في الذكرى المائوية لوعد بلفور .. نحو إعادة توجيه البوصلة إلى فلسطين ورفض التطبيع مع «اسرائيل»

اكثر من مائتي باحث ومفكر من 50 دولة حول العالم اجتمعوا على مدى يومين في العاصمة اللبنانية بيروت بمناسبة الذكرى المائوية لوعد بلفور..هذا الوعد المشؤوم الذي اطلقه اللورد وزير خارجية الحرب البريطانية ارثر جيمس بلفور في شهر نوفمبر من سنة 1917 ، وغير خلاله خريطة المنطقة وتوازناتها ونتيجة له تم تأسيس اسرائيل سنة 1948 ..

واكد المجتمعون على اهداف عدة منها اعادة قراءة هذا الوعد بكل ما حمله من انعكاسات ومخاطر من اجل اخذ العبر والدروس من الماضي ..وشدد المشاركون على اهمية دعم القضية الفلسطينية لتبقى القضية المركزية، ورفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ومقاومة كافة وسائل التطبيع معه في شتى المجالات، ونشر ثقافة الحوار والتعاون والوحدة وتقوية المشتركات والتقريب بين المذاهب ومواجهة سياسة التجهيل والتدمير المتفشي في العالم العربي ..

وقد احتضن قصر الاونيسكو في بيروت جلسة افتتاح المؤتمر العالمي الثاني لاتحاد علماء المقاومة تحت شعار « فلسطين بين وعد بلفور والوعد الإلهي» وركز المتدخلون على ضرورة ابراز قيم المقاومة واعلاء ثقافة الوعي والتنوير ونبذ التطرف والفتن ..

الانحياز لفلسطين
المطران عطا الله حنا اكد في رسالته من القدس على ان اهمية المؤتمر تكمن في التأكيد على الانحياز للقضية الفلسطينية التي تعتبر اعدل قضية عرفها التاريخ الانساني قائلا:«تلتقون في بيروت عاصمة المقاومة والجهاد وربوع لبنان لكي تؤكدوا بان فلسطين ستبقى قضيتنا الاولى كأمة عربية وكمسلمين ومسيحيين ولن نتخلى عن فلسطين مهما تآمر عليها البعض ولن نتخلى عن القضية الفلسطينية التي يسعى الاعداء لتصفيتها ويتآمرون عليها بوسائلهم المعهودة وغيرها ...والوعد المشؤوم اعطى للحركة الصهيونية ما تريد لكي تقوم بما قامت به من تشريد واقتلاع للشعب الفلسطيني من وطنه، وبهذه الذكرى الاليمة نؤكد كفلسطينيين باننا متشبثون ومرتبطون بفلسطين ارضا وقضية وشعبا وتاريخا وتراثا وانتماء، ولن يتمكن وعد بلفور او اي وعد آخر من تغيير قناعاتنا ومبادئنا التي كانت وستبقى ثابته في وجه اولئك الذين يتآمرون علينا وعلى امتنا العربية وعلى قضيتنا الفلسطينية . مؤكدا على ان الاحتلال الصهيوني تم بوعد من بلفور وليس بوعد من الله كما يدعي اليهود »...

من ابرز المتدخلين المفكر والسياسي السوداني الصادق المهدي الذي ركز في كلمته على اهمية استخلاص العبر من النكسات والنكبات التي المت بالأمتين العربية والاسلامية على مدى القرون الماضية ، قائلا ان هناك عوامل استراتيجية ادت الى استصدار الغرب لهذا الوعد المشؤوم ابرزها « استمالة يهود اوروبا لجانب الحلفاء ، و الحرص على كسب تأييد اليهود». مشيرا الى مقولة المؤرخ الامريكي مايكل اورن في كتابه السياسة الامريكية في الشرق الاوسط من 1776 والذي قال فيه « ان النقاد منذ الحرب العالمية الاولى انذروا ان الدعم الامريكي لقيام دولة يهودية سوف ينتج حروبا لا تنتهي و سوف يدمر علاقات امريكا بالعالم الاسلامي وقد صح الاستنتاج واندلعت الحروب وكان لها اثر في التوتر والغلو والارهاب في المنطقة.

من جانبه اكد رئيس اتحاد علماء المقاومة الشيخ ماهر حمود ان الكيان الاسرائيلي نحو زوال وان وعد بلفور اطلق لشعب بلا ارض ممن لا يملك الحق ..وقال ان بيروت كانت تدك بالقنابل ورغم ذلك صمدت وباتت عاصمة المقاومة .. وأكد ان هذا الوعد يجب ان يكون موضع اهتمام العلماء والمفكرين مشيرا الى ان بن غوريون تحدث بعد تأسيس الكيان الصهيوني عن حتمية هذا الزوال ..وأكد على أن هذا المؤتمر يدعو الامة لان تقرا تجربة المقاومة وانتصار بيروت وتعيد النظر في حتمية زوال العدو الاسرائيلي ..

الشيخ محمد رمضان البوطي القى كلمة سوريا مشددا على اهمية الحديث عن المعاني العدوانية التي تضمنها وعد بلفور بدعم اقامة وطن لليهود في ارض فلسطين، كما تحدث عن ضرورة تجاوز الامة لحالة التمزق والتشرد والتشرذم والتي شجعت بريطانيا على اصدار الوعد المشؤوم لروتشيلد ..مذكرا ان حالة الضعف التي استبدت بالعالم الاسلامي والمنطقة بعد تدهور حالة الدولة العثمانية شجعت على اقتسام المنطقة و على فرض الوصاية، وقال ان المنطقة والمقدسات باتت مستباحة ولا يمكن التفريط بشبر منها .

المصالحة التاريخية
اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قال ايضا في رسالة للمؤتمر ان المصالحة الفلسطينية هي خطوة هامة رغم ما يحيط بالأمة من ازمات عصفت بأولوياتها مضيف بأن المؤتمر ينعقد على ارض لبنان وفي بيروت للتأكيد على ان قضية فلسطين ستبقى القضية المحورية للأمة وعلى راس اولويات وأجندات كل احرار العالم رغم ما يحيط بمنطقتنا من احداث وتطورات ومخاطر ...وتابع بالقول :«مضت على وعد بلفور مائة عام ونحن نقف امام صورتين، الاولى تكشف طبيعة الانحياز الغربي للمشروع الصهيوني والثانية تتمثل بالصورة المشرقة لمقاومة الشعب الفلسطيني»..

نحو الوحدة ونبذ الاختلاف
الامين العام لحزب السعادة التركي ثمال قارا مولا اوغلو قال في مداخلته ان وعد بلفور يتضمن تقديم الدعم لتأسيس دولة يهودية بالإضافة الى حماية حقوق المجتمعات غير اليهودية القاطنة في فلسطين واعتبر ان هذا الوعد تحول الى كارثة بالكامل لأهل فلسطين ونتيجته اصبح 6 ملايين فلسطيني يعيشون كلاجئين في وطنهم ومئات الآلاف من النساء وكبار السن والاطفال يحاولون البقاء على قيد الحياة في المخيمات دون توفر الحد الادنى من مقومات الحياة الكريمة ... وقال ان وعد بلفور الذي لا يزيد عن صفحة واحدة لم يكتف بالتأثير على مستقبل فلسطين بل أثر على مستقبل العالم الاسلامي بالكامل ..واشار الى ان هناك ثلاثة احداث تاريخية لا يجب تجاهلها وهي: المؤتمر الصهيوني الاول الذي انعقد في مدينة بازل في سويسرا وهو اساس فكرة تاسيس دولة يهودية في فلسطين، ووعد بلفور الذي اطلق رعاية بريطانيا ولحقتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وتأسيس دولة الاحتلال الاسرائيلي عام 1948 حيث اصبحت العقيدة الفكرية الصهيونية واقعا حقيقيا ..
وتطرق الى الازمة الحالية التي يعيشها العالم العربي معتبرا ان الخطوة الاولى هي اتحاد المسلمين لاجتياز هذه الازمة مركزا على اهمية ترك الاختلافات والخصومات والتركيز على اعلاء صوت فلسطين .. ام القضايا ...

رسالة بيروت للعالم
المدير التنفيذي للاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ حسين غبريس اكد لـ «المغرب» ان بيروت تفاجئ دائما العالم العربي ويخرج منها صوت رافض لكل اشكال الاعتراف او التطبيع مع اسرائيل ..مؤكدا ان المؤتمر الذي يعقد في بيروت اليوم والذي يضم ما يفوق مائتين وعشرين مشاركا من اكثر من 50 بلدا في العالم من القارات الاربع يحمل معاني ودلالات تفوق بكثير الواقع القائم .مضيفا بالقول : «انعقاد المؤتمر يتزامن مع الذكرى المائوية لوعد بلفور المشؤوم والذي ان اجرينا جردة حسابية بسيطة فيما نتج عن هذا الوعد المشؤوم نجد ان الخسائر الفادحة التي تكبدها عالمنا العربي والاسلامي ودول الجوار فضلا عن الشعب الفلسطيني المتضرر الاول لا يمكن لأية آلة حاسبة ان تعطي النتيجة بشأنه. وبالتالي ان هذا الحشد الذي اجتمع في بيروت، وظهرت معه اعلاميا اهمية الحضور المشار اليه، يريد ان يخرج بتوصيات وافكار وبنود عملية اكثر منها نظرية.. نريد ان نقول لكل من يعنيه الامر القريب والبعيد .العدو والصديق اولا ان معسكر الممانعة والمقاومة لم يعد ضعيفا بل اصبح رأس الحربة في مواجهة اي مشروع متآمر على منطقتنا وشعوبنا والدليل على ذلك الانهزام المستمر والمتواصل لقوى الكفر والشر.

ولا يفرق عندنا الامر بين اسرائيل المغتصبة لفلسطين والقوى الظلامية التكفيرية التي تعيث فسادا في الارض سواء في سوريا او العراق او اي مكان آخر». واضاف:«نقول وبوضوح لا مكان للدولة العنصرية اسرائيل بيننا». وعن رؤيته لما يشهده العالم العربي من حروب وصراعات اجاب :«مع التسليم بان هناك مكامن ضعف في امتنا ومع الاقرار بحقيقة ان اسرائيل استهلكت طاقاتنا الا ان ما برز مؤخرا من خلال ما جرى في سوريا وما يجري من اقتراب الانتهاء من المجرمين والقتلة في سوريا وما تحقق في العراق من دحر الارهاب يدل على ان الامة حتى لو كان فيها امراض تستطيع ان تنهض وتقاوم وتحقق المعجزات مع املنا ان تقف سائر الاطراف الاخرى في عالمنا العربي والإسلامي وقفة ضمير ليقرؤوا ماذا جرى في الماضي وما يجري اليوم ليتأكّد لهم أنّ الشرّ لا يمكن أن يبقى له مكان».

وأكّد المُجتمعون في توصيات المُؤتمر على أنّ المرحلة الّتي يعيشها العالم العربي والنهوض به من كبوته لا تكون إلاّ بالوحدة وتجاوز الانقسامات وإعلاء صوت الحق والعقل والفكر ونبذ كافّة أشكال التطرّف وذلك من أجل مقاومة أعتى خطرين هما الاحتلال الإسرائيلي والإرهاب بكافّة أشكاله...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115