وبالرغم من التنديد الرسمي بالقرار ومن «القلق العميق» المعلن من قبل الرياض وعواصم دول الخليج فإنّ الصحافة الخليجية واكبت موجة التهدئة ولوّحت باحتمال تنقيح القانون الجديد.
وكان الكونغرس الأمريكي بغرفتيه قد صوت بأغلبية عريضة، ولأول مرة منذ تولي باراك أوباما الحكم، لفائدة إبطال الفيتو الرئاسي وهو ما مكن من تمرير النص التشريعي الذي يخول لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 مقاضاة المملكة العربية السعوديةو مطالبتها بتعويضات علما و أن 3000 ضحية سقطت في عمليات نيويورك وواشنطن وبنسيلفانيا وأن 15 إرهابيا من جملة 19 كانوا يحملون الجنسية السعوديّة.
ولم تتمكن العائلات الأمريكية المتضررة من تتبع المملكة طبقا لقانون الحصانة الأمريكي الذي تتمتع به الدّول وبعثاتها الدبلوماسية حسب ما تجري به التقاليد الدولية. وتمكنت عائلات الضحايا من الحصول على دعم مجموعة من نواب الكونغرس من الديمقراطيين والجمهوريين الذين قدموا مشروع قانون أفضى إلى سن التشريع الجديد ضد مساندي الإرهاب. ويشير النص إلى «الدول التي ساندت، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، الجماعات الإرهابية في عملياتها ضد الولايات المتحدة الأمريكية». لكنه لا ينص صراحة على المملكة العربية السعودية. ولم تتمكن إلى حد اليوم هيئات الإدعاء بتقديم أي دليل على ضلوع المملكة في هجمات 11 سبتمبر 2001.
باراك أوباما في التسلل
بالرغم من الملاحظات والمخاوف المعلنة للإدارة الأمريكية فإن تمرير القانون ضد إرادة الرئيس الأمريكي يعطيه الضربة القاضية في آخر أيامه في البيت الأبيض خاصة أن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أعلنت مساندتها لهذا القانون. وسبق، حسب الصحف الأمريكية و الأوروبية، أن تحركت الدبلوماسية السعودية للضغط على نواب الكونغرس بتفعيل اللوبيات الأمريكية المساندة لها وسخرت 200 ألف دولار لذلك دون جدوى.
وقامت السلطات السعودية من جهة أخرى بتحريك الساهرين على الشركات الأمريكية الكبرى المتمركزة في المملكة مثل جينرال موتورز وشوفرون وبويينغ للقيام بالضغط على النواب قصد عدم المصادقة على القانون. لكن تحالف الديمقراطيين والجمهوريين حال دون ذلك. وكانت المملكة هددت عند بدء مناقشة القانون ببيع السندات الأمريكية التي بحوزتها وبقية ممتلكاتها في الولايات المتحدة في صورة سن قانون ضد المملكة.
مآخذ البيت الأبيض تلخصت في الإشارة إلى إمكانية تعرض الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين في الخارج إلى تتبعات عدلية مضادة . الاعتراض الثاني يتعلق بكونية القانون الذي يشمل كل الدول . وتخشى الإدارة الأمريكية من تتبعات تشمل إيران وباكستان والسودان وروسيا. وهو ما يعقد العلاقات الدولية في ظروف حروب مفتوحة ضد الإرهاب في الشرق الأوسط.
أي رد فعل للمملكة العربية السعودية ؟
الموقف السعودي الرسمي تراوح بين الوعيد والتلميح بعواقب وخيمة لهذا القرار. مما يشير إلى إمكانية أخذ قرارات ضد الولايات المتحدة الأمريكية في صورة تسجيل قضايا ضد الدولة السعودية. ولاحظت الصحافة السعودية أن المملكة ليست الوحيدة التي تعارض القانون الأمريكي بل دول عديدة أخرى منها فرنسا التي هددت، عبر القنوات الدبلوماسية، بسن قانون مماثل. ولكن بعض المحللين السعوديين أكدوا على متانة العلاقة بين الدولتين الحليفتين و أن نصا بديلا يتداول هذه الأيام بين النواب الأمريكيين لتنقيح النص الأصلي وإدخال تعديلات ترضي الجانب السعودي دون المساس بحق عائلات الضحايا . وهي معادلة صعبة نظرا لعدد المساندين من النواب الداعين صراحة إلى مقاضاة الدولة السعودية.
من جانب آخر لم تخف بعض الجهات السعودية أن للمملكة إمكانيات ردع عديدة منها تقليص مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وسحب أرصدتها من المؤسسات المالية الأمريكية والضغط على دول الخليج للتخلي عن مساندة السياسة الأمريكية لمقاومة الإرهاب. وهو ما يعني تخلي دول الخليج عن منح حق استخدام القواعد الجوية والبحرية لقصف تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسوريا. وفي حالة دخول المملكة في أزمة حقيقية مع الولايات المتحدة هنالك إمكانية أن تسلط السعودية ضغوطات على الأردن قصد إقحامه في المقاطعة.
عاصفة قضائية أم تسوية سياسية؟
عائلات ضحايا 11 سبتمبر متمسكة بحقها في تقديم شكاوى ضد مرتكبي العمليات الإرهابية. وقد تمكنت من الحصول على مساندة أغلبية نواب الكونغرس. وهو ما يبشر باندلاع عاصفة قضائية ضد المملكة العربية السعودية بحكم أن 15 إرهابيا من جملة 19 شاركوا في هجمات 11 سبتمبر هم سعوديون. لكن ذلك الاحتمال لم يمنع رئيسي مجلس الشيوخ ومجلس نواب الشعب بالتصريح عن قبولهما مبدأ مراجعة النص الأصلي للقانون. وهو ما يفتح إمكانية مفاوضة مع الإدارة الأمريكية للرد على مخاوفها المتعلقة بحماية الجيوش والدبلوماسيين والمواطنين الأمريكيين في الخارج.
أحد المقترحات التي يمكن أن تساهم في حل الأزمة ، والتي هي بصدد النقاش حسب الصحافة الأمريكية، هو عدم التنصيص على مسؤولية الدول في الأعمال الإرهابيّة مع الإبقاء على صيغة تتبع الأشخاص. وهو ما يمكن من تخفيف حدة الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة و السعودية. لكن بالنسبة لعديد الملاحظين الدوليين لم يكن هذا القانون سوى إنذار للمملكة من قبل الكونغرس لعدم مسايرتها الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط الرامية إلى فرض تهدئة مع إيران وخاصة في سوريا والعراق.
وأمام عدم نجاح السعودية في حربها على الحوثيين وانعدام مخرج سياسي للأزمة بالرغم من تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الأزمة اليمنية لتسهيل عملية إرساء مرحلة انتقالية سلمية ، فإن الكونغرس الأمريكي أراد الضغط على المملكة لتغيير موقفها و الدخول في عملية تهدئة مع إيران لإرساء نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط. لكن موقف الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يختم عهد الجيل الأول للملوك السعوديين، يهدف في الأساس إلى ضمان استمرارية المملكة و عائلتها المالكة و بسط نفوذها على محيطها المباشر وهو ما لا يتطابق بالضرورة مع المصالح الأمريكية في المنطقة.