غير المسبوقة التي تعيشها الدولة العراقية، بسبب عدم الاستقرار الامني، وتزايد نفوذ الميليشيات الطائفية والفساد الاداري وغيرها من الأزمات التي يعاني منها هذا البلد منذ سنة 2003 .
ويأمل الاكراد بان يحققوا حلمهم التاريخي القديم بإقامة دولتهم التي يطمحون اليها، لكي تحقق لهم الرفاهية والعدالة الاجتماعية وتؤمن لهم نصيبا وافرا من النفط . والمعلوم ان هذا الملف بقي احدى اخطر المعضلات والنقاط الخلافية بين اربيل والحكومة المركزية في بغداد طوال العقود الماضية .
معارضة شرسة
ويثير ملف الانفصال جدلا واسعا ليس فقط بين الفاعلين الاقليميين والدوليين بل بين الكرد انفسهم ، اذ هناك شرائح هامة تعارض فكرة الانفصال باعتبار ان الوقت لا يسمح بقيام دولة جديدة في خضم الظروف الصعبة التي تشهدها المنطقة وانه لن يكون -لهذا الكيان- مقومات الحياة الكفيلة باستمراره . ويرى الرافضون لمبدأ الانفصال بان هذه الدولة -ان ولدت- ستكون من الهشاشة والضعف بحيث لن تستطيع تأمين احتياجات الاقليم بمفردها عدا عن موقعها الجغرافي الذي يجعلها عرضة للاستهداف من قبل المعارضين لقيامها .
وفي السياق نفسه تتواصل تحركات دول الجوار العراقي لمنع اجراء الاستفتاء المزمع ، اذ دعت تركيا -والتي تضم أكبر عدد من الاكراد في المنطقة - امس الاقليم إلى إلغائه قائلة إنه سيمثل تهديدا لأمنها وسيضطرها إلى فرض عقوبات على جار وشريك تجاري. ووصلت الحكومة التركية في رفضها للاستفتاء الى حد اعتباره امس تهديدا مباشرا للأمن القومي التركي وسبق ان دعا مجلس الأمن القومي مسعود البرزاني إلى وقف إجراءات الاستفتاء الذي يجري يوم غد. ويبدو ان القادة الاكراد مصرون على المضي قدما نحو الاستفتاء الذي يعتبرونه مصيريا لكيانهم المستقبلي وقد بدؤوا بالامس التصويت لاستفتاء استقلال كردستان العراق في الخارج بحسب ما أعلنت مفوضية الانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان العراق مبينة أن العملية ستستمر لمدة ثلاثة أيام.وكانت اللجنة العليا للاستفتاء في إقليم كردستان أعلنت في بيان صادر عن اللجنة ، أن الاستفتاء سوف يقام في موعده، و أن الإقليم منفتح على استمرار الحوار مع بغداد.
جذور تاريخية
عن خلفية الازمة وجذور القضية الكردية اوضح الكاتب والباحث العراقي نصيف الخصاف في حديثه لـ «المغرب» ان القضية الكردية كانت سببا ومدخلا للتدخل في الشأن العراقي طوال التاريخ الحديث فالعنف رافق هذه القضية منذ تأسيس الدولة العراقية . وأوضح ان المرة الوحيدة التي خبا فيها زخم العنف هي في زمن حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم حيث ارسل في طلب الزعيم الكردي الملا مصطفى البرزاني وحوالي 700 شخص معه كانوا لاجئين في الاتحاد السوفيتي السابق ومنحه بيتا في بغداد وسيارة وعفا عن مقاتليه ولكن سرعان ما تجدد القتال بعد استخدام الدول المعارضة لحكومة الزعيم بعض العشائر الكردية وسلحتها ضد الحكومة الى حين سقوط نظامه في 1963 وبعدها استمر العنف بل البطش هذه المرة ضد القيادات الكردية والأكراد بصورة عامة في حكم عبد السلام عارف وهدأت الامور نسبيا في زمن اخيه عبد الرحمن عارف.
وتابع بالقول :«عادت الأزمة الى الاشتعال زمن البعث بعد انقلاب 17 جويلية 1968 وسلحت حينها ايران المعارضة الكردية بصورة رئيسية ، وانتهى القتال بعد توقيع ميثاق الحكم الذاتي عام 1974مع حكومة احمد حسن البكر (البعث).
ثم عادت الى الظهور خلال الحرب العراقية الايرانية وبعدها خلال حرب تحرير الكويت ومنذ ذلك التاريخ اصبح الاقليم معزولا تماما عن السلطة المركزية في بغداد . وخلال تدوين قانون ادارة الدولة الذي هو القانون الذي اعتمد خلال المرحلة الانتقالية بعد الاحتلال كدستور للعراق اصرت القيادات الكردية على تضمين القانون اعلاه بنودا تخدم وتضع حجر الاساس للإنفصال الفعلي وذلك استجابة لمشورة بيتر و.غالبريث الذي كان يعمل ضمن سلطة الإئتلاف ثم مستشارا لدى البرزاني خلال تلك الفترة وهو الان يمتلك شركة نفطية تعمل في كردستان ولا اظنه بعيدا عما يجري الآن».
واضاف :«حينما طالب بعض القادة العراقيين ومنهم المرجع الديني السيد علي السيستاني بتخلي الاكراد عن تلك البنود اشترط الطالباني ان تضم كركوك الى إقليم كردستان فورا مقابل تخليهم عنها».
مقاطعة سياسية واقتصادية
اما عن السيناريوهات القادمة فقال انها لا تتضمن حربا مع حكومة بغداد، لكن قد تتضمن مقاطعة سياسية واقتصادية مع بغداد وكل من طهران وأنقرة.
ويضيف :«ايران هددت بغلق المنافذ الحدودية مع كردستان واحتمال قيامها باحتلال اجزاء من كردستان وتركيا كذلك ستغلق المنافذ الحدودية» وعن التبعات قال :«سيعاني الاقليم -للأسف- مشاكل اقتصادية كبيرة جدا وتحديات عسكرية من الجوار الاقليمي»
ويتابع بالقول : «نتابع زيارة الوفد الكردي الى بغداد للتباحث مع السلطات فيها على موضوع الاستفتاء قد يتمخض عن مباحثاته موقف جديد بشأن امكانية الغائه او تأجيله». واوضح ان فرضية الغائه لاتزال قائمة خاصة بعد ان رأى السيد مسعود البرزاني مواقف الدول الاقليمية والدول الكبرى ومجلس الامن والأمم المتحدة».
الحل في النظام الاتحادي
والباحث يعتبر بان حل القضية الكردية يكون بمجرد تطبيق المادة الاولى من الدستور التي تصف النظام في العراق بـ«الإتحادي»، وينبغي أن يكون للجزء العربي من العراق سلطات إقليمية ومن الإقليمين العربي والكردي تتكون السلطات الإتحادية كما يفترض بالنظام الفيدرالي.
ويضيف :«الخطوة الأخرى التي تعزز النظام الإتحادي هي إنشاء مجلس الإتحاد الفيدرالي، ولغرض إنشاء هذا المجلس ينبغي اولا تعديل المادة (65) من الدستور الخاصة بسن قانون لتأسيس المجلس». وقد سبق ان اكد الباحث العراقي في كتابه الصادر مؤخرا « (العراق-دعوة للتغيير)، ان تكوين مجلس الإتحاد يمكن ان يحل هذه القضية المستعصية طارحا افكارا جدية للنقاش حولها حول تكوين السلطة التشريعية (البرلمان) العراقي من مجلسي الإتحاد والنواب يمثلون الشعب العراقي كافة». ويوضح بان هذا الاقتراح يظل خاضعا للتعديل محذرا من ان تغلغل المصالح الفئوية الضيقة هو الذي يقف حجرة عثرة امام أي حل حقيقي لمشاكل العراق وهي بالاساس الطائفية، الفساد الاداري ، وكذلك العلاقة مع اقليم كردستان».