الكاتب والباحث اللبناني خالد بريش لـ « المغرب»: «الإرهاب كان له دور الأساس في صعود نجم الأحزاب اليمينية في أوروبا»

قال الكاتب والباحث اللبناني المقيم في باريس خالد بريش ان ظاهرة اليمين المتطرف ليست بالشيء الجديد أو الطارئ على المجتمعات الأوروبية معتبرا ان هناك ازمة هوية تعيشها هذه المجتمعات خاصة لدى الجيل المتقدم سنا . واضاف في حديثه لـ « المغرب » ان

صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة لن يكون له تأثير مباشر على منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، لأن هناك مصالح بين الدول كبيرة وجد معقدة، ولا تخضع للارتجاجات والتغيرات السياسية على حد قوله.

• كيف تفسرون ظاهرة صعود اليمين المتطرف في أوروبا والغرب...؟
إن ظاهرة اليمين المتطرف في الأساس ليست بالشيء الجديد أو الطارئ على المجتمعات الأوروبية. فهي متغلغلة فيها كغيرها من الاتجاهات السياسية والأحزاب كاليسار المتطرف مثلا. وهذه الظاهرة يخف زخمها عندما تتمتع المجتمعات بنوع من الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي. وهما أمران تفتقدهما أوروبا منذ مدة لأسباب كثيرة ذات علاقة مباشرة في العولمة. وبسبب التحولات الجيوسياسية والتكون الأوروبي الجديد، وأيضا بسبب أزمة البنوك الأمريكية. ومن الممكن إجمال ذلك في عدة نقاط:

أولا: لقد خطت أوروبا نحو تحقيق الوحدة الأوروبية بطريقة تسارعت وتيرتها بعد انهيار حائط برلين ومنظومة البلاد الاشتراكية، وكانت مجبرة على ذلك لكي تمتص تداعيات الانهيار. ولكنها لم تكن مستعدة بالشكل الكافي، مما أحدث صدمات قوية في المجتمع اقتصاديا وسياسيا وفكريا. وقد ظن الساسة الأوروبيون أنها سوف تتلاشى مع الوقت إلا أن الظروف لم تكن في صالحهم...
فعلى سبيل المثال بالنسبة للصدمة الاقتصادية، فإنه من المفروض أن يُحدث تبني اليورو تضخما محسوبا بنسبة لا تتعدى 3 % وهو ما كان في الأشهر الأولى فقط. ولكنه ما لبث أن قفز إلى معدلات كبيرة نتج عنها حنين إلى العملة الوطنية، وحنين إلى الهوية التي تشكل العملة الوطنية أحد أهم تكويناتها. فاستغل اليمين المتطرف ذلك بذكاء، مطالبا بعودة العملة الوطنية على اعتبار أنها سوف تعيد الموازين إلى نصابها. وهذا استغلال بشع لمشاعر المواطنين السذج، لأنه سوف يحدث تضخما أكبر قد يتخطى الحدود في ظل ليبرالية جشعة...

ثانيا: أزمة هوية، فإنه عوض أن تذوب هذه المجتمعات داخل بعضها كما هو مقرر لها، فإنه ظهرت أزمة هوية عند الجيل المتقدم سنا وليس عند جيل الشباب. وهو جيل عاصر الاستعمار ويعتبره بعضهم مجدا ضائعا. وعاصر أيضا بعد الحرب العالمية الثانية ازدهارا كبيرا، وناضل ودفع ثمنا باهظا من أجل مكاسب اجتماعية وتحسين ظروف العمل... في الوقت الذي تغيرت فيه ظروف العمل وشروطه، فكان لا بد من إعادة صياغة القوانين وتغييرها وهو أمر طبيعي. إلا أن ذلك الجيل لا يريد أن يعترف بذلك، معلقا فقدانه لبعض مكتسباته على الآخر وهو بلا شك الأجنبي وأيا كان جنسة أو لونه...!

ثالثا: توالي الصدمات على المجتمعات الأوروبية التي كان آخرها أزمة البنوك الأمريكية التي أثرت بلا جدال سلبا على كل اقتصادات العالم، وسببت بطءا وركودا في النمو الاقتصادي العالمي. فتوقفت بسببها عجلة كثير من المصانع عن العمل، وارتفعت معدلات البطالة إلى حدود غير متوقعة، في نفس الوقت الذي تقوم المؤسسات الصناعية بإعادة تحديث وتطوير مما اضطرها إلى صرف عشرات الآلاف من العاملين فيها...

رابعا: وهو ناتج طبيعي في بلاد تملك تاريخا استعماريا قام ولعقود طويلة على استغلال الآخر والنظرة الدونية له. فعلى مدار عقود كان هناك إهمال متعمد في كيفية استيعاب موجات المهاجرين وإدخالهم في بوتقة المجتمعات، فحصلت عملية تهميش وطرد منظمة للمهاجرين إلى أطراف المدن الكبرى للعيش فيها مما أدى إلى نشوء مجتمعات مهمشة على شكل غيتوهات مغلقة تعيش خارج إطار الأنظمة والقوانين المرعية، ولها نظمها وعاداتها الاجتماعية وحتى مفاتيحها اللغوية في التواصل فيما بينها.

خامسا: وهو الأهم بالنسبة لي ويتلخص في أن الغرب رحب في بداية الأمر باليد العاملة التي تكنس الشوارع وتقوم بالأعمال الشاقة التي يفضل الأوروبي عدم القيام بها لصعوبتها وخطورتها، فأوكل أمرها للعامل المهاجر بثمن بخس مستغلا حاجته. وكانت اليد العاملة حينها غير مقيمة بصفة دائمة ولا تستفيد من صناديق التعويضات. وقد اختلف الأمر منذ مطلع الثمانينات فأصبحت اليد العاملة المهاجرة مقيمة مع أسرها، وبدأ أولاد المهاجرين يبذلون مجهودا مضاعفا للنجاح في الدراسة فدخلوا مسابقات الوظائف الحكومية والمدارس الكبرى والكليات العلمية والتطبيقية المعقدة التي كانت حكرا على غيرهم، وأثبتوا فيها نجاحا منقطع النظير... مما أدى إلى التنافس مع الأوروبيين الذين يرفضونهم أصلا بحكم العقلية الاستعمارية المتعالية.
فكل هذه الأسباب مجتمعة في اعتقادي ساهمت في صعود اليمين المتطرف، طبعا دون أن ننسى أن الإرهاب كان له دور الأساس في كسر حواجز المحرمات في الطروحات الشعبوية وفي صعود نجم الأحزاب اليمينية بشكل ظاهر...

• لو تعطينا أبرز ملامح هذه الحركات واجنداتها الانتخابية...؟
في أوروبا اليوم توجد كل الاتجاهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وصناديق الاقتراع هي التي تحدد من يصل في نهاية المطاف إلى كرسي الحكم... إلا أنه من الملاحظ في الفترة الأخيرة خلط للأوراق وعلى كل المستويات. وهذا الخلط نتج عنه أن كثيرين كانوا في أقصى اليسار وبفعل السياسات الحكومية الخاطئة والضخ الإعلامي المبطن بالعنصرية تحولوا إلى أقصى اليمين، وأن بوصلة خطاب اليمين واليسار الجمهوري، أصبحت تميل الى الشعبوية وإلى التطرف أيضا. فرأينا كيف سقطت كثير من المحرمات فصوتت حكومة اشتراكية على قرار بسحب الجنسية، وهو قرار ذو مضمون يميني متطرف كان الاشتراكيون أول معارض له سابقا...!
وعندما نتعمق قليلا في طبيعة حزب الجبهة الوطنية وهو الحزب الذي يتصدر المشهد في فرنسا، فإن هذا الحزب تماهت بعض طروحات اليمين الوسط مع طروحاته وأصبح من الصعب التفريق بينهما...! وأصبح يضم في صفوفه شرائح مختلفة من أفراد المجتمع عربا وأفارقة وغيرهم...
ولا توجد هناك حركات يمين متطرف صاعدة جديدة بل كل الحركات لها جذورها في المجتمع منذ القديم. تبكي على ماضيه وأمجاده وتحاول أن تجد في دفاتر الماضي خبزا تقتاته، وتبني عليه أطروحاتها في الوقت الذي تجد في الآخر المهاجر الأجنبي الداء، وسبب كل علة...!

• ما تأثير هذه الموجة الصاعدة على العالم العربي والشرق الأوسط...؟
لا أعتقد أن ذلك سيكون له تأثير مباشر على منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، لأن هناك مصالح بين الدول كبيرة وجد معقدة، ولا تخضع للارتجاجات والتغيرات السياسية. فالطروحات الشعبوية الانتخابية شيء، وسياسة الدول ومصالحها شيء آخر. وخصوصا إذا علمنا أن هناك شبه ثوابت بالنسبة للغرب بكل أطيافه وأحزابه في المنطقة وحتى بالنسبة لروسيا أيضا. وأهمها ضمان أمن وتفوق إسرائيل، والدفاع عن مصالحها دائما وأبدا، مع أن هذا الدفاع قد تختلف درجته من اتجاه سياسي إلى آخر ولكن المحصلة واحدة...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115