اعتبر الكاتب والمحلل السياسي المغربي مصطفى الطوسة في حوار لـ«المغرب» ان نجاح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في تمرير قانون العمل مرجعه الضبابية والانقسام المخيم على الساحة السياسية الفرنسية.واضاف الطوسة ان ماكرون يحاول استغلال كل ثغرات وزلات منافسيه لتحقيق برنامجه الانتخابي.
• كيف ترون نجاح الرئيس الفرنسي في قانون العمل المثير للجدل ، وهل هو بداية جديدة له بعد موجة الانتقادات التي طالته ؟
بالفعل لو كانت هناك جماهير شعبية نزلت الى الشوارع للاحتجاج على هذا القانون لما وقع ماكرون بهذه الطريقة الاستعراضية على قانون العمل الذي تحدث انه كان من بين وعوده الانتخابية التي نجح في تمريرها .
هناك مبادرة وموقف انتصاري للرئيس ماكرون فهو يعتقد أنه استطاع تقسيم الجبهة النقابية في فرنسا ومنعها من تحقيق اجماع نقابي في الشّارع، وهو ايضا يستفيد ايضا من تقسيم الجبهة السياسية الفرنسية والمعاناة التي تعيشها الاحزاب السياسية من تصدّعات الجبهة الوطنية الى الصعوبات المالية والسياسية التي يواجهها الاشتراكيون وصولا الى البحث عن قيادة ومشروع للحزب الجمهوري . ماكرون استغل حاليا هذه الوضعية المتذبذبة لتمرير هذا القانون.
لذلك فان الكل يتوقّع حصول احتجاجات مقبلة وهو ماسيحسم الجدل حول ما اذا كان هذا الرفض للقانون الاصلاحي هو رفض اجتماعي او هو رفض نقابي محدود.
• ماهي الخلافات التي تعيشها الاحزاب السياسية الفرنسية وماهو تاثيرها على المشهد الفرنسي ؟
تمر حاليا الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان بمرحلة عصيبة قد تعصف بمستقبلها وتضعف حظوظها في تحقيق اختراقات انتخابية. وتتجلى هذه التحديات في اندلاع خلافات سياسية جوهرية بين أقطاب قيادة الجبهة. حرب إعلامية تجري حاليا بين مارين لوبان والرجل الثاني في الجبهة فلوريان فيليبو الذي يعتبر من بين المهندسين الأساسيين للبرنامج الرئاسي والاستراتيجية الانتخابية التي اتبعتها مارين لوبن خلال السباق الرئاسي الأخير.
الصراع السياسي والإعلامي بين مارين لوبين وفلوريان فيليبو يهدد بتفجير التناقضات الداخلية للجبهة الوطنية التي قد تضطر إلى إعادة ترتيب بيت اليمين المتطرف من جديد. ويعتبر بعض المتتبعين لقضايا الجبهة الوطنية أن هذه الأزمة قد تعيد خطر اليمين المتطرف على المشهد السياسي الفرنسي إلى مربعه الأول…أي إلى هوامش الحلبة السياسية الفرنسية …فيما يعتبر تراجعا تاريخيا لنفوذه في الوقت الذي اقترب بقوة في السنوات الأخيرة من مراكز الحكم سواء على المستوي المحلي أو الوطني مع تأهل مارين لوبين إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
• كيف استغلّ ماكرون ذلك لتحقيق وعوده الانتخابية ؟
يأتي نشوب هذه الخلافات بين قيادات الجبهة في الوقت الذي تظهر فيه مارين لوبان صعوبة واضحة في فرض شخصيتها على الجبهة لإدارة المرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية وتبوء منصب المعارض الأول للعهد الجديد. فقد تركت آثارا سلبية لدى مقربين منها بعد أدائها الباهت والفاشل في المقابلة التلفزيونية التي جمعتها مع إيمانويل ماكرون. كما تواجه صعوبة في إيجاد أرضية تطلق من خلالها انتقادات لسياسة إيمانويل ماكرون سواء على مستوى المقاربات الاقتصادية أو الخيارات الاجتماعية. ويراهن معارضو مارين لوبين على انطفاء شعلة مارين لوبين في عملية زعامة اليمنين المتطرف …ما قد يعبد الطريق إمامهم للبحث عن قيادة بديلة تطوى نهائيا صفحة عائلة لوبان في قيادة اليمين المتطرف الفرنسي.
• لو تقدمون لنا قراءتكم للمشهد الاقتصادي الفرنسي الراهن ؟
في الوقت الذي يشارك فيه إيمانويل ماكرون في اجتماعات الأمم المتحدة السنوية لمناقشة أزمات العالم الملتهبة لا شك أن اهتمامه واهتمام حكومته منصب حاليا بقوة على الوضع الاجتماعي الفرنسي الذي يستعد للدخول في مرحلة حساسة تحمل في ثناياها علامات استفهام كبيرة.
قطاعات عدة من الاقتصاد الفرنسي تريد الدخول في حركة احتجاجية للتعبير عن رفضها لمنطق الإصلاحات التي يقترحها إيمانويل ماكرون إيمانا منها إن هذه الخطوات تهدد النموذج الاجتماعي الفرنسي وتهدف إليّ تكسير آلياته.وانطلاقا من التظاهرة التي نظمتها الكونفدرالية العامة للشغل في الثاني عشر من هذا الشهر والتي اعتبرها البعض ميزان الحرارة الاجتماعية اتجاه هذه الإصلاحات، أعطت الحكومة الفرنسية الانطباع أنها تنفست الصعداء لأن مستوى التعبئة لم يرق إلى درجة الخطر التي صاحبت الاحتجاجات الصاخبة ضد قانون العمل والتي اندلعت في عهد الرئيس فرنسوا هولاند وأدت بطريق أو بأخرى إلى تبخر آمال هولاند بخوض سباق الولاية الثانية.
• هل من الممكن ان ترقى هذه الاحتجاجات الى موجة غضب من شأنها تهديد مستقبل حكومة ماكرون ؟
يجمع المراقبون على الاعتبار أن اطمئنان إيمانويل ماكرون وحكومته اتجاه احتمال عدم التهاب الأوضاع وخروجها عن السيطرة نابع من قناعتين.الأولى أن الحكومة تواجه جبهة نقابية منقسمة على نفسها بين من يعتبر أن خيارات ماكرون ستساهم في صناعة المزيد من الهشاشة في النسيج الاجتماعي الفرنسي وبين من يعتبر أن هذه المقترحات تساهم في تحرير طاقات المقاولات الفرنسية وإطلاق عجلة النمو الاقتصادي. بين من يرى فيها هدما وتخريبا لمكتسبات اجتماعية فرنسية ويجب محاربتها والتصدي لها وبين من يعتبرها إصلاحات ضرورية لإدخال فرنسا في مرحلة تكون فيها قادرة على خلق فرص للعمل وإخراج الاقتصاد الفرنسي من حالة الركود التي يعيشها منذ سنوات.
والظاهرة الثانية التي يواجهها ماكرون تطال المشهد السياسي الفرنسي، حيث يواجه الرئيس الفرنسي معارضات حزبية وسياسية لا تزال تئن تحت وطأة الصدمة التي تلقتها بسبب الانتخابات الرئاسية ولا تزال تبحث عن قيادات جديدة لتجسيد طموحاتها السياسية كما أنها تبحث عن مشاريع سياسية قادرة على مبارزة الخيارات التي يتبناها إيمانويل ماكرون في وقت فرض نفسه على المعادلة السياسية الفرنسية على أنقاض اندثار الصراعات التقليدية بين اليمين واليسار.