قرار القضاء الفرنسي المفاجئ فتح تحقيق أولي في مسألة «التشغيل الوهمي» لزوجة فرنسوا فيون كمساعدة له في مجلس الشيوخ وتشغيل إثنين من أبنائه عندما كانا يزاولان تعلمهما في الجامعة أربك المشهد السياسي بحكم تزعم فيون اليمين الجمهوري الذي يحظى بأغلبية واضحة في جل المجالس المنتخبة وبالحظوظ الوافرة للفوز قبل تفجير فضيحة «بينيلوب غايت».
التحقيق سوف يشمل المرشح فيون وزوجته وأبناءه. وقرر القضاء الفرنسي البحث في تهم «الفساد واستغلال أموال عمومية بطريقة غير شرعية وتنظيم أشغال وهمية». وقد سارع القضاء بفتح التحقيق خلال الحملة الانتخابية قبل دخول القانون الجديد المتعلق بإبطال التتبعات في مثل هذه القضايا حيز التنفيذ. ومن المفروض أن ينهي القضاة الثلاثة الذين تم تعيينهم تحقيقاتهم بسرعة لفض النزاع القائم مع المرشح اليميني. إذ يعتبر فرنسوا فيون أنه لم يخالف القانون الذي يسمح للنواب بتشغيل أفراد من عائلاتهم. وذهب بعض مساندي المرشح للرئاسة إلى القول أن السلطة الإشتراكية هي وراء المناورات القضائية لإضعاف مرشحهم بالرغم من أن كل الملاحظين يقرون باستقلالية القضاء في فرنسا. وأكد فرنسوا فيون أنه لن يتنحى من السباق بعد أن حصل على مساندة جل فصائل حزبه.
مناورات في اليسار
من جهة أخرى، وفي الشق السياسي المقابل، يجد اليسار نفسه مقسما لفصائل مختلفة ليس لها إمكانية التلاقي. مرشح الحزب الاشتراكي بونوا هامون يجد صعوبة في توحيد اليسار حول شخصه . لكن بعد نقاشات ومفاوضات عديدة تمكن من إقناع مرشح الخضر يانيك جادو بالتنحي من المنافسة و الانضمام لمساندته مقابل مواقع في إطار الانتخابات التشريعية لشهر جوان القادم ووعود بأخذ بعين الإعتبار مقترحات الخضر في البرنامج الرئاسي .
لكن فرنسوا دي روجي من حزب الخضر المساند للحكومة قرر بصورة مفاجئة، و خلافا لالتزامه المسبق بدعم المرشح الفائز في الانتخابات التمهيدية، دعم المرشح إيمانويل ماكرون المنشق على الحزب الاشتراكي. هذا الأخير حصل على غنيمة انتخابية ذات قيمة بإعلان الوزير السابق فرنسوا بايرو الالتحاق بصف وزير المالية السابق. ويعيد هكذا فرنسوا بايرو دعمه لمرشح من اليسار كما فعل عام 2012 عندما دعم فرنسوا هولاند. وعبر فرنسوا بايرو عن عدم رضاه بالتوجهات الراديكالية لفرنسوا فيون واعتقاده أن إيمانويل ماكرون يمثل العرض السياسي الأفضل في الساحة.
الصورة أصبحت شبه نهائية في صف اليسار قبل موعد الانتخابات بشهرين. ثلاث شخصيات يسارية تتنافس في ما بينها على ناخبي اليسار وجميعهم كانوا في صفوف الحزب الإشتراكي. بونوا هامون المرشح الرسمي للحزب والمنشقون عنه جون لوك ميلونشون الممثل للشق اليساري الراديكالي وإيمانويل ماكرون ممثل الشق الليبرالي. و لا توجد أية إشارة حاليا لإمكانية تقاربهم وتنحي أحدهم. ولذا سوف يتقدم اليسار مشتتا للانتخابات مع إمكانية فشله في الوصول إلى الدور الثاني. لكن إذا ما بقي فرنسوا فيون في السباق فسوف يساعد ذلك المرشح إيمانويل ماكرون المدعوم من الوسط وجزء متزايد من اليسار.
شبح مارين لو بان
منذ أكثر من ستة أشهر سجلت كل استطلاعات الرأي تقدما واضحا لزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان. آخر استطلاع للرأي أعطاها تقدما على كل المرشحين بالنسبة للدورة الأولى المبرمجة ليوم 23 أفريل.
حصلت على 6 % أمام إيمانويل ماكرون بنسبة 5،23 % و فرنسوا فيون بنسبة 5،20 %. هذا الثالوث يتصدر السباق منذ البداية مع تغيير الموقع الثاني بين ماكرون وفيون حسب تطور الأحداث المتعلقة بفضيحة «بينيلوب غايت».
تزعم مارين لوبان السباق أصبح من المحصول الحاصل في الرأي العام الفرنسي. لكن ذلك لا يدل على قدرتها على تكوين أغلبية تمكنها من الفوز في الدور الثاني. كل الأنظار اليوم متجهة نحو إيمانويل ماكرون الذي يمكن أن يمثل درعا أمام اليمين المتطرف بالنسبة لناخبي اليسار وجزء من اليمين لما له من قدرة على بلورة برنامج اقتصادي يتماشى وتطلعات الناخبين من اليمين والوسط. وهو يمثل «العرض الشبابي» الذي يبشر بتجديد الطبقة السياسية الفرنسية التي تشكو منذ مدة بعدم قدرتها على إعطاء الشباب موقعا في أخذ القرار بالرغم من الجهود التي قام بها الرئيس السابق نيكولا سركوزي والرئيس الحالي فرنسوا هولاند في منح عدد هام من الوجوه الشابة حقائب وزارية. الآن وقد يكاد يستقر المشهد الانتخابي يبقى الحل في يد الناخبين.