سبق أن شهدت موجة هجمات إرهابية دامية على امتداد السنوات القليلة المنقضية . ويأتي العيد الوطني الفرنسي هذا العام بعد أشهر قليلة على فوز الرئيس الشاب ايمانويل ماكرون على حساب منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية التي أجريت على جولتين الأولى 23 افريل والثانية وهي الحاسمة كانت يوم 7 ماي.
وكالعادة افتتحت الاحتفالات التي شهدت تشديدات أمنية غير مسبوقة بعرض عسكري تقليدي شارك فيه 3720 عسكريا و211 عربة من بينها 241 حصانا و63 طائرة و29 مروحية بالإضافة إلى 11 ألف جندي لتامين الاحتفالات . ولعل الفرق هذا العام هو مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -المنتخب حديثا بدوره في الولايات المتحدة - وذلك بدعوة رسمية من قصر الايليزي. كما شهد الاحتفال مشاركة نحو 200 جندي أمريكي في العرض العسكري بالشانزليزيه.
يشار إلى أن احتفالات العيد الوطني في فرنسا باتت مند سنتين تكتسي رمزية أخرى إلى جانب أنها ذكرى وطنية للفرنسيين خاصة وان البلاد شهدت خلال احتفالات عيدها سنة 2016 في مدينة نيس هجوما إرهابيا داميا هو الأعنف في تاريخ فرنسا حيث أوقع 86 قتيلا و45 جريحا. يشار إلى أن فرنسا شهدت مند شهر جانفي سنة 2016، 8 اعتداءات إرهابية خطيرة خلفت في مجملها 239 قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى بالإضافة إلى العمليات التي أفشلتها السلطات الفرنسية والتي كانت تهدد بمزيد تفجير الوضع الأمني في عاصمة الأنوار.
سياسة ماكرون بين الداخلي والخارجي
وتواجه فرنسا اليوم في ظل حكم رئيسها الشاب ايمانويل ماكرون تحديات جمة داخليا وخارجيا ، إذ يعد التحدي الأمني والحرب ضد الإرهاب من أهم الملفات الحارقة ، كما مثل ملف التهديد الإرهابي مادة دسمة لمرشحي الانتخابات الرئاسة قبيل فوز ماكرون.
بالإضافة إلى ذلك يواجه ماكرون مشهدا سياسيا داخليا مضطربا خصوصا في ظل الملفات والمشاكل المتراكمة داخل الحزب الاشتراكي في فترة حكم نيكولا ساركوزي الرئيس السابق ، وماعرفته فترة حكمه من فشل امني وسياسي رافقته انتقادات في الشارع الفرنسي . وكانت هذه التراكمات سببا في ترحيب الفرنسيين بصعود ماكرون السياسي الشاب ذي الإستراتيجية القائمة على الانفتاح الخارجي وهو مافتح الأبواب واسعة أمام حزب الرئيس الجديد ليحقق أغلبية مريحة في البرلمان وذلك في الانتخابات التشريعية التي تلت الانتخابات الرئاسية.
أما على صعيد التحديات الخارجية فيرى متابعون أن الرئيس الفرنسي الشاب يسعى لتبني سياسة فرنسا أولا -على غرار سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- يهدف من خلالها ماكرون إلى إعادة الدور الريادي لفرنسا إقليميا ودوليا.
فمنذ تنصيبه لم يخف ماكرون تعارض سياساته مع سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، إلا أن دعوة الايليزي لترامب ومشاركته في احتفالات العيد الوطني أمس انزلها متابعون في خانة محاولة تقريب وجهات النظر بين الرجلين خاصة وان البوادر الأولى لسياسة الطرفيين تتعارض في عدة نقاط علما وان ترامب اظهر دعمه للمرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان على حساب ايمانويل ماكرون قبيل فوزه في الانتخابات.
تعارض الاستراتيجيات بين فرنسا وأمريكا بدا واضحا أيضا من خلال انتقاد ماكرون لنظيره الأمريكي بخصوص انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ، وما خلفه ذلك من توتر بين البلدين .
هذا التوتر في العلاقات لا يقارن بالتوتر الكبير بين فرنسا وروسيا خاصة ، فإلى جانب شبه لا قطيعة التي تعيشها موسكو مع الولايات المتحدة الأمريكية مند ظهور شبهات تلاعب موسكو بنتائج انتخابات أمريكا ،كما أنها طالت الحملة الفرنسية أيضا، فقد تعرضت حملة ماكرون بدورها لهجمة شرسة طالت المواقع الالكترونية للمرشح الشاب خلال حملته الانتخابية وجهت إثرها أصابع الاتهام إلى روسيا أيضا. الموقف الفرنسي من روسيا بدا واضحا من خلال معارضة حكومة ماكرون رفع العقوبات المفروضة على روسيا وذلك من خلال تبني سياسات متعارضة معها .
إلا أن الموقف الفرنسي الجديد من الأزمة السورية والذي اعتبر فيه ماكرون أن الحل السياسي في سوريا لا يستوجب رحيل بشار الأسد وهو موقف جديد مقارنة بموقفه الذي شدد فيه على أن “لفرنسا عدو هو داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، لكن للشعب السوري عدو واحد، هو الأسد”. كما مثل قول الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس إنه طلب هو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دبلوماسيين إعداد مبادرة ملموسة في الأسابيع القادمة بشأن مستقبل سوريا.