حيث أن الحكومات المتعاقبة على ليبيا وحتى الحكومات والاجسام الموازية لم تكن لديها خارطة طريق وترتيب للمسائل الهامة، فلا المجلس الوطني الانتقالي ولا المكتب التنفيذي ولا حكومة الكيب ولا حكومة علي زيدان ثم عبد الله الثني وعمر الحاسي و خليفة الغويل ، جعلت بوضوح المصلحة الوطنية على رأس الاهتمامات ولم تهتم هذه الحكومات بتفعيل القضاء والشرطة القضائية والمحكمة العليا .
والمعضلة الاخطر ان الاتفاق السياسي هو ايضا سقط في نفس الخطأ حين لم يعط موضوع الترتيبات الامنية ما تستحق، اذ عندما استشعر خطورة ذلك عالج الامر بخطورة تعيينه للعميد نجمي الناكوع أمرا للحرس الرئاسي ، فالرجل ابتعد عن الخدمة العسكرية منذ 21 سنة واصبح رجل أعمال. في حين ان الاتفاق السياسي دعا الى إخلاء طرابلس وباقي المدن من المليشيات المسلحة وطالب بإبعادها لمسافة اربعين كلومترا عن المدن ، لكن ماحدث بعد دخول المجلس الرئاسي طرابلس ، من مخالفة المجلس الرئاسي والمستشار الامني لبعثة الدعم الأممية ما ينص عليه الاتفاق و بدل طرد المليشيات كلفها بحماية طرابلس ، وتبعا لذلك اكتسبت تلك المليشيات الشرعية .
وتم تكليف مليشيات مصراته بحماية الجنوب وهناك كانت الإخلالات الامنيّة ومنها حادثة اختطاف طائرة الخطوط الافريقية مؤخّرا، ويرى مراقبون بأنّ اهمال الاولويات من طرف كل الأطراف هو من ضيق الاسباب المباشرة لعرقلة جهود تطبيق التسوية السياسية المتعثرة. وتحل سنة 2017 وليبيا تشهد حالة صراع وتنافر بين 3 حكومات ثبت عجزها وتفتقر للحد الادنى من ثقة الشارع والنخب السياسية، والغريب أن كل حكومة من تلك الحكومات ترى نفسها شرعية ولها نفوذ وتمارس السلطة ولكن الواقع عكس ذلك تماما .
مواقف دولية
هذا محليا أما خارجيا فنجد دول الجوار في السنوات الأولى -وعلى ارتباط بتقاطع مصالحها -كانت رؤيتها ضبابية ولم تضبط سلم أولويات محدد ،فجمهورية مصر العربية يعيب عليها الغرب الليبي انحيازها الى طبرق حيث أبرمت الدولة المصرية بعد صعود السيسي للحكم عديد الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية ، وبعد توقيع الاتفاق السياسي عارضت مصر سيطرة تنظيم الأخوان المُسلمين على المجلس الرئاسي ودافعت عن مطالب مجلس النواب بضرورة تعديل المجلس الرئاسي وضمان مكان لحفتر . وحتى تضمن مصر لعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين ربطت قنوات الاتصال مع طرابلس . الجزائر من جهتها مواقفها تكاد لا تختلف فهي متهمة من ثوار 17 فبراير بالتعاطف مع اتباع القذافي وهي التي رفضت تسليم أفراد عائلة القذافي وأغلقت حدودها البرية مع ليبيا ، لكن وبعد توقيع الاتفاق غيرت موقفها ونجحت في نيل ثقة الاطراف الليبية المتصارعة.
أما تونس وخاصة موقفها من القائد العام للجيش خليفة حفتر فهي لم تُجاهر بالاعتراف به، ولو أنّ بعض المصادر تؤكد وجود تعاون بين قوات حفتر غرب ليبيا والجهات المختصة التونسية خاصة يما يتعلق بتبادل المعلومات حول الإرهاب وحركات الارهابيين غرب ليبيا ،وعندما نتعرض لهذه المواقف فإننا نلفت النظر الى أنّ دول الجوار لم تكن لديها استراتيجية واضحة الشيء الذي اسهم في التأثير سلبا على الاهتداء لحلّ .
والذي طبع تعامل دول الجوار مع الأزمة الليبية ينطبق على منظمات اقليمية مثل الجامعة العربية والاتحاد الافريقي ، فالجامعة العربية رغم أنها الاولى التي تحركت شهر مارس 2011 حيث اجتمعت بصفة طارئة وأصدرت قرار طلب تدخل مجلس الامن الدولي لحماية المدنيين ضد القذافي العسكرية فإننا نراها بعد ذلك تنسحب تماما لتنغمس في مشاكلها الداخلية لتعود بعد ذلك الغياب بقدوم الامين العام الجديد احمد ابو الغيط ، لكن هل قدرت الجامعة العربية على بسط المصالحة الوطنية الشاملة وساعدت الليبيين في تفعيل منظومة العدالة الانتقالية ؟.
من جانبه الإتحاد الافريقي الغارق في أزمات السودان والصومال والكونغو ومالي والصحراء الغربية ومتاعب جماعة بوكو جرام تحرك تجاه الازمة الليبية،واعلن تفعيل لجنة الرؤساء للوساطة غير أن السؤال المطروح هنا هو ما الذي يمكن أن يقوم به؟ و هل ثمة عناوين كبرى لهذا التحرك ؟
«دواعش» في طرابلس
بعيدا عن صداع الدوران في حلقة دائرية للأزمة الليبية وعلى صلة بمحاربة تنظيم داعش الارهابي وملاحقة الفارين من مقاتليه من سرت المحررة أخيرا، كشف مكتب التحريات ومحاربة الارهاب التابع لوزارة الداخلية لحكومة الوفاق طرابلس عن ثبوت تواجد عناصر لداعش في مناطق مختلفة من العاصمة طرابلس . معلوم ان مجموعة من الدواعش قوامها حوالي 60 عنصرا ارهابيا قدمت على متن 15 سيارة رباعية الدفع و حاولت تغيير محطة للنهر الصناعي بمنطقة الشويرف ما بين طرابلس وسبها جنوبا، لكن قوات تابعة لحفتر تصدت لها وطردتها دون حصول مواجهات مسلحة .وبهدف التصدي للدواعش عين المشير حفتر العميد ادريس مادي أمرا للمنطقة الغربية . تطورات ومستجدات اكدتها تقارير محلية وغربية متطابقة أجمعت كلها على ان الفارين من دواعش سرت اتجهوا نحو الجنوب الليبي، ومن هناك سوف يعملون على انجاز عمليات انتقامية سواء في الداخل الليبي او في الدول المجاورة .