الأبعاد السياسية العسكرية لاستعادة «تدمر» من قبضة «داعش» الارهابي: ورقة الأسد للبقاء في منصبه ؟

جاء إعلان النّظام السوري عن سيطرته على مدينة تدمر الإستراتيجية بعد 3 أسابيع من المعارك العنيفة ضدّ تنظيم «داعش» الارهابي المسيطر عليها منذ شهر ماي الماضي، لتضفي على المعادلة السورية تطورات جديدة من شانها تغيير موازين القوى على الأرض

حيث اعتبرها البعض بداية لانهيار تنظيم مايسمى بـ «الدولة الإسلامية» الارهابي سيستغلها الأسد لفرض بقائه في المعادلة ، في حين شكّكت المعارضة السورية في حقيقة «المكسب» الذي حققه النظام باتهامه بالتواطؤ مع «داعش» وتسهيل دخوله تدمر.
المكسب الإستراتيجي لتقدّم نظام الأسد في معركة تدمر (بدعم جوّي روسي)، يأتي بالتزامن مع إعلان الولايات المتّحدة الأمريكيّة عن مقتل الرّجل الثاني في التنظيم الارهابي عبد الرحمن القادولي وهو ما اعتبره مراقبون ضربة قويّة لـ«داعش» تدلّ على تقهقره لا في سوريا فحسب بل في العراق أيضا.

وتأتي استعادة تدمر من قبضة التنظيم المتطرّف، في وقت تدخل فيه الهدنة الموقعة بين النّظام السّوري والمعارضة يوم 29 فيفري المنقضي ، شهرها الأوّل. يشار إلى أنّ اتفاق الهدنة الذي تم توقيعه برعاية الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا استثنى الجماعات الإرهابيّة وبالتحديد «جبهة النصرة» وتنظيم “داعش” ، الاّ أنّ اختلاف تصنيف الأطراف الفاعلة في سوريا لهذه الجماعات الإرهابية هو مازاد من تعتيم المشهد السّوري وتعقيده ،مما أضفى مزيدا من الشكوك حول مسار الهدنة ومدى صمودها. واعتبر متابعون للشأن السوري أنّ صمود الهدنة بين أطراف الصراع ،وضع النظام السوري في مواجهة مباشرة مع تنظيم «داعش» ، بعد أن كان تعدّد جبهات القتال بين النظام وتنظيم «داعش» من جهة،والنظام والكتائب المسلحة الأخرى التابعة للمعارضة وغيرها من التنظيمات من جهة أخرى ، عاملا مساعدا لتنظيم «داعش» استغلّه لتشتيت جهود استهداف مواقعه .

وتعدّ استعادة مدينة «تدمر» من قبضة هذا التنظيم الإرهابي ضربة قاصمة له خاصة وان «داعش» لطالما استغل المدينة كمنطقة عبور وتموين بين مقاتليه في سوريا ومقاتليه في العراق ، نتيجة موقع «تدمر» الاستراتيجي الرابط بين البلدين.علاوة على أن استعادة «مهد الحضارة» سيفتح الباب أمام القوّات النظامية لدخول الرقة المعقل الرئيسي للتنظيم ودير الزور أيضا.

أبعاد سياسية
معركة ‘تدمر’ حملت – وفق مراقبين- نتائج هامة في طياتها ستؤثر على المشهد الميداني والسياسي في المعادلة السورية ، حيث يرى البعض أن تقدّم «قوّات الأسد» على المستوى السياسي، ستكون ورقة ضغط في قبضته، لفرض مواقفه خلال الجولة المقبلة من مفاوضات جينيف .

واعتبر مراقبون أنّ الخطوة الأخيرة ستزيد من فرص بقاء الأسد في منصبه ، باعتبار أن تقدّمه في جبهة «تدمر» سيظهره في دور «الكفء» في مواجهة تنظيم ‘داعش’ ، في وقت تشهد فيه أوروبا غضبا عارما إزاء الضربات الإرهابية التي يشنّها التنظيم في الدول الغربية وآخرها عملية بروكسل، وخصوصا بعد عدم تعليق الحلفاء الغربيين على « انتصار» الجيش السوري في معركة تدمر، وهو صمتٌ قد يوحي بعدم رضاهم عن الانتصار، نظرا للمكاسب السياسية، الذي قد يحصل عليها الأسد من المعارك الأخيرة.
يضاف إلى ذلك، أنه قبل أيام ، أعرب نائب الناطق باسم البيت الأبيض، مارك تونر، عن عدم ترحيب واشنطن بدخول قوات الأسد إلى تدمر، مُذكرا بأن وحشية الأسد تجاه شعبه، أدت الى نشأة تنظيم «داعش» الارهابي وتمدّده .

منعطف استراتيجي
من جهته قال الباحث والمحلل السياسي المغربي مصطفى الطوسة في تصريح هاتفي لـ«المغرب» انّ استعــــــــادة تدمر بمثابة منعطف سياسي واستراتيجي وامني هام في الحرب الدولية والسورية ضد «داعش» الارهابي في المنطقة .
وأشار الطوسة إلى أنّ تدمر رمز حضاري عربي ودولي، واستيلاء التنظيم عليها بعث برسالة للعالم مفادها انّ «داعش» قادر على تحقيق اختراقات كبيرة. واعتبر محدّثنا أنّ «داعش» تلقى ضربة قاصمة عبر خسارته لمدينة إستراتيجية بحجم «تدمر» ، في مؤشر واضح انه بدأ يفقد مواقع حيوية وهامة وفق تعبيره.

وتابع محدّثنا أنّ استعادة تدمر هي بداية لاسترجاع مناطق أخرى مثل الرقة والموصل نتيجة التراجع الميداني لـ»داعش». وأضاف الطوسة «يمكن القول أنّ الهدنة التي شهدتها سوريا كان لها انعكاس وتأثير مباشر على المشهد الميداني وعلى الارتجاج العنيف الذي هز «داعش»، لان هذه الهدنة أبعدت الفصائل السورية المسلّحة عن المعركة وعزلت مواقع «داعش» وجعلته عرضة للقصف الدولي وقصف النظام أيضا ، ولو لم تكن الهدنة لما حقق النظام- بدعم جوي روسي- هذا التقدّم». مضيفا «هذا الدعم الروسي الحاسم للنظام السّوري سيكون له ثمن سياسي في المفاوضات بما يسمح لروسيا بالضغط بطريقة سلمية وإرغام الأطراف المقابلة على تقديم تنازلات للتوصل إلى صيغة توافقية تحت مظلة تفاهم أمريكية روسية «.

وأضاف الباحث المغربي أنّ التساؤل المطروح اليوم هو كيف ستكون مواقف بعض الدول الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية وتركيا والتي كانت تقدم دعما ماليا ولوجستيا للفصائل المسلحة على ارض المعركة في سوريا؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115