات القوية التي يمكن ان تشكل تهديدا لهذا المسار الجديد الذي بدأه الملك منذ قرار تعيين ابنه محمد وليا للعهد بدلا من ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي أعفي أيضا من منصب وزير الداخلية في جوان الماضي .
وتم وضع هذه الاقالات في اطار الحرب على الفساد والإصلاحات الكبرى التي تروج لها الرياض تحت اطار « رؤية المملكة 2030» وتشمل خفض الدعم وزيادة الضرائب ..ولئن حظيت الاصلاحات الكبرى المتعلقة بحقوق المرأة والسماح لها بقيادة السيارة بتأييد شرائح هامة في السعودية ..الا ان حالة من الترقب تسود بعض الاطياف الداخلية والاقليمية من تداعيات وانعكاسات الاقالات التي تمت خلال الساعات الماضية..فيما يمكن وصفه «بالانقلاب الابيض»..
التقارب مع واشنطن
منذ تسلمه الحكم قام الملك سلمان بسلسة من القرارات المفاجئة - يرى فيها البعض - «مغامرات سياسية «، فأمر في 26 مارس 2015، ببدء عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين باليمن وذلك عندما قامت القوات الجوية الملكية السعودية بقصف جوي كثيف على المواقع التابعة لمليشيا الحوثي والقوات التابعة لصالح في اليمن. واثقلت هذه الحرب كاهل المملكة وكلفت خزينتها فاتورة باهظة ..وذلك تحت مظلة مواجهة المد الايراني على الحدود السعودية اليمنية ..كما اشتعلت في عهده الازمة مع قطر وعصفت ببنية مجلس التعاون الخليجي..
ولئن حافظ الملك سلمان على توجهات المملكة وسياستها الخارجية فيما يتعلق بانتهاج العداء لإيران ومن حالفها...فانه حرص على فتح صفحة جديدة مع واشنطن اكثر دفئا تكللت بزيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى الرياض في اطار القمة الخليجية الامريكية .. وهي زيارة غيرت مسار القوى في المنطقة واعطت الضوء الاخضر لانطلاق الحرب الدبلوماسية والقطيعة الاقتصادية ضد الدوحة..وجاءت في اطار « مباركة امريكية» لاستلام الامير محمد بن سلمان الحكم بكل ما يستتبع ذلك من مواجهة داخلية من اجل الاستحواذ على كل مقدرات السلطة».
فقد حاول الملك ايضا حصر قنوات الاتصال مع الولايات المتحدة مع افراد اسرته المضيقة وذلك من خلال تعيين نجله ، الأمير خالد بن سلمان سفيرًا للمملكة لدى الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة وزير»، وإعفاء السفير السابق الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود من مهامه.
استقالة الحريري من الرياض؟
وفي خضم هذه التغيرات المتسارعة ، جاء اعلان رئيس حكومة لبنان استقالته من الرياض في اليوم ذاته التي تمت فيه الإقالات، لتثير جدلا واسعا وتؤجج مخاوف اللبنانيين من تبعات هذا القرار على امن واستقرار البلد.. وقد حملت ايضا دلالات واسعة تؤشر الى سعي المملكة للتحكم بمفاصل القرار في لبنان ..الا ان البعض تحدث عن امكانية ان يكون الرئيس اللبناني قد قدم استقالته تحت ضغوطات سعودية ، وذلك في اطار التوجه السعودي لتأجيج الصراع مع ايران.
والمعلوم ان لبنان شكل على مدى تاريخه ساحة للقوى الخارجية الاقليمية والدولية من اجل تصفية حساباتها ..ولئن عاش خلال العامين الماضين نوعا من الاستقرار الامني والسياسي بسبب التهدئة الحاصلة بين فريقي 14 آذار و8 آذار وكانت نتيجتها انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون بعد فراغ رئاسي ودستوري طال امده، فان استقالة الحريري من الرياض من شأنها ان تهز هذه التهدئة ،وان تشكل الخطوة الاولى نحو عودة مرحلة الانقسامات في هذا البلد..
تحضيرات لاستلام الحكم
و يعتبر المحلل السياسي اللبناني قاسم قصير ان ما يجري في السعودية يأتي في إطار تحضير الأجواء لاستلام محمد بن سلمان للحكم بدلا عن والده عبر إزالة كل المعوقات وكل المعترضين ولو تحت عنوان مكافحة الفساد .ويتابع بالقول :«كما أن محمد بن سلمان يريد إعطاء صورة جديدة للحكم ولا احد يستطيع أن يعرف ماذا سيحصل وهل المعترضون على محمد بن سلمان سيستطيعون القيام بتحرك شعبي أو عسكري وان كان هذا الأمر مستبعد حاليا لكن على المدى المتوسط قد تبرز مشاكل داخلية أن من التيارات الدينية أو القبائل والعشائر والأمراء ولا سيما بعد وفاة سلمان».
اما على صعيد استقالة الحريري فهي - بحسب قوله - قرار سعودي بهدف الضغط على حزب الله وسحب الشرعية منه والتحضير لحكومة حيادية وتشكيل جبهة سياسية ضد الحزب. واردف محدثنا ان القدرات السعودية ضعيفة وقد لا تنجح بتحقيق مشروعها
وهناك رهان على عمل عسكري اسرائيلي ضد الحزب لكن هذا الأمر ليس سهلا على حد تقدير المحلل اللبناني ..
وعن انعكاسات ما يحصل على المنطقة اجاب بالقول :«السعودية تريد استغلال التصعيد في لبنان عسى أن تفتح الباب لتسويات في الملفات الأخرى ويمكن أن تشهد تصعيدا في الملفات الأخرى لكن يبدو أن أوراق القوة لدى السعودية ضعيفة الا اذا حصلت مواجهة شاملة في المنطقة». وعما اذا كان الرئيس اللبناني اجبر على الاستقالة من الرياض قال :« لا يبدو أنه محتجز فقد ظهر في لقاء مع الملك سلمان لكن قد يكون طلبت منه الاستقالة فما يجري له علاقة بما يحصل في المنطقة وهو رد سعودي على إيران وحزب الله».