سوريا و العراق. فقد بات حفتر يسيطر بالكامل على مدينة بنغازي التي اضطر البرلمان المنتخب والممنوع من الإستقرار في طرابلس مكرها على عدم تركيز نشاطه فيها والإنتقال إلى طبرق القريبة منها.
و لعل ما يبعث على هذا التساؤل هو التقارب الذي يحصل بين خليفة حفتر و فائز السراج في الآونة الأخيرة و الذي تدفع إليه الضرورة من جهة و القوى الإقليمية و الدولية المحركة للطرفين من جهة أخرى. فحفتر محسوب على عدة دول تتناقض مصالحها أو يبدو ظاهريا أنها متناقضة، فإلى جانب مصر والإمارات و الأردن يتلقى حفتر دعما من روسيا وفرنسا و لا يبدو بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يحسب السراج على إيطاليا و الناتو عموما وحتى على بعض دول جوار ليبيا.
و يبدو أنه حصل اتفاق على أن يتولى فائز السراج وفريقه السلطة التنفيذية فيما تؤول قيادة الجيش لخليفة حفتر و كذا السلطة التشريعية باعتبار أن البرلمان المنتخب الذي يعقد جلساته في طبرق هو «رهن إشارته» وطوع بنانه. كما أنه و في ظل المتغيرات الإقليمية و العالمية الجديدة من المرجح ان تتخلى الإدارة الأمريكية عن دعم الحركات الإخوانية والتكفيرية إلى حين.
فالتاريخ يثبت أن الأمريكان لا صديق دائم لهم، ويبدو أن همهم الأوحد في الملف الليبي هو الهيمنة على ثروات ليبيا، وهم بحاجة في كل الأحوال إلى ورقات ضغط على الحكام حتى و إن كانوا من الموالين. و بالتالي قد لا يجد إخوان ليبيا مكانا لهم في معادلة الحكم الجديدة لكنهم سيؤدون دورهم كما يجب كورقة ضغط بيد الأمريكان و حلفائهم، على الحكام الجدد الذين ساهم في وصولهم إلى مواقعهم الأمريكان أنفسهم و من والاهم في الملف الليبي.
و بالمقابل يرى محللون أن الإخوان في ليبيا لن يبقوا خارج معادلة الحكم و ستفرض لاحقا صفقة في طرابلس تتم بموجبها إزاحة الأطراف الإخوانية الرافضة لوجود السراج ولتفاهماته مع حفتر على غرار عمر الغويل و صلاح بادي. وسيدمج الباقون في العملية السياسية كجزء من تركيبة الحكم لكن دون تأثير حقيقي تكيفا مع طبيعة المرحلة والمتغيرات الإقليمية و الدولية الجديدة التي يبدوعنوانها الرئيسي «نهاية ما يسمى الربيع العربي ونهاية هيمنة الحركات الإخوانية».
فمرحلة إعادة الإعمار في ليبيا و نهب ثرواتها البترولية بدأت بعد، وهي بحاجة إلى استقرار سياسي يقتضي إبعاد الأمريكان لدواعشهم ولو إلى حين. كما تقتضي المرحلة التعامل مع من يسمون «المعتدلين» من أبناء الحركات الإخوانية و إبعاد الباقين عن المشهد ولو إلى حين أيضا.
ويرى البعض أن إخوان ليبيا قد يلعبون ذات الدور الذي يلعبه نظراؤهم اليوم في تونس أي الحكم من وراء الكواليس و ذلك من خلال التغلغل في مفاصل الدولة و المواقع الحساسة و الهامة دون الظهور في الواجهة. و بالتالي ستتحمل أطراف أخرى مسؤولية الفشل الإخواني على غرار ما يحصل مع حركة نداء تونس التي تتحمل منفردة وزر أخطاء الحكم رغم أنها لا تحكم منفردة.
ولا يتصور عاقل أن يمد النظام القديم العائد من بعيد سواء من خلال سيف الإسلام القذافي أو غيره، يده للجماعات الإخوانية بعد أن أحسن إليهم نجل القذافي و انقلبوا عليه ونكلوا به حين تغيرت موازين القوى. وفي كل الأحوال فإن المرحلة لم تعد مرحلتهم وما عليهم إلا ابتكار آليات و أساليب جديدة تتماشى و طبيعة المرحلة و تختلف عن تلك التي اعتمدت بعد 2011 و طيلة السنوات التي سبقت وصول ساكني البيت الأبيض الجدد.