ارتدادات الزلزال الخليجي .. ومحاولات التهدئة.. هل ستبدأ قطر بمراجعات كبرى لسياساتها ؟

تتواصل ارتدادات الزلزال الدبلوماسي الذي أحدثه اعلان السعودية والإمارات مصر والبحرين بالإضافة الى حكومة طبرق في ليبيا ، قطع كل اشكال العلاقات مع الدوحة الدبلوماسية والاقتصادية

والسياسية ، وسط تباين في ردود الافعال والمواقف الدولية..وفي الاثناء تسلط الانظار على الكويت وعما سيكون دورها في هذه الازمة غير المسبوقة ، وذلك مع توجه اميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى السعودية امس لإجراء محادثات مع العاهل السعودي الملك سلمان حول النزاع المستجد. ويبدو ان الكويت اختارت عدم اللحاق بركب المقاطعين بل التزمت ان تكون وسيطا بين الدوحة والدول المقاطعة لاحتواء التوتر ، حفاظا على ما تبقى من هياكل مجلس التعاون الخليجي وتفادي انفجار الوضع اكثر من ذلك.. ومن الدول الداعية الى احتواء الازمة الجزائر التي دعت امس دول الخليج إلى الحوار «كوسيلة وحيدة» لتسوية الخلافات بينها، بينما عرض السودان بذل جهود تهدئة ومصالحة لحل الأزمة». وذلك في وقت دخلت فيه الاجراءات ضد قطر حيز التنفيذ امس وأهمها على مستوى المقاطعة الجوية وايقاف خط الطيران المباشر بين الدوحة وهذه الدول.

واتهمت السعودية قطر بتقديم الدعم لإيران -العدو التاريخي للرياض والمنافس لها على النفوذ والسيطرة في المنطقة- كما اتهمتها بتمويل الجماعات الارهابية المتطرفة بما فيها الاخوان المسلمين. ولئن كانت هذه الازمة ليست وليدة اليوم وتعود اسبابها وجذورها الى اعوام مضت حاولت خلالها الامارة الخليجية لعب دور منافس للدور السعودي في المنطقة، الا ان الحديث عن ان قطر دفعت فدية قيمتها مليار دولار لجهاديين ومسؤولي أمن إيرانيين، في أعقاب اختطاف مواطنين قطريين في العراق وسوريا بحسب ما اشارت صحيفة «الفاينانشال تايمز» في تقرير لها امس ، يمكن ان يكون خيط الفتيل الذي اجج التوتر الى مرحلة غير مسبوقة..

الرد القطري الرسمي جاء على لسان وزير الخارجية الذي اكد في مقابلة تلفزيونية بثت ليل اول امس «لن تكون هناك إجراءات تصعيدية مقابلة من قطر، لأنها ترى أن مثل هذه الخلافات بين الدول الشقيقة يجب أن تحل على طاولة حوار». في المقابل فان ابوظبي دعت امس الى العمل على خارطة طريق لإعادة العلاقات مع الدوحة مع وجوب وجود ضمانات لتنفيذ ذلك..لتترك بذلك الامارات الباب مفتوحا لعودة العلاقات لكن بشروط.. وفيما اكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في بيان ضرورة وجود خارطة طريق مضمونة بعد نكث العهود ، جاء الرد القطري سريعا مع بث تلفزيون قطر لقطات لأميرها وهو يعانق الشيخ يوسف القرضاوي أُثناء حفل إفطار سنوي مع علماء المسلمين في مشهد يحمل اكثر من رسالة. والمعلوم ان القرضاوي يعد عراب جماعة الإخوان المسلمين ومنظر افكارهم وسياساتهم في المنطقة ، ولطالما استفزت اقامته باقي الدول الخليجية. فهل يكون عناق تجديد الوفاء والعهد، ام انها لحظة الوداع وبداية فك ارتباط قطر بالحركات الاخوانية ممثلة بعرابها؟ .

الموقف الامريكي
لقد دعا وزير الخارجية الامريكي تيليرسون مجلس التعاون الى الحوار لمعالجة الخلافات . ونقلت تقارير اعلامية امس عن مسؤولين امريكيين قولهم ان الولايات المتحدة ستحاول بهدوء تخفيف التوتر بين السعودية وقطر وإنه لا يمكن عزل الدولة الخليجية الصغيرة في ضوء أهميتها بالنسبة للمصالح العسكرية والدبلوماسية الأمريكية. وهنا تطرح تساؤلات عما اذا كانت الخطوة السعودية جاءت بعد ان أعطت الاخيرة في السر ضوء اخضر امريكي لحصار قطر واتخاذ جملة اجراءات عقابية بحقها، خاصة ان الحرب الكلامية وما اعقبها من تصاعد الأزمة بين الرياض والدوحة جاء اياما قليلة بعد القمة السعودية الامريكية وزيارة ترامب للمنطقة...

والجدير بالذكر ان الولايات المتحدة تربطها بقطر علاقات جيدة فالدوحة تستضيف اكبر قاعدة جوية امريكية في الشرق الاوسط وهي التي تنطلق منها الضربات التي تقودها الولايات المتحدة وتستهدف داعش في سوريا والعراق. وهذا ما يدفع الى طرح تساؤلات بالجملة حول مستقبل العلاقات الامريكية القطرية واستراتيجية ترامب الجديدة في الشرق الاوسط تجاه حلفائه التقليديين .. فالموقف الرسمي الامريكي شدد على التزام البيت الابيض بالعمل لنزع فتيل التوترات في الخليج ..والمعلوم أنّ السياسات الامريكية تبنى على مصالح وارقام ومعطيات جيوسياسية واقتصادية بالاساس ولا تبنى على عواطف ..لذلك فان قطر تملك مخزونات كبيرة من الغاز الطبيعي كفيلة بان تحاول الولايات المتحدة لعب دور راعي السلم بين الدول الجيران..

دور فرنسي
فرنسا من جهتها دعت الى حل الخلاف بين الدول العربية وقطر عبر الحوار واكد ت وزارة الخارجية الفرنسية امس إن فرنسا تريد حل الخلاف الدبلوماسي بين دول عربية وقطر عن طريق الحوار.
وقالت الوزارة في بيان «فرنسا تتمنى أن تحل التوترات الراهنة عن طريق الحوار». واكدت ان وزير الخارجية جان إيف لو دريان سيجري محادثات مع نظيريه السعودي والقطري ومع ممثل عن ولي عهد أبوظبي اليوم الأربعاء لبحث الأمر. ويعد جان إيف لو دريان، مهندس مبيعات طائرات رافال المقاتلة إلى قطر في سنة 2015 .

والمعلوم ان هناك علاقات وثيقة تربط بين الامارة الخليجية وباريس مع وجود استثمارات قطرية كبيرة في السوق الفرنسية وتمتعت بمقتضاها الدوحة باعفاءات ضريبية . ويعود ذلك الى عهد الرئيس الفرنسي الاسبق نيكولا ساركوزي الذي منح مستثمرين قطريين سنة 2008 إعفاءات ضريبية على الأرباح التي تتحقق من بيع العقارات في بلاده. واللافت ان وزير العدل الفرنسي فرانسوا بايرو اعلن امس أن على بلاده أن تنهي الإعفاءات الضريبية لصفقات العقارات الممنوحة لدول من بينها قطر . وسبق للرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون ان دعا خلال حملته الانتخابية الى انهاء هذه الامتيازات الضريبية.

ان تطورات الاحداث تنبئ بان هذه الامارة ، الاولى في مصادر الغاز السائل، دخلت مرحلة جديدة وتدفع الآن ثمن سياساتها على مدى السنوات الماضية لا سيما بعد اندلاع احداث 2011 واحتضانها للربيع الاخواني الذي تصدرت في اعقابه جماعات الاخوان -على اختلاف اشكالها ومسمياتها وفروعها - المشهد في مصر وليبيا وغيرها ،وما قامت به من سياسات جلبت الويلات لهذه الدول ..وجعلتها الى الان تتخبط في ازمات اقتصادية وعسكرية وأمنية يصعب الخروج منها ..

وتبقى هذه الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين قطر وجيرانها مفتوحة على كل الاحتمالات خاصة ان كل المعطيات وتواتر التطورات المتسارعة تؤكد انها ليست غيمة صيف عابرة ولا تشبه الازمة

التي طرأت قبل اكثر من عامين بين قطر نفسها وباقي الدول الخليجية ، وانتهت بوساطة كويتية ادت حينها الى اعادة تطبيع العلاقات..ولعل السؤال الذي يطرح نفسه ، هل ستصمد الامارة الخليجية امام هذا الاعصار السياسي وهل ستقوم بمراجعات كبرى لسياساتها في المنطقة وهل ستفك ارتباطها التاريخي والفكري بحركة الاخوان المسلمين واخواتها ؟..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115