ورغم مرور مايقارب الأسبوعين على التّصريحات التي أشعلت بذور الجفاء وأحيت الانقسام المخفي بين دول الخليج العربي منذ سنوات نتيجة تعارض المصالح تارة وتباين المواقف تارة اخرى. ولعل تمسك قطر بدحض الاتهامات التي وجهتها لها دول جوارها دفعتها الى الاستعانة بـ»آف بي آي» –وفق وسائل اعلام قطرية - للتحقيق في قرصنة وكالة انباءها الرسمية بالإضافة الى ما يتم تداوله بخصوص مشاركة «دول صديقة» في التحقيقات قد تكون من بينها تركيا الحليفة الاولى للدوحة . بالإضافة الى التحقيقات القطرية لتبرئة النفس تكررت اللقاءات بين دبلوماسي الجبهة المقابلة وآخرها لقاء جمع العاهل السعودي بولي عهد ابوظبي قالت وسائل العام رسمية ان اللقاء تناول بالنظر قضايا إقليمية ودولية.
وتعد هذه الزيارة الثانية خلال أسبوعين لولي عهد أبو ظبي للمملكة العربية السعودية، بعد زيارته الرياض للمشاركة في القمة الخليجية الأمريكية والقمة العربية الإسلامية الأمريكية 20 و21 ماي المنقضي. ويربط متابعون الزيارة بالأزمة الحادة التي اندلعت بين دول الخليج العربي . كما يؤكد مختصون في الشأن الخليجي أنّ هذا الخلاف ليس بجديد بين دول الخليج بل هو نتاج تراكمات وخلافات ظهرت للعيان تارة وتمّ التستر عليها تارة اخرى.
توتر قديم جديد
من جانبه قال الكاتب العراقي المختص في الشؤون الدولية والمحاضر بجامعة كاليفورنيا الامريكية د. جاسم البديوي في حديثه لـ«المغرب» انّ التوتر الاخير بين قطر ودول الخليج لم يكن مفاجئا ، مشيرا الى وجود نوع من التنافس وحرب النفوذ مستمرة منذ زمن طويل في المنطقة.
وأضاف البديوي «ان زيارة دونالد ترامب للسعودية جاءت كتتويج للانفصال بين دول الخليج . معتبرا ان اصل الخلاف بين الطرفين يرجع الى عدة اسباب منها الاستراتجية باعتبار ان تركيا تعتبر قطر عمقها الاستراتيجي والتحالف بين البلدين نتيجة التشابه والتطابق العقائدي بالتالي هم يمثلون هذا الخط الداعم للإخوان في العالم السني ، بالمقابل نجد السعودية والإمارات يقعان في الجانب الاخر المضاد للإخوان المسلمين ولهذا التيار الاسلامي الذي كان نقطة توتر كبيرة بين الجانبين».
وأشار محدّثنا الى انّ كل دول الخليج لا تبني مواقفها السياسية على اسس منافع سياسية واقتصادية مضيفا «ان هذا واضح جدا حتى من علاقتها مع ايران وإلا كيف نفسر تحول المملكة السعودية الى دولة مذعورة تجازف بين ليلة وضحاها بنصف ميزانية السعودية الاقتصادية وتدفع اموالا طائلة لأمريكا للحصول على مجرد مواقف لا تصل الى مستوى الوعود حتى بل هي مجرد توقّعات›› وفق تعبيره.
واعتبر الكاتب العراقي ان كل هذا يفسر جعل المملكة السعودية وحلفائها ودول الخليج الطرف الاخر أي تركيا تشعر بالانزعاج خشية فرض العزلة السياسية عليها ، مشيرا الى ان انقرة تشعر بالانزعاج من امريكا بدءا من دعم وتسليح واشنطن للأكراد مرورا بعدم تسليم المعارضين الاتراك وصولا الى التقارب مع المملكة العربية السعودية مقابل التوتر مع حليفتها قطر. وأضاف البديوي ‹› لذلك يبدو ان تركيا ضغطت على قطر لتتخذ خطوة او قرارا يتعارض مع ما وصلت اليه الجبهة المقابلة أي السعودية التي تجازف بأموال طائلة لصالح ترامب دون نتائج ملموسة خاصة ان ترامب- وفق قوله- اوضح انه لن يشترك في حرب بالوكالة نيابة عن الغير وان الدعم سيكون دعما لوجيستيا فقط أي دعم مواقف ، كما ان هذا الدعم لايمكن ان يكون كافيا في مواجهة ماتسميه السعودية بأذرع ايران في المنطقة ‹›.
وتابع الكاتب المختص في الشؤون الدولية القول ان زيارة ترامب الاستعراضية للسعودية يوم 20 و21 ماي المنقضي اظهرت المواقف الحقيقية للتحالفات والقوى السنية في مواجهة بعضها البعض ، مضيفا ان هذا الانقسام داخل العالم السني جاء بعد ما كانت السعودية تريد توجيه بوصلة الاتهام الى ايران باعتبار انها وصفت بالدولة الراعية للإرهاب وفق السعودية وترامب.
وعن تاثير التوتر على مستقبل مجلس التعاون الخليجي اجاب محدثنا انّ مجلس التعاون منقسم بالأصل باعتبار ان عمان هي دولة لها موقف اخر بعيد ولا يتماشى مع السعودية والامارات المتحدة ، و قطر الان لها راي اخر وهذا الرأي الاخر جعل مستقبل مجلس التعاون الذي يضم دول الخليج العربي على المحك. وتابع «وبالنتيجة قد لا يستمر شيء اسمه مجلس التعاون الخليجي ، لكن ان كان هناك مشتركات قوية بين دول الخليج لا تستطيع هذه الاحداث الجديدة ان تجعلنا نقول ان المجلس عرضة للانهيار لان هناك مشتركات قد تكون اقوى من هذه الهزات ».
«تقارب لا تحالف»
واعتبر محدّثنا ان ماحصل من توتر بين الدول الخليجية لن يرسم خارطة لتحالفات جديدة بل هو افرز تقاربات بين بلدان المنطقة على غرار التقارب القطري الايراني التركي ، مستدركا ان هذا التقارب لا يمكن أن يقع على مستوى التحالف وانما يندرج ضمن نطاق المواقف السياسية الجديدة والمصالح المشتركة.
واستبعد الكاتب العراقي ان تكون المنطقة على اعتاب صدام كبير مشيرا الى انّ ماحصل بين قطر وباقي دول الخليج هو مجرد توتر وهذا التوتر سيزيد من الخلافات والانقسام ولن يصل الى حدود المواجهة او الصدام . واضاف محدّثنا» المنطقة تعاني ازمة على اعتاب نهاية ‹›داعش›› في العراق وتشكيل قوى جديدة في المنطقة ، ومن مظاهر هذا التنافس حول المصالح هو استعانة قطر بخبراء في قضية المعلوماتية والانترنت والاختراق وبدء ما اسميه الحرب الرقمية والهاكرز بين بلدان المنطقة والتي كانت واضحة في اختراق ايميل سفير الامارات في واشنطن وماتقول عنه قطر اختراقا لوكالة انبائها الرسمية، بالتالي هناك موجة جديدة من مظاهر هذا التوتر وهي مرحلة الهاكرز بين البلدين وهي لن تكون مجرد حدث طارئ››.