يساورنا سؤال وحيد هو: هل يمكن توفير رعاية طبية بطريقة آمنة عند خطوط الجبهات؟ في العام الماضي، تم شُنّ 77 هجومًا إضافيًا على المرافق الطبية التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود أو تدعمها في سوريا واليمن، ويتواصل جرّ المستشفيات إلى أرض المعركة، وتتمّ التضحية بالمرضى والأطباء والممرضين.
ويعتبر تدمير مركز الإصابات البالغة في قندوز إلى جانب الهجمات المدمرة التي تم شنّها على المرافق الطبية في سوريا واليمن بمثابة أسباب دفعت إلى إقرار القرار 2286 لمجلس الأمن الدولي في ماي2016. ويدين القرار بشدة الهجمات على المرافق الطبية ويطلب من كافة أطراف النزاع المسلّح أن تمتثل امتثالًا تامًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، وبعد مضي خمسة أشهر على اتخاذ هذا القرار، استهدف مرفقان طبيان في سوريا في اليوم نفسه الذي عدنا فيه إلى قاعات مجلس الأمن للتنديد بنفاق الدول– وبالأخص تلك المشاركة في الحرب في سوريا واليمن. فمن جهة توقّع الدول على قرار لحماية المرافق الطبية، بينما تواصل من جهة أخرى مشاركتها مباشرةً أو تواطؤها في الهجوم المستمر على العاملين في المجال الصحي والمرضى في مناطق النزاع.
والجليّ أنّ مع كل هجوم على مرفق صحي يزداد اتّساع الفجوة بين خطابات الحكومات حول احترامها للقانون الدولي الإنساني وطريقة شنّها للحروب على أرض الواقع. لم تطلب أي حكومة من قبل قصف المستشفيات عمدًا، ولكن مع ذلك تتعرّض المستشفيات للقصف.
وفي أغلب الأحيان، تحدث هذه الهجمات تحت مظلة “الحرب على الإرهاب” الآخذة في الاتساع، وهو شعار يُستخدم بوتيرة متزايدة وحتى من قبل التحالفات العسكرية كافة في سوريا اليوم. وتعتبر الهجمات إمّا كـ”أخطاء” مأساوية، أو تُنفى بشكل قاطع، أو تتحوّل إلى لعبة سياسية تتبادل الدول فيها الاتهامات بيأس بينما تدّعي في الوقت نفسه بكون قنابلها وقذائفها هي الأذكى وأنّ ضرباتها الجوية هي الأكثر “إنسانية”.
ولم تجرِ أي تحقيقات نزيهة من قبل هيئة دولية مستقلة في أي من الهجمات على المستشفيات التي جرت على مرّ العام الماضي. ذلك لأنّ الإرادة السياسية لدراسة السلوك العسكري من قبل جهة خارجية معدومة لدى الحكومات. وفي ما يتعلق بحادثة قندوز، أجرت الولايات المتحدة تحقيقًا عسكريًا داخليًا وأصدرت تقريرًا شاملاً متاحا أمام العامة في شهر أفريل. وهذا أكثر ما تلقيناه من أي قوة عسكرية أخرى منخرطة في القصف على مرفق لمنظمة أطباء بلا حدود.
وسمح التحقيق الذي أخذته الولايات المتحدة على عاتقها بالتعرف بشكل أعمق إلى الأحداث التي جرت في قندوز خلال الليلة التي تعرّض فيها المستشفى للهجوم. ومع ذلك، ما توصلنا إليه من خلال تقرير تحقيق الولايات المتحدة يبعث على قلق عميق.
افترضت القوات البرية على نحو خاطئ أنّ “المدنيين كافة فروا، ووحدها قوات طالبان بقيت في المدينة”. ولم تبذل أي جهد للتأكد من صحة هذا الافتراض ولم تتّخذ الاحتياطات اللازمة لتجنّب سقوط ضحايا من المدنيين. واعتبرت مدينة قندوز بأكملها معادية. ومع استحضار قواعد “الدفاع عن النفس”، كانت القوات الأمريكية في قندوز تطلق النار بصورة استباقية ضمن عملية عسكرية هي “إطلاق النار أولًا، وطرح الأسئلة لاحقًا”. ولم يراجع أحد من سلسلة القيادة قائمة المواقع الممنوع ضربها في الساعات التي سبقت الهجوم. ويشير التقرير إلى أنّه أخطأ في التعرّف إلى مستشفى “قندوز” التابع لنا. وأدّى ذلك إلى إطلاق 211 قذيفةًمن طائرة AC-130 على المستشفى من دون وجود أي تهديد معاد مؤكّد.
وتستمرّ منظمة أطباء بلا حدود التواصل مع أعلى المستويات في الحكومتَين الأمريكية والأفغانية لكسب ضمانات بعدم تكرار هذه المأساة من جديد.
لا تكمن مسؤولية حماية المستشفيات، في أي نزاع كان، في نقل مرافق الرعاية الصحية بعيدًا عن أرض المعركة، بل يكمن في جوهر قانون الحرب في مسؤولية وجوب تمييز الجيوش للأهداف المشروعة عن مواقع المدنيين المحمية. إن لم يتم التمييز بين المدنيين والمقاتلين، فيصبح كل فرد عندئذٍ هدفًا محتملًا.
وتتفاوض منظمة أطباء بلا حدود منذ ما يزيد عن 40 عامًا على حماية مرافقها الطبية في النزاعات حول العالم. وسيستمر عملنا في إقناع الأطراف المتنازعة على احترام المرافق الطبية. على سبيل المثال، ما زال بعض المسؤولين الأفغان يحاولون تبرير الهجوم على مركز الإصابات البالغة من خلال الادّعاء على نحو كاذب أن المستشفى كان “مليئًا بقوات طالبان”. ولكننا لا نملك إلا أن نتساءل عمّا إذا كان اتّباع أخلاقيات مهنة الطب ومداواة كل محتاج إلى رعاية طبية بمن في ذلك الجرحى من الأطراف كافة يحوّل المستشفى التابع لنا إلى “قاعدة للأعداء”.
لا يمكننا أن نقبل إمكانية استهدافنا بسبب معالجتنا للأعداء المصابين. سننقل رسالتنا إلى كل من يملك قوة لإطلاق النيران في جميع الأماكن التي نعمل فيها. سنواصل مطالبة الجهات الأقوى وحلفاءها تحويل خطاباتها إلى حقيقة ملموسة. وسنندّد بأولئك الذين يسعون إلى تهديد قوانين الحرب.
فالحرب التي لا حدود لها تؤدي إلى أراضي معركة من دون أطباء، فلن نجلس مكتوفي الأيدي ونسمح بحصول ذلك.
كريستوفر ستوكس