الدعم الأمريكي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» يقلق انقرة: تركيا بين العداوة الأزلية مع الأكراد والتحالف الضروري مع أمريكا

يعد الصراع التركي الكردي صراعا ازليا تتجلى احدى اوجهه على الميدان السوري بين قوات تركيا المتمركزة هناك ومايسمى بقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية . ولعل تقدم هذه القوات المدعومة من واشنطن في سوريا

سرّع وتيرة المواجهة المباشرة بينها وبين انقرة، خاصة وانها تتكون من اغلبية كردية تعتبرها الحكومة التركية خطرا حقيقيا يقض مضجعها خشية تحول الاقتتال في الشمال السوري الى شرقها اين ينادي حزب العمال الكردستاني منذ عقود طويلة بالاستقلال عن الدولة التركية .

وزاد هذا التحالف والدعم الامريكي لقوات سوريا الديمقراطية من الجفاء بين الغرب وتركيا ، اذ اتهم أردوغان مجددا امس أوروبا بتقديم مختلف أنواع الدعم لمنظمتي «فتح الله غولن» و«بي كا كا» (منظمة كردية تصنف ارهابية) ، لقطع الطريق أمام بلاده التي تزداد قوة وفق تعبيره. كما جاء قصف تركيا الاخير لمواقع تابعة لوحدات الشعب الكردية ليزيد من حدّة الاجواء المتوترة بطبعها في سوريا .

يشار الى انّ قوات سوريا الديمقراطية بدأت في نوفمبر الماضي عملية عسكرية واسعة لطرد «داعش» من الرقة، بدعم واسع من التحالف الدولي سواء الغارات الجوية والدعم الأرضي.وتمكّنت هذا القوات التي تضم 27 فصيلا مسلّحا، من قطع كافة طرق الإمداد الرئيسية لمسلحي «داعش» إلى مدينة الرقة من الجهات الشمالية والغربية .

وتشمل قوات سوريا الديمقراطية مزيجا من القوات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، لكن محور تلك القوات هو وحدات حماية الشعب الكردية، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي.ويصل عدد قوات سوريا الديمقراطية الى اكثر من 45 ألف مقاتل بينهم 10 آلاف مقاتل من مسلحي القبائل.

ومع قرب اطلاق عملية تحرير الرقة من تنظيم «داعش» الارهابي –رغم تضارب الانباء عن موعد انطلاقها الفعلي نتيجة تضارب الاستراتيجيات الخارجية- يمثل الدعم الدولي الامريكي لقوات سوريا الديمقراطية ذات الاغلبية الكردية نقطة خلاف كبيرة بين ادارة ترامب وإدارة اردوغان علما ان الاخيرة تعارض أيّ دور للأكراد في معركة تحرير أكبر معاقل «داعش» الارهابي في سوريا .

وتعدّ هذه المعركة حاسمة سياسيا وعسكريا لاستئصال التنظيم الإرهابي من أحد أكبر معاقله الرئيسية في سوريا والتي تقع تحت سيطرته منذ سنوات. ولئن تعارض عدة اطراف خارجية الخطوط العريضة للمعركة الوشيكة وأوّلهم تركيا، يرى مراقبون ان تأكيدات المسؤولين الامريكيين والفرنسيين قرب انطلاق هذه المعركة يؤكد فرضية تخلي واشنطن عن أي دور تركي على الارض واكتفائها بتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية وهو السبب الاول للخلاف الامريكي التركي في سوريا.

عدوان وحليفان
من جهته قال حسن سيفري، المحلل السياسي التركي لـ«المغرب» انّ قوات سوريا الديمقراطية لها اهداف معينة تريد من خلالها بناء سياسة مشتركة بين اطراف المجتمعات الكردية في شمال سوريا . وأضاف محدّثنا ان الاكراد هم الاغلبية داخل هذه القوات المدعومة من الغرب خاصة امريكا مضيفا ان واشنطن تريد ان يكون لها وجود في سوريا من خلال هذه القوات التي تقول انها شريكها الاساسي في شمال سوريا ضد «داعش» وضد الارهاب .

وتابع سيفري «الولايات المتحدة لها عدة قواعد في المناطق التي تسيطر عليها سوريا الديمقراطية وتعتبرها القوات الوحيدة القوية في محاربة الارهاب في شمال سوريا ، فالولايات المتحدة الامريكية تعلم ان الاكراد هم الاغلبية في هذه القوات إلا انها تحميهم وتدعمهم وتفتح امامهم الابواب لمزيد التقدم ، فيما تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية تعتبرها تنظيما مرتبطا بحزب العمال الكردستاني الذي هو في قائمة الارهاب لدى الغرب وفي تركيا ايضا اذ تحاربه الحكومة منذ 35 عاما ». وتابع المحلّل التركي القول انّ حزب العمال الكردستاني يحمل اجندة تهم شرق تركيا مما جعل حكومة اردوغان تعتبر وحدات الشعب التي تحارب ضمن قوات سوريا الديمقراطية خطرا على مستقبل أنقرة -خاصة أنها تمتلك أكثر من 50 الف مقاتل- وباعتبار ان هذا التنظيم مرتبط بحزب العمال الكردستاني الذي يعمل وفق تعبيره على تحرير شرق تركيا من سيطرة الدولة التركية .

واضاف حسن سيفري ان تركيا تريد منع اي تقدم او سيطرة لوحدات حماية الشعب او اي سياسة تدعم سياستهم ، اذ ترفض رفضا قاطعا مشاركتهم في عملية تحرير الرقة سواء من خلال التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة داعش او ان تكون شريكا للولايات المتحدة الامريكية ، مشيرا الى انّ انقرة رغم انها تنزعج من الدعم الامريكي الاّ انها عاجزة عن منع هذا التحالف بسبب عضويتها في الناتو وعدم قدرتها على قطع علاقاتها مع الغرب وهو مايجعلها على حدّ قوله مضطرة للخضوع رغم تصريحاتها المنددة بذلك.

واشار المحلل السياسي التركي ان تركيا غير قادرة على تركيز سياسة مستقلة عن امريكا في المنطقة الشرق اوسطية ، مما جعل الخلاف بينها وبين الاكراد اداة قوية في يد امريكا لتلعب بين القوتين . وأضاف قائلا «ادارة البيت الابيض لها سياسة تقترب من الاكراد في الشمال السوري ولها ايضا سياسة تقترب من حكومة أردوغان وهو مايجعلنا نرى أنّ الطرفين اللذين يشتبكان هما حليفان للقوة الامريكية ، فتركيا لا تستطيع التحرك باستقلال عن أمريكا ولا الاكراد في قوات سوريا الديمقراطية تستطيع ذلك دون دعم امريكي ‘’.

السلام الصعب
وأشار الكاتب والمحلل السياسي التركي في حديثه لـ«المغرب» انّ الصراع المستمر منذ 35 عاما بين تركيا والأكراد لا يمكن أن يحل إلاّ بالعودة الى مرحلة المفاوضات، مضيفا دخول اطراف خارجية في مسار هذا الصراع خطير استغلته واشنطن كورقة ضغط .

وأشار سيفري الى انّ «الأكراد يحاولون إنشاء علاقات مع الطرف الروسي أيضا ويحاولون ان يكون لهم علاقات مع القوات الكبرى لتكون حاجزا امام تركيا في حال حاولت ضرب الاكراد وهذا كان واضحا حينما حاولت ضرب قوات سوريا في منبج الا ان الروس وقفوا في وجه تركيا ، وأيضا ماحصل منذ ايام في عفرين حين نشرت روسيا قواتها لمنع تركيا من ضرب قوات سوريا الديمقراطية ، كل هذا الدعم للأكراد يجعل تركيا امام فرضية واحدة وهي العودة مجددا الى احياء عملية السلام لمنع مثل هذا التدخل الخارجي في الصراع التركي الكردي».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115