وجاء الإعلان الصادر خلال مؤتمر انعقد في بلدة رميلان في شمال شرق سوريا أمس، ليعلن المقاطعات الثلاث الواقعة تحت سيطرة الأكراد، وهي «عين العرب» (كوباني) في ريف حلب الشمالي و»عفرين» في ريف حلب الغربي و»الجزيرة «(الحسكة) ، وهذه المناطق يطلق عليها الأكراد تسمية «روج آفا» (غرب كردستان) وتقع في الشمال السوري على الحدود التركية.
ونصّت الوثيقة الموقعة على عدة نقاط أهمها اعتراف النظام الاتحادي بحق التجمعات في الدفاع المشروع عن نفسها وحقها في تطوير علاقات سياسية واقتصادية مع من تراه مناسبا أو مع من يشترك معها في المعتقد.
الدور الكردي في المنطقة
ولقراءة أبعاد وتداعيات هذا الإعلان ، من الضروري أولا الحديث عن الدور الذي يلعبه الأكراد في المنطقة أولا وفي سوريا بشكل خاصّ ، اذ لاشكّ في انّ الأكراد استطاعوا خلال السنوات الأخيرة فرض أنفسهم كرقم صعب في المعادلة السورية أولا وفي المتغيّرات التي تشهدها المنطقة .
فمنذ تأسيس «منطقة الحكم الذاتي» في كردستان العراق وبعد ان تم الاعتراف بها رسمياً في العراق سنة 2005 ، حتى نجاح الأكراد في إعلان ‘روج آفا» تحت إدارتهم الذاتية شمال سوريا ، بدأ الحلم الكردي بإقامة دولة مستقلة بالتبلور والدخول إلى مرحلة نوعية . ويمثّل الأكراد 35 مليون نسمة يتوزّعون على كل من سوريا ، تركيا إيران والعراق.
ويرى مراقبون انّ المتغيّرات التي عاشت على وقعها المنطقة العربية خلال السنوات المنقضية ومارافقها من تزايد نشاط التنظيمات المتطرّفة هناك وظهور تنظيم «داعش» في كلّ من العراق وسوريا ، كلّ ذلك ساهم في ظهور دور كُردي كبير في المعادلة السورية ، ولعلّ أبرز مثال على ذلك طرد الأكراد لتنظيم «داعش» من كوباني «عين العرب» وحصولهم على تأييد وتعاطف دولي واسع . ويرى مراقبون للشأن الدولي أنّ «معركة كوباني» خلقت مايشبه الرابط الوثيق بين أكراد سوريا والعراق وتركيا ، بعد أن وافقت أنقرة في ذلك الوقت – استجابة لضغوط غربية أمريكيّة بالخصوص- على السماح لمقاتلين من «البيشمركة» التابعة لأكراد العراق بالدّخول إلى كوباني عبر الأراضي التركيّة. وتزامن هذا التقدّم الذي حقّقه الأكراد في سوريا ن مع تمكّن ‘حزب الشعوب الديمقراطي الكردي’ من دخول قبّة البرلمان التّركي عبر حصوله على مايقارب الـ80 مقعدا، لأول مرّة في تاريخ البلاد الّتي تعيش صراعا مُستمرّا لعقود بين السلطات والانفصاليين الأكراد.
اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د
سوريا وتركيا والأكراد
وباعتبار القرب الجغرافي بين العراق سوريا وتركيا ، اتّخذ الصراع طابعا إقليميا بين الأكراد الحالمين بدولة مستقلة من جهة و دول المنطقة التي تخشى بشدّة من تداعيات ذلك على أمنها القومي .
حيث تخشى تركيا من ارتباط الحزب الكردي السوري المسيطر على «روج آفا» وحصول «حزب العمال الكردستاني» على نفوذ أكبر على أراضيها، مما يعطي الأخير صلاحيات إقليمية لا فقط محليا تركيا فقط. يأتي هذا في وقت يخشى فيه النظام السوري، الذي دخل الاثنين في مفاوضات صعبة مع المعارضة السورية بهدف إرساء حلّ سياسي للأزمة فشلها في وقت أعلنت فيه روسيا انسحاب قواتها العسكرية من الميدان في خطوة اعتبرها البعض انه تخلّ روسي عن نظام الأسد حليفه الأول في المنطقة.
يذكر أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي وقف وراء إصدار الوثيقة لم يُدع للمشاركة في محادثات جنيف استجابة لرغبة تركيا التي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني باعتبار أن أنقرة تصنفها تنظيما «ارهابيا».
رفض الخطوة
في الأثناء جاء الإعلان الكردي عن إقامة نظام فيدرالي شمال سوريا، ليثير زوبعة من ردود الفعل الدولية والإقليمية الغاضبة والرّافضة لهذا القرار حيث رفضت كل من دمشق والائتلاف السوري المعارض النظام الفيدرالي الكردي الذي تم الإعلان عنه في مناطق سيطرة الاكراد في شمال سوريا.
في حين قالت واشنطن أنّ »الولايات المتحدة لن تعترف بمنطقة ذات حكم ذاتي للأكراد في سوريا».من جانبها أعلنت تركيا على لسان مسؤول بوزارة الخارجية التركية أنها تدعم وحدة سوريا، وأن أي خطوات منفردة من جانب واحد ستكون «باطلة». وأكد المسؤول التركي ، أن شكل الحكومة والهيكل الإداري في سوريا سيقرره الشعب السوري في دستوره الجديد.
وبرغم الخلافات الكبيرة بين وفدي الحكومة ومعارضة الرياض في جنيف، فان الأمر الوحيد الذي يجمعان عليه هو رفض الفيدرالية .
واعتبر مراقبون انّ هذه الخطوة ستحمل في طياتها تداعيات كبيرة على مسار المفاوضات الصعبة والهشّة المنعقدة في جينيف هذه الفترة ، وما يمكن ان تمثله من تهديد لجهود السلام في سوريا .