ودوليين على خط الازمة الراهنة قد يؤثر سواء بالسلب او الايجاب على واقع المشهد الخليجي المضطرب.
انقسم المشهد الدولي الى معارض لقطر ومساند للسعودية والعكس ، فمن جهة بدأت عدة دول في اتخاذ اجراءات تقضي بوقف التعاملات جزئيا او كليا مع الدوحة سواء على الصعيدين الاقتصادي او السياسي. ومن جهة اخرى بدأت دول اخرى في تقديم الدعم لقطر على غرار ايران التي زودت الدوحة بطائرات من المؤونة وتركيا التي وافق برلمانها على ارسال مزيد من الجنود الى قاعدتها العسكرية في الدوحة في خطوة اعتبرها مراقبون لمنع أي تحرك عسكري قد يمس حليفتها في المنطقة . وعلى صعيد اخر يربط متابعون تزايد الدعوات الاقليمية والدولية الداعية لتغليب لغة الحوار والتهدئة ، بامكانية حصول تسوية مشروطة بين دول الخليج العربي ، رغم استبعاد محللين سياسيين ذلك نتيجة تعنت الجانبين واستمرار الاستفزازات والحرب الكلامية والإعلامية .
مواقف متباينة
كما سجلت عديد الدول العربية مواقف متباينة من الازمة الخليجية القطرية ، اذ تزايد عدد الدول المساندة لمقاطعة المملكة العربية السعودية للدوحة سياسيا واقتصاديا . ومن بين الدول التي دعمت موقف الرياض وابوظبي ، كانت مصر وليبيا (حكومة الشرق) واليمن والبحرين في البداية ثم التحقت بها كل من المالديف وجزر القمر والمغرب وموريتانيا .وقطعت هذه الدول علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، متهمة الدوحة «بدعم التنظيمات الإرهابية وترويج الأفكار المتطرفة» ، بينما لم تقطع الكويت وسلطنة عمان علاقاتهما، فيما أعلنت الأردن وجيبوتي خفض تمثيلهما الدبلوماسي مع الدوحة.
كما اكدت الجزائر ضرورة احترام السيادة الوطنية للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، معربة عن ثقتها في أن الحكمة ستتغلب بخصوص الأزمة الحالية بين دول الخليج. تونس ايضا كانت دعت الى تغليب لغة الحوار بين دول منطقة الخليج ودعت الى التهدئة ، في حين اعلنت السودان استعدادها لرعاية وساطة بين طرفي الازمة .
مواقف هذه الدول كانت واضحة بالاصطفاف الى جانب الشق المعادي لقطر لعدة اعتبارات ، في حين اكتفت بقية الدول العربية والغربية بالتصريحات المقتضبة والدعوات للتهدئة والحفاظ على الوحدة بين بلدان المنطقة الواحدة . في حين اكدت العراق امس بشكل صريح انها ليست طرفا في النزاع الخليجي.
ورغم ان الازمة الخليجية القطرية الحالية ليست الاولى في تاريخ دول الخليج إلاّ انها الاعمق من حيث تبعاتها والمواقف التي اتخذتها الدول المساندة للشق السعودي الإماراتي، وهو يهدد فعليا بإدخال الدوحة في عزلة سياسية وحتى اقتصادية. وتتهم هذه الدول قطر بدعم الجماعات الاسلامية وفروعها ودعمها لإيران وإسرائيل ايضا. ففي بداية الحملة علقت الدول الخليجية مشاركة الدوحة في التحالف العربي الذي تقوده الرياض في اليمن، متّهمة الدوحة بدعم ايران للتدخل في شؤون دول الخليج وعلى رأسهم الحوثيين في صنعاء.
ويرجع متابعون مواقف الدول العربية الدّاعمة لموقف السعودية الى العلاقات والمصالح السياسية والاقتصادية لهذه الدول مع حليفها السّعودي المدعوم من ادارة البيت الابيض الامريكي . ردود الفعل لم تقتصر على الدول العربية بل تجاوزتها لتصل الى مستوى دولي .
اذا تؤكد تقارير اعلامية وجود جهود دولية كبيرة تبذل من قبل القوى الكبرى على غرار امريكا وفرنسا لحلحلة الازمة المتنامية بين دول الخليج العربي .ولعل المحادثات الاخيرة التي جرت امس بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون تصب في خانة تقريب وجهات النظر بين اطراف الخلاف . وتأتي الجهود الامريكية الفرنسية لتنضاف الى الجهود الكويتية التي تبذلها الدولة الخليجية للوساطة بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة اخرى.
سياسات الاقليم
من جانبه قال الكاتب العراقي فوزي عبد الرحيم لـ«المغرب» ان دول الخليج ،رغم إمكانياتها المالية الكبيرة التي جعلتها تلعب أدوارا هامة في سياسات الإقليم، فإنها لا تتصرف في تحديد مواقفها بمنطق المصالح خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعلاقات البينية. وأضاف عبد الرحيم ان قادة الخليج لديهم هوس ازاء نظرتهم لبعضهم وفق خلفياتهم القبلية والمنافسة الشخصية وهو أمر يعقد من عمل الباحث في الأسباب العميقة للأزمة الراهنة . وتابع محدّثنا» فلا توجد مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في سياسات قطر في ليبيا وسوريا والعراق،ولا
حتى في مشاكستها للسعودية بتأييد حزب الله اللبناني أو بدعم سري للحوثيين... لكن هذه السياسات هي نوع من محاولة التعملق بحيث تناطح دولا أكبر منها ولها مصالح كببرة».
واضاف الكاتب العراقي ‘’ومن ناحية أخرى وفي ظل القيادة الجديدة للسعودية متمثلة بولي ولي العهد ،الحاكم الفعلي لسعودية، فإن السعودية لا تتصرف وفق حجم السعودية لا الجغرافي ولا الاقتصادي والمالي ولا موقعها الذي يحتوي أقدس مكان للمسلمين، والا فإن رد الفعل السعودي فيه كثير من الغضب والتبرم أكثر من موقف سياسي محسوب».
في اسباب الاصطفاف
وعن اسباب اندلاع الازمة قال محدّثنا انه لايمكن نكران وجود عوامل مصلحية متعارضة بين دول الخليج تقف في خلفية المشهد الحالي، وان كانت في نظري قابلة للحل بوجود قيادات راشدة وفق تعبيره. وأضاف ان قطر التي تدعم الإخوان المسلمين بإصرار عجيب وكأنه نكاية بآخرين، تواجه الإمارات بشكل أساسي التي تعتبر الإخوان خطرا داهما سيما وقد اكتشفت وجود تنظيم للإخوان داخل الامارات. واشار محدّثنا الى وجود أخبار عن دعم قطري للبحرينيين الشيعة بشكل ما وهو أمر لايمكن قبوله ابدا من البحرين التي يخوض نظامها معركة وجود .
واضاف محدّثنا «وفي اليمن حيث جرح السعودية المفتوح والدعم الكبير المقدم للحوثيين إضافة لإصرار قطر على اقامة علاقات مع طهران بخلاف دول الخليج الأخرى عدا عمان ، ولا يجب أن ننسى موقف قطر من مصر الدولة العربية الكبرى ودعمها للإخوان وشرعية حكمهم، لذلك يمكن تلخيص الموضوع بوجود خلفيات ومشاكل ثنائية بين قطر ودول خليجية وعربية تراكمت ولم يوجد عقل براغماتي يستطيع التعامل معها بآليات الدول وليس بعقليّة شيوخ القبائل».
وتابع الكاتب العراقي فوزي عبد الرحيم القول «ان سياسات قطر غير جديدة وليست مفاجئة ،لكن الجديد وفق تعبيره هو شعور السعودية أو قادتها بالأحرى بنوع من القوة بعد زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي جعلهم لا يستطيعون تحمل نزق الإمارة الصغيرة والمشاكسة». واشار عبد الرحيم الى الخطوة التي اتبعتها جزر المالديف قائلا انها تؤكد الطبيعة غير المنطقية لكل هذا النزاع ، مضيفا «والا مالذي يجعل جزر المالديف أو حكومة بدون أرض (حكومة اليمن) تتخذ قرارا في موضوع لا يمس مصالحها». هذا واكد محدثنا أن العلاقات ستعود بعد فترة قد تطول، سيما والعراب الأمريكي هو المؤثر على الطرفين وهو ماعبر عنه وزير الخارجية تيلرسون حين دعا دول الخليج للوحدة على حد قوله.