قال الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون التركية سومر سلطان لـ’المغرب’ أنّ مصادقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التعديلات الدستورية في هذا التوقيت تعود الى عدة اسباب أهمها انه تجاوز هاجس العلاقات السيئة التي تربط بلاده بالولايات المتحدة الامريكية .وأضاف سلطان أن الاستراتيجية التركية في سوريا مرتبطة بالتغيرات الميدانية وبموازين قوى الاطراف الفاعلة هناك وهو ما جعلها تقبل التفاوض مع الروس والإيرانيين.
• لو تقدمون لنا أبعاد مصادقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التعديلات الدستورية التي تعطيه صلاحيات اوسع وتداعياتها على المشهد التركي؟
أردوغان كشخص يعيش هاجس الخوف من تآمر أقرب المقربين منه، وهو كما قال أحد الدبلوماسيين الأمريكيين عنه «يؤمن بالله، ولكن لا يثق به». من هذا المنطلق يسعى أردوغان لبناء نظام متمحور حوله كشخص، بحيث لا يعود هناك إمكانية للانقلاب عليه. علماً أن الدستور الجديد لا يعطيه قوة أكثر من القوة الحالية التي يمتلكها، هو فقط يشرعن القوة الحالية، التي يمكن القول أنها ناجمة عن النفوذ الشخصي والروحي لأردوغان وهيبته في قلوب أتباعه، ويجعلها تتسم بالديمومة.
• هل تتوقعون فشلا لاردوغان في استفتاء أفريل المقبل؟
طبعاً السؤال الأهم هو عن قبول أو عدم قبول الشعب التركي بالانتقال إلى هذه الصيغة الديكتاتورية. وجزء من استطلاعات الرأي تؤكد أن احتمال رفض التعديلات الدستورية، التي ستطرح في استفتاء عام في افريل ، هو احتمال موجود وبقوة، علماً أن بعض من أجرى هذه الاستطلاعات هو حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه.
بأية حال، يمكن لي كمراقب أن أتوقع أن تكون بيضة القبان هي التيار القومي التركي المتشدد، وتيار الحركة الكردية الأوجلانية. وهذان التياران متخاصمان مع بعضهما البعض بشدة، ويعتبران نفسيهما على طرفي نقيض في الساحة السياسية، ولكن رغم ذلك تمكن أردوغان بدهائه من الجلوس إلى اولى المساومات مع أطراف نافذة في كلا التيارين.
فمن طرف التيار القومي التركي هناك رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، الذي انتقل من معارضة التعديلات الدستورية إلى تأييدها بشدة نتيجة لصفقة لم تعرف بعد أبعادها الكاملة. ومن طرف الحركة الكردية هناك أحاديث عن لقاءات بين الحكومة وعبدالله أوجلان.
ولا شك أننا يجب أن نربط توقيع أردوغان على مشروع التعديلات الدستوريّة بالتطورات التي حدثت قبل ذلك بقليل. فأردوغان تأخر لأسابيع في المصادقة على القرار، ولا بد أن لمصادقته اليوم مغزى من ناحية التوقيت. ويمكن لنا بسهولة شديدة أن نربط بينها وبين المحادثة الهاتفية التي جرت مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي سربت المصادر التركية، أنها جرت في أجواء حميمية، وأن الرجلين اتفقا على فتح صفحة جديدة في العلاقات.
• هل يعني ذلك ان العلاقات التركية الامريكية ستشهد تغيرات في عهد دونالد ترامب؟
هناك من يعتبر أن أردوغان تخلص من هاجس تجاوز مرحلة العلاقة السيئة مع إدارة باراك أوباما، في أيامها الأخيرة وهذا مقنع برأيي. ويظهر ايضا أن أردوغان اعتبر بعد المحادثة مع ترامب، واللقاءات التي أجراها مايك بومبيو، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA في أنقرة، أمس الأول، والتي رسم فيها خطوطاً جديدة لتركيا في ملفي سوريا والعراق، اعتبر أن الجو السياسي بات مواتياً للمصادقة على إقرار النظام الرئاسي.
• برأيكم أردوغان الذي يحاول تحصين نفسه في تركيا ، كيف ستكون سياسته المقبلة في المنطقة وخاصة سوريا ؟
هناك انباء انه اتفق مع ترامب على المناطق الآمنة، لكن مصادر اخرى تقول إن مفهوم كل من تركيا وأمريكا للمنطقة العازلة مختلف جدا. ونحن بالتالي ننتظر ما سيتمخض عن زيارة بومبيو لأنقرة لمعرفة التوجه الجديد. ولكن يمكن أن نرسم خطوطا عامة هي محاولة إنشاء هذه المنطقة ولكن مع تجنب إغضاب روسيا. بمعنى أن تركيا تريد أن تقدم للروس ما تعتقد أنه ثمن جيد مقابل موافقتهم - ولو ضمنيا - على خطواتها. ولكن بنفس الوقت لا يوجد أي سبب يجعلنا نثق بأن تركيا تؤيد الحل السلمي، لأن المعطيات الميدانية تفيد بأن الميليشيات التابعة لها تحضر لتصعيد في عدة مناطق مع الربيع وانتهاء موجة البرد الحالية. أريد أن أقول إن جلوس الأتراك إلى طاولة التفاوض مع الروس والإيرانيين هو أمر مؤقت ريثما تكون هناك ظروف ميدانية مساعدة أكثر لتركيا.
• ماذا عن معركتي الرقة والباب هل من شانهما تغيير المعادلة والتحالفات؟
في معركة الرقة يعتبر الأتراك أنفسهم مرتاحين لعدة أسباب؛ أمريكا لا تريد، وليس من مصلحتها الزج بجنودها في حرب برية، كما أن عديد قوات «قسد» (قوات سوريا الديمقراطية) التي تشكل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري، ليس كافيا لبسط السيطرة عليها. لذا ستحتاج أمريكا عاجلا أم آجلا للقوات البرية التركية. ولكن هنا لدينا معطى ميداني هام لا يمكن إغفاله، فالجيش التركي ليس من الجيوش البارعة في الحرب خارج حدوده، وأفضل مثال على هذا هو فشله في اجتياز خط مشفى مدينة الباب إلا بعد أشهر من القصف المدفعي والصاروخي والجوي العنيف. من هذا المنطلق لا يبدو الأمريكيون متحمسين لاستبدال القوات الكردية بقوات تركيا رغم فارق العدد. هذه المفارقة قد تكون سببا لإطالة عمر حملة الرقة فترة طويلة. والمنتظر على المدى المنظور هو استهداف داعش في بعض القرى المحيطة بالرقة، وليس في المدينة نفسها.
أما مدينة الباب فمسألة باتت أكثر حرجا لأن الجيشين السوري والتركي باتا على مقربة من بعضهما البعض. ورغم أنني أعلم بوجود محاولات تركية لطمأنة السوريين إلى أن هدفهم في الباب لا يتعدى طرد داعش فإن السوريين لا يثقون بالأتراك ويتوقعون منهم الخداع في أي وقت. لا ندري، قد يقوم الجنود على الأرض بفرض حلول خاصة بهم دون انتظار نتائج طاولات التفاوض.