ليبيا: تفاصيل منع طائرة كوبلر من النزول في مطار معيتيقة

ألغى كما هو معلوم مارتن كوبلر المبعوث الدولي لدى ليبيا زيارته إلى طرابلس وهذا الخبر عادي حصوله في العرف الديبوماسي، لكن ما هو غير عادي في واقعة الحال والذي يعد سابقة ندر تسجيلها خاصة عندما يتعلق الأمر بنائب الأمين العام للأمم المتّحدة ومبعوثه الخاصّ إلى ليبيا.

والمسألة فيها الكثير من الإهانة لهيبة المنظمة الأممية وإرادة المجتمع الدولي برمته. إذ جاء في تفاصيل الحادثة أن حكام طرابلس، وهما رئيس المؤتمر الوطني العام ورئيس حكومة المؤتمر الوطني قد اشترطا على المبعوث الدولي وقبل نزوله بمطار قاعدة معيتيقة الخاضع للجماعة الليبية المقاتلة اشترطا أن يتعهد كوبلر بحذف اسمي رئيس المؤتمر ورئيس حكومته من قائمة العقوبات الدولية على خلفية عرقلة تطبيق الاتفاق السياسي. ولما كان الأمر خارج اختصاص السيد كوبلر يبدو أن هذا الأخير لم يستجب للطلب الغريب ولذلك تم رفض نزول الطائرة التي كانت تنقل المبعوث الدولي ومن هناك أجبر كوبلر على العودة من حيث أتى.

وقد جاءت الحادثة لتؤكد من جديد تمادي حكام طرابلس وتيار الإسلام السياسي في تحد لإرادة المجتمع الدولي غير مبالين بمعاناة الشعب الليبي الذي أنهكته الصراعات السياسية والعسكرية.
وتعكس الواقعة أيضا غياب الوعي والخبرة السياسية لدى تيار الإسلام السياسي ،ورفضه المطلق لمنطق اقتسام السلطة حتى بناء على اتفاق أقره مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإقليمية من جامعة عربيّة واتحاد إفريقي واتحاد أوروبي ونال قبول أغلبيّة أعضاء المؤتمر الوطني والبرلمان المعترف به دوليّا.

ويرى متابعون للشأن المحلي الليبي أنّ حكام طرابلس، ما كانوا ليتجرؤوا على منع طائرة كوبلر من النزول لولا استنادهم على مواقف داعمة لهم من خارج البلاد. تيار الإسلام السياسي مجسدا في رئاسة المؤتمر وحكومته وبأذرعه العسكرية من فجر ليبيا، وغيرها حينما أيقنوا أن المجتمع الدولي وخاصّة الاتحاد الأوروبي جاد هذه المرة في فرض العقوبات على المعرقلين التجؤوا إلى أسلوب المناورة وزرع العقبات أمام بعثة الأمم المتحدة ،فكانت واقعة طرابلس وتوجيه صفعة جديدة للأمم المتحدة وسجّل تيار الإسلام السياسي في غرب ليبيا حافل بوقائع مشابهة فهم الذين انقلبوا على الانتخابات البرلمانية ،واحتلوا عاصمة الدولة وسيطروا على المقرات السيادية واختطفوا أكثر من وزير وسفير حتى أنّ أغلب البعثات الدبلوماسية غادرت طرابلس بما فيها بعثة الأمم المتّحدة للدّعم، كل هذا حصل ولم تحرّك الأمم المتّحدة ساكنا وقبلت بالأمر الواقع.

من المؤكد وأن تنظيم الإخوان العالمي وبعد فقدان مناصبه في مصر وتقلصها في تونس مصمم على عدم التفريط في ليبيا فإلى أي مدى سوف يتمكن من ذلك؟ الواضح أن ما حدث ويحدث في ليبيا على ارتباط وثيق بصراع مصالح بين الدول العظمى ولا سيما ضبابية الموقف الأمريكي الذي غض الطرف وتساهل مع ما يمكن وصفه بالعبث السياسي لجماعة طرابلس.

والسؤال الخطير إلى أين تسير ليبيا وما الذي يحاك ضدها وضد المنطقة عموما؟قبل الإجابة لا بد من الإشارة إلى أن قراءة أولية لما تشهده البلاد حاليا إنما يقود ويؤدي إلى مزيد من التشرذم وتعميق الأزمة وفتح المجال لتوسع تنظيم داعش الإرهابي.

تداعيات التعنت في طرابلس
وانطلاقا من هذه القراءة يمكن القول أن قوى عظمى تقف وراء تعنت حكام طرابلس وتداعياته العاجلة والآجلة، تلك الأطراف الخارجية تريد للأزمة السياسية الليبية أن تستفحل أكثر وذلك قصد إيجاد مبرر للتدخل العسكري ووضع اليد على ثروات ليبيا. ويرى خبراء أن بعض القوى العظمى قررت غلق ملف سوريا نهائيا لنقل المعركة والتوتر إلى شمال إفريقيا منطلق المعركة ليبيا ونهايتها الجزائر المحاصرة بالتحديات من كل جانب.

وقد خططت دوائر الاستخبارات لتلك الدول العظمى بأن يكون الاتفاق السياسي بين الفرقاء الليبيين ضعيفا وهشا وصمت ساسة تلك الدول العظمى على خروقات الاتفاق وضبابيته ليصل في الأخير إلى طريق مسدود ويخطئ التقدير من يعتقد ولو للحظة واحدة أن الخطة «ب» غير موجودة لدى القوى العظمى ونعني الولايات المتحدة، بريطانيا وسواهما. فالخطة «ب» موجودة وهي كارثية بكل المقاييس والمعايير وهي بالمختصر المفيد عودة الاستعمار إلى ليبيا وإضعاف جيوش المنطقة واستنزاف قدراتها من خلال الحرب على الإرهاب.
ولقائل أن يقول أن الشرق الليبي كان ذات يوم قد منع المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون من زيارة مجلس النواب في طبرق وأجبره على عدم مغادرة قاعة المطار. لكن نوضح أن ليون يومها عقد اجتماعا مع رئيس الحكومة المؤقتة ووزير الخارجية الدايري ثم غادر ليون محترما.

كما أن رئيس الحكومة عبد الله الثني والقائد العام للجيش خليفة حفتر أكدا تعاونهما غير المشروط مع الأمم المتحدة والفرق واضح بين تعامل حكام طرابلس وحكام طبرق مع الأمم المتحدة.

داعش الارهابي المستفيد الأكبر
والحال على ما هو عليه غرب ليبيا فإن تنظيم داعش الإرهابي هو الرابح الأكبر حيث أن من يعرقلون التسوية السياسية في طرابلس يفسحون المجال لهذا التنظيم للتوسع واستغلال الفراغ السياسي ليفتح داعش الإرهابي بدوره الباب للتدخل العسكري المباشر في ليبيا.
وهكذا يتضح أن الغرب يوظف الظاهرة لتنفيذ أجنداته هنا وهناك إلى درجة ذهاب الملاحظين والمتابعين لاعتبار أن داعش الارهابي هو صنيعة الغرب طبعا - ليس كل الغرب - وإنما غرب الغرب فلا يمكن القبول بأن دولة كألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا لها علاقة بوجود داعش الإرهابي.

في سوريا والعراق شكّل الغرب تحالفا دوليا لمحاربة داعش الارهابي لكن لم يحقق أي شيء يذكر ولولا تدخل روسيا لاحتل داعش الارهابي كل القطر السوري. وعندما أيقن الغرب أن جغرافية سوريا لم تعد كما هي سارع لغلق الملف الذي سيقود حتما لتقسيم سوريا. بالتوازي مع ذلك غض الغرب الطرف على انتقال الدواعش قيادات وأفرادا إلى ليبيا وسمح لهم بالتواصل مع بوكو حرام وغيرها... وعندما اقترب تطبيق الحل السلمي في ليبيا ،كشّر إخوان ليبيا عن حقيقتهم وعرقلوا التسوية السياسية لتبقى البلاد والمنطقة عموما تنتظر القادم المجهول.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115