• اين تتنزل زيارتكم الى تونس وما آفاق التعاون بين تونس والاسكوا؟
زيارتنا الى تونس تأتي استكمالا للعمل الذي بدأته الاسكوا في اطار التعاون مع الجمهورية التونسية ..فتونس انضمت الى عضوية الاسكوا في عام 2012 وفي عام 2014 تم توقيع مذكرة تفاهم بين الاسكوا و الحكومة التونسية لوضع برنامج متكامل للتعامل الفني والتقني تتضح فيه الخطوط العريضة لتنسيق العمل في اي محاور اساسية وكانت بناء على احتياجات تونس في تلك المرحلة. ونحن ندرك ان الاوضاع -ليست فقط في تونس بل في كامل دول المنطقة -تتغير بشكل سريع وتبعا لذلك تختلف الأولويات في كل مرحلة مع التفاوت في الأهمية ...قد يكون الفقر او التنمية او تشغيل الشباب او قضايا المرأة وتمكينها ..ونحن اليوم نزور تونس وبدأنا بلقاء المعنيين في الوزارات المختلفة وطلبنا منهم التنسيق ومدنا بقائمة الاولويات واذا كان هناك اي تحديث للأولويات التي وضعت سابقا ..وبرأيي فان وضع خطة متكاملة لتنمية اقتصادية شاملة -يساهم بشكل او بآخر- بدفع دول مختلفة اوروبية للمشاركة في تمويل مشاريع في تونس ..
بعد عام 2014 كانت تأتينا مطالب مرحلية ..الان نريد ان نضع مخططا كاملا شاملا اذ لا يمكن ان نحقق تنمية شاملة مستديمة اذا لم تكن هناك خطة واضحة وتعاون وتنسيق بين كل الأطراف حتى نلمس نتائجها ...
• ما رؤيتكم للمسار الانتقالي في تونس وكيف يمكن النهوض بالوضع الاقتصادي الذي يشهد تراجعا بسبب تحدي الارهاب وغيره من التحديات الصعبة..؟
تونس تمر بمرحلة صعبة جدا وبرأيي فان هذا امر طبيعي .فالتحول في اي بلد دائما يكون صعبا وكأنه عملية ولادة .. هناك حاجة لتغيير كامل وهناك من يقاوم التغيير وسيبقى الكثيرون ممن استفادوا من المراحل السابقة يقاومون هذا التغيير وهذا منتشر في كامل الدول العربية ..وثمن التغيير باهظ جدا ومؤلم .. منظمة الشفافية الدولية اصدرت تقريرا اشارت فيه الى ان الحكومات العربية لديها اكبر فساد في العالم ..هنا اشير الى اننا في العالم العربي تأخرنا عن الركب ..وكنا في آخر قائمة الدول في مسألة التنمية والان نحن نتأخر اكثر عن الدخول في تنمية حقيقية قائمة على اساس الحوكمة والشفافية والمشاركة ورفع الظلم وسمع اصوات البشر والعدالة بكل اشكالها اي الطبقية وبين اطياف المجتمع وفئاته وبين المناطق المهمشة .فالثورة في تونس مثلا بدأت من المناطق المهمشة..الدول العربية ظلت لسنوات طويلة تركز تنميتها على المدن الكبيرة والعواصم عادة ..ولكن خارج العاصمة تجدين كل انواع الفقر وتردي الخدمات..وظل الاقتصاد في الدول العربية يأخذ نمطا واحدا مثلا الاستثمار في القطاع العقاري وذلك متعلق بالربح السريع وأهملت الزراعة لصعوبتها وعدم سرعة عائداتها..وهنا ادعو المسؤولين للانتباه اكثر الى السياحة الثقافية الى الزراعة وتطويرها لانها هي التي تخلق التنمية على المدى الطويل ..
وفيما يتعلق بسؤالك ..حقيقة انا متفائلة بتونس وأتابع الاعلام التونسي وارى بأن هناك حرية في التعبير وهذا مكسب كبير ..وهنا لا يجب ان ننسى ان العوامل الخارجية لا تساعد تونس كثيرا خاصة بسبب تفشي مشكلة الارهاب في المنطقة وعدم استقرار الوضع في الجوار الليبي كلها عوامل تدفع الى عدم التقدم والتطور ..
• هل ما يحصل في العالم العربي هو «ثورات» ..«فوضى خلاقة» ..حروب اهلية؟
دائما يقال ان ما حدث في الدول العربية هو بتحريك من الخارج، انا كنت في سنة 2011 في تونس جئت مع بعثة للأمم المتحدة ..وكنت موجودة ايضا في ميدان التحرير وكنا ممنوعين كأمم متحدة من النزول الى الميدان ..وكان علي ان انقل يوميا هذا التصور وما يحصل الى الامين العام للأمم المتحدة لكي يطلع على حقائق ما يجري في المنطقة..وتواصلت مع كل الميادين في ليبيا ومصر سوريا واستقبلت رسائل المتظاهرين .. علينا ان ندرك انه حتى لو ما حدث كان تخطيطا من الخارج ..لكن الاكيد ان هناك عوامل داخلية في المجتمعات اشعلت الشباب واوقدت شعلته ليقول كفى..انا ارفض التدخل الخارجي واجد ان الذي خرب «الثورات» هو التدخل الخارجي العربي الاقليمي والدولي ..وكنت مديرة مكتب المبعوث الاممي في سوريا وعشت كل هذه التجارب وأجد ان هناك شريحة من الشباب كانت تشعر بالظلم حقا ..وحركتهم البطالة لكن «الثورات» سرقت من قبل المتدخلين وقوى اقليمية .
اذن في خضم هذا التدخل الخارجي ..والحروب الاهلية والصراعات المتفشية كيف يمكن الخروج من هذا المأزق ؟
الخطر الكبير الذي يهدد المنطقة العربية هو هذا الصراع الطائفي ..هذه الكراهية للآخر ودينه ومذهبه دون معرفة اي شيء عن افكاره..فالذي حصل ان التغيرات التي حدثت في الدول العربية حركت وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح مفتوحة واستغلت من قبل قوى خارجية واقليمية بما في ذلك «اسرائيل» للعب دور لتأجيج المسألة الطائفية وانحراف المسار العربي ..فبعد ان كان هناك احتلال وحيد لايزال وكنا متوحدين على فلسطين الآن اختلفنا على فلسطين واصبحت اولوياتنا هي محاربة دول اقليمية جارة لنا – يمكن ان لا نتفق معها – ولكن لم نحاول وضع سياسة حقيقية للتفاهم والتوازن لكي نتفرغ للبناء الداخلي عوضا عن الدخول في نزاعات وخلق «عدو» نحاربه ونستنفد طاقاتنا في محاربته . تاريخيا، ساد التعايش في الدول العربية بين المسلمين والمسيحيين ، وفجأة بدأ الضغط على المسيحيين في بعض الدول ومنعهم من اداء شعائرهم من قبل اطراف متطرفة ..فالشعوب التي استقطبت كل الاديان الثلاثة ، الان تحارب بعضها ويفرغ العراق من مسيحييه بالكامل ومن كل العقول ..فيما يخص الوضع في سوريا ايضا يقال ان هذا البلد بحاجة الى نظام صحي جديد في حين نجد انه في المانيا وحدها هناك الف طبيب من اهم الاطباء من اصل سوري .فكيف نوقف نزيف الادمغة ونعيدها.. جزء من اشكاليتنا في العالم العربي بعد ثورة 2011 ان هناك انظمة عربية وعالمية ارادت لنا ان نختار بين الحرية او الامن ونحن نقول لهم نريد حرية مع أمن وهذا هو الخيار الثالث ومسؤولية الدولة ان توفر لي الامن وان لا تخيرني بين حريتي وبين امني ...
• ما دور الاسكوا في النهوض بالمرأة العربية وتمكينها في خضم كل هذه التحديات التي تواجهها ؟
..تمكين المرأة ووضعها هو نقطة ضمن نقاط اخرى تتصدر اولويات الاسكوا .ونحن ندعم جهود المرأة الوطنية في كل بلد وندعم مسألة نشر الوعي بأهمية تغيير القوانين والتشريعات ..لكن اعتقد انــه في مجتمعاتنــا وبالرغم من كل نضـــالات المرأة ..هناك مصالح قديمة لا تريد للمرأة ان تقوم لها قيامة في المنطقة العربية واحيانا يتم تغيير القانون ولكن دون ان يطبق، فالدستور ينص على اعطائها حقوقها ولكن لا يطبق وهذا تحد حقيقي في منطقتنا ..جزء من اشكاليتنا ان ما يحدث في سوريا وفي كل النزاعات تذهب ضحيته المرأة..فهي ضحية النزاعات ولما يدخل فريق مقاتل سواء للنظام او المعارضة اول ما يقوم به هو اذلال الرجل بامرأته ..وسمعنا روايات من نساء هربن من مناطق داعش وما حدث مع اليزيديات في العراق شيء مهول . نحن الوحيدون في العالم متأخرون جدا .و الدول العربية ما زالت في قضية المرأة متخلفة ..ربما حققنا بعض المساواة في التعليم وفي الصحة والعمل لكن في العمل السياسي وفي الدساتير لا يزال الكثير من العمل في بعض الدول العربية . مثلا لبنان تختلف الطوائف على كل شيء الا على وضع المرأة وتحسينه وهناك ظاهرة النساء لابسات السواد اي ان المراة لا تاخذ دورا ما في العمل السياسي الا بالوراثة من الاب او الزوج او الاخ وغيره .وحتى في باقي الدول عندما يتم وضع المرأة في اي حكومة فيكون دورها مجرد ماكياج للحكومات .هذا الدور التزييني يجب ان يتغير ويجب ان يتم اختيار المرأة على كفاءتها .
• وكيف تنظرين الى تنامي وصعود التطرف في العالم؟
طرح الامين العام الجديد للأمم المتحدة اكبر تحد في العالم وهو الامن والسلام ..نحن نعتقد انه لدينا داعش فقط لكن هناك دواعش مسيحية ويهودية وحركات متطرفة في كل العالم وعودة لرفض الآخر واضطهاده . لذلك ركز الامين العام على الامن والسلام وعلى المرأة حتى ضمن منظومة الامم المتحدة هناك تقصير كبير بشأن المرأة ووجودها ..
ونحن نعمل على تمكين المراة اللاجئة من خلال كل مؤسسات الامم المتحدة المختصة ونجحنا بشكل او بآخر في ضمان حقوق المرأة اللاجئة وعدم انتهاك حقوقها.اعتقد اننا نجحنا جدا في التمكين الاقتصادي للمرأة اللاجئة بمعنى دعم المشاريع الصغيرة من قبل كل هذه الهيئات .لكن النزوح من سوريا هو الاكبر بعد الحرب العالمية الثانية والاعداد هائلة جدا والدول المانحة - على الرغم من ادراكها لدور الامم المتحدة في مواجهة هذه التحديات ومساعدة اللاجئين -ظلت مقصرة.. والان اعتقد ان هناك تغييرا وهو لم يأت فقط نتيجة لضغوط الامم المتحدة بل جاء نتيجة احساس الدول الاوروبية بالتحديد ان هذا اللجوء سينتهي عندهم وانطلقت الصرخة في دول استقبال اللاجئين فكان ذلك محفزا. ولدينا فرصة تاريخية فالدول الاوروبية شعرت بان عدم توفر تنمية حقيقية تخلق فرص عمل وتنعش العمل وتوقف الظلم لن يساهم في استقرار الدول الاخرى وكنا نتحدث بذلك منذ سنين ...واكدنا ان عدم وجود استقرار في منطقة ما يؤثر على كل المنطقة والعالم . واذا لم تتحقق تنمية حقيقية في تونس والمغرب وليبيا وسوريا وغيرها فان شعوبها ستنتهي لاجئين في اوروبا وسيدخلون بشكل او بآخر لان شبكات التهريب لديها قدرة للتأقلم مع كل الاجراءات وهي مرتبطة بشبكات الاتجار بالمخدرات علينا ان نعمل على توفير تنمية حقيقية في دولنا لنضمن انهاء اللجوء ..