منبر: السياسة الأمريكية ومشروع«الربيع العربي»

صرح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في سنة 2012 بما مفاده أن هناك سبع دول عربية تمثل أهمية استراتيجية واقتصادية للولايات المتحدة. وبأن كل الاحداث التي تجري في هذه الدول تسير بشكل مرضي للولايات المتحدة وطبقا للسياسات المرسومة لها من قبل.

ومن المرجح أن الدول المقصودة بمقولة ثعلب السياسة الأمريكية هي بلدان ما بات يعرف لاحقا بـ«الربيع العربي» أو «الربيع العبري» مثلما يسميه البعض، على غرار الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي اعتبر في إحدى تصريحاته أن ما جرى في 2011 و أطلقت عليه تسمية الربيع العربي ماهو إلا ربيع عبري زاد من قوة الإحتلال الصهيوني و من تشرذم العرب على يد جماعات كانت تعيب على بعض القيادات و الحكومات تمسكها بالسلطة و عندما وصلت إلى السلطة عملت على تسخير الدين و الفتاوى لتحريم الخروج عليها. ويبدو من خلال ما ذكر أن الكيان الصهيوني كان أبرز المستفيدين من هذه التحولات التي شهدتها بلدان عربية من غير الأنظمة الملكية عرف عنها الهدوء والإستقرار طوال العقود الماضية. كما أن عدم انزعاج إسرائيل من هذه التحولات و زيارة الصهيوني برنار هنري ليفي لمواقع الخراب الذي طال هذه البلدان أثار الكثير من الشك و الريبة حول الجهات التي تقف وراء هذا الذي سمي «ربيعا».

و لم يعد خافيا أيضا، وبعد مرور سنوات على انطلاقة شرارة هذه «الفوضى الخلاقة» ، أن نتائجها، وفي مجملها، هي الأهداف ذاتها المعلنة من أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس و اعتبرته يومها في حالة مخاض، و كانت تنطق نيابة عن المحافظين الجدد. وبالتالي فإن تسمية «الربيع العربي» لا تعدو أن تكون عنوانا براقا وجذابا للنخب و الجماهير العربية لاستساغة هذا المشروع، وذلك بخلاف عبارة «الفوضى الخلاقة» التي تبدو منفرة ومثيرة للشك و الريبة والحذر لدى هذه الجماهير و النخب من المحيط إلى الخليج الذي مازالت تتحسس من المشاريع الإستعمارية.

لقد اعتمدت الجهات صاحبة هذا «المشروع الربيعي» والراغبة في مزيد الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط على ما يسمى «الإسلام المعتدل» و تحديدا حركات الإخوان في كل من مصر و تونس و ليبيا و اليمن و سوريا، وأيضا على أطراف حقوقية و ليبرالية تربت في أحضان الغرب، وذلك لتنفيذ مشروعها. و اشترطت على الإسلاميين التخلي عن «مقولاتهم» السابقة و الظهور بمظهر حداثي يتبنى الخيار الديمقراطي و يسعي لتكريسه ولو صوريا، مع تبني خيار اقتصادي ليبرالي رأسمالي مبالغ في الإنفتاح، و ذلك بعيدا عن الشريعة و أحكامها، و قد برز منظرون لما يسمى «الإسلام الديمقراطي» هدفهم إقناع صناع القرار في واشطن و غيرها بضرورة المراهنة على الحركات الإخوانية كما تكرر حج قادة الإخوان إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحولوا إلى أشخاص مرحب بهم في أروقة وزارة الخارجية الأمريكية.

ويرى الكاتب اللبناني وليد فارس في كتابه «من الربيع العربي إلى الشتاء الإسلامي» والصادر في 2013 بباريس أنه «لم يكن باستطاعة الإسلاميين البروز و الفوز لولا موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الداعم لهم و قراءة البيت الأبيض الخاطئة و دعم تركيا...». كما جاء في صحيفة الواشطن تايمز الأمريكية أن إحدى الوثائق الإستراتيجية السرية الصادرة عن البيت الأبيض تعتبر جماعة الإخوان بمثابة البديل المعتدل عن الجماعات الإسلامية الأكثر عنفا على غرار القاعدة و داعش. وأن سياسة دعم الإخوان اتضحت جليا في تعليمات سرية صدرت عن البيت الأبيض في وثيقة تحمل إسم «دراسة تعليمات رئاسية 11» في عام 2011 حيث تؤكد الوثيقة دعم الإدارة للإصلاح السياسي في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا من خلال حركات الإخوان التي ستلعب أهم الأدوار في تكريس السياسة الأمريكية في المنطقة.

و لم يميز أصحاب مشروع الربيع العربي بين نظام ممانع و نظام منبطح فأجهزوا على الجميع باعتبارهم كانوا بحاجة إلى إعادة خلط الأوراق في المنطقة بعد أن أدركوا أن عددا من هذه الأنظمة آيلة إلى السقوط إن عاجلا أم آجلا وهو ما تؤكده تقارير ويكيليكس وأخرى صادرة عن مراكز بحوث ودراسات أمريكية. فنظام مبارك على سبيل المثال كان متماهيا مع السياسات الأمريكية في المنطقة و رغم ذلك تم الإجهاز عليه باعتبار حاجة أصحاب المشروع للولوج إلى ليبيا و الهيمنة على ثرواتها عبر البوابتين التونسية والمصرية.

فالثورة الفكرية التي تسبق عملية الإطاحة بالأنظمة كانت غائبة في هذا المشروع «الربيعي» ناهيك عن عدم توفر قيادة تؤطر حركة الجماهير لها عمقها الشعبي، وغير مرتبطة بالخارج على غرار من تداولوا على حكم بلدان الربيع العربي. و بالتالي فلا يمكن، و بأي حال من الأحوال، الحديث عن ثورات عربية في ظل هذه المعطيات و في ظل ارتباط النخب التي تسلمت الحكم في بلدان الربيع العربي، و خصوصا في تونس و ليبيا و مصر، بالخارج، ارتباطا لافتا لم تعتد عليه بعض هذه البلدان التي كانت تلمح بعض السلوكات السيادية من حكامها السابقين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115