اجتماع باريس: الرؤية الفرنسية تكرّس انقسام المجتمع الدولي إزاء الأزمة الليبية

أثار اجتماع باريس المنعقد يوم الاثنين حول الأزمة الليبية ردود أفعال ومواقف متباينة وعكس مرة أخرى انقسام المجتمع الدولي حيال ما يجري في ليبيا وكيفية الخروج من الأزمة.حيث اعتذرت مسؤولة العلاقات الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني عن حضور الاجتماع

لعدم موافقتها على جدول الأعمال، وأيضا عدم توجيه الدعوة للمجلس الرئاسي وأطراف فاعلة أخرى هي إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا أيضا تحفظت على الحضور.

فإسبانيا على سبيل المثال مثلتها في الاجتماع شخصية أقل من وزير خارجية كما تم تغييب الجامعة العربية والجزائر، في حين تم توجيه دعوة الحضور لوزير خارجية حكومة طبرق محمد الدايري، لكن وأمام الانتقادات ومعارضة عدة دول أوروبية لهذا الخرق للاتفاق السياسي تراجعت الحكومة الفرنسية عن دعوتها للدايري وسمحت له فقط بإجراء لقاءات مع مسؤولين غربيين على هامش اجتماع باريس وعقد ندوة صحفية.

ويرى متابعون لمسار ومنعطفات الأزمة السياسية الليبية ،بأن فرنسا أرادت من خلال تنظيم هكذا اجتماع فرض رؤيتها وقناعتها بناء على تقييم لآخر المستجدات العسكرية والسياسية في الداخل الليبي المتحرك أول المعطيات أن الجنرال حفتر وبعد سيطرته على النفط إنتاجا أصبح من وجهة النظر الفرنسية المؤهل الاول لحكم ليبيا، وطالما أن باريس تدعم حفتر على الأقل لوجستيا فترى نفسها انطلاقا من ذلك مؤهلة هي أيضا لتكون اللاعب رقم واحد مستقبلا في ليبيا.

ويضيف المتابعون للأزمة الراهنة في ليبيا بأن فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فشل فشلا ذريعا في إقناع الرئيس الفرنسي ووزير دفاعه عند زيارته لباريس الثلاثاء الفارط ،حيث أكدت مصادر ديبلوماسية فرنسية أن السراج ذكر لمخاطبيه بوجود جيش لديه تحت إمرة وزير دفاع مفوض اسمه العقيد المهدي البرغثي لكن وزير الدفاع الفرنسي رد عليه عن أي جيش تتحدث؟ وأردف وزير الدفاع الفرنسي ،لافتا نظر السراج إلى أن قبيلة المهدي البرغثي أعلنت موالاتها ودعمها للجنرال خليفة حفتر وعدم اعترافها بالمجلس الرئاسي. معلوم بأن وزير الدفاع الفرنسي مقرّب جدا من دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى أبرز الدول الإقليمية الحليفة للجنرال حفتر.

اجتماع باريس الذي ضرب في الصميم الاتفاق السياسي الذي دعا المجتمع الدولي إلى عدم التعامل مع الأجسام الموازية أكد من جديد مدى عمق الخلافات الدولية وفقا لمصالحها إزاء الأزمة السياسية الليبية اجتماع باريس أيضا يعكس رغبة الحكومة الفرنسية اللحاق بكل من الولايات المتحدة وبريطانيا في مستوى اهتمامها بالملف الليبي من خلال رؤية واقعية للأحداث الجارية خاصة بعد سيطرة القوات التابعة لرئاسة أركان حكومة طبرق على الهلال النفطي، وتصاعد شعبية القائد العام للجيش خليفة حفتر بمختلف مناطق ليبيا بل حتى في طرابلس العاصمة مقابل إخفاقات المجلس الرئاسي في فرض نفسه رغم الدعم الدولي.

لواء ورشفانة يؤكد جاهزيته لحماية طرابلس
يشار إلى أن رئيس الأركان العامة للجيش عبد الرزاق الناظوري قام بزيارة إلى غرب ليبيا، الزنتان، الرجبان، قاعدة الوطية الجوية ولواء ورشفانة شهر مارس الماضي، وحضر استعراضا عسكريا أنجزه لواء ورشفانة. أما جنوبا فيتمركز اللواء 12 تحت قيادة العميد محمد بن نايل ويسيطر هذا اللواء على جزء كبير من سبها والجفرة ويمتد مجال سيطرته شمالا حتى يبلغ مشارف مدينة بني وليد.

وفعليا تسيطر قوات رئاسة أركان طبرق على ما يناهز 70 % من مساحة ليبيا وتحتفظ القيادة العامة للجيش برئاسة المشير حفتر بعلاقات قوية مع دول جوار مثل مصر، تشاد، النيجر وعلاقات وثيقة غير معلنة مع تونس تكثفت خاصة بعد سيطرة حفتر على الهلال النفطي. في حين عبّرت الجزائر عن غضبها من إقدام حفتر على السيطرة على النفط وتتحفظ وتعارض الجزائر دعم فرنسا المعلن لقوات طبرق وترى الجزائر بأن دعم طرف على حساب طرف من شانه تعميق الأزمة وإطالة عمرها.
المحصلة بأن أغلب دول الجوار الليبي وأيضا العديد من دول الإقليم تشارك باريس رؤيتها الواقعية من الأزمة الليبية حتى لو كان ذلك على حساب الثوابت الدولية ويضرب بالاتفاق السياسي عرض الحائط.
والسؤال المطروح في ظل تصميم فرنسا فرض رؤيتها وما يمكن وضعه بالانقلاب على مخرجات حوار الصخيرات السياسي، ما الخطوات القادمة التي سوف تقوم بها الحكومة الفرنسية والدول التي تتبنى رؤيتها؟

أولى الخطوات والتي تعمل باريس على تنفيذها هي تغيير رئيس بعثة الأمم المتحدة الحالي مارتن كوبلر الذي فشل في إدارة الأزمة ،ولم يعد يحظى بأي شكل من أشكال القبول بين الفرقاء الليبيين سيما من سلطات طبرق، مارتن كوبلر لم تسعفه خبرته الطويلة سواء كديبلوماسي لبلده ألمانيا أو كمبعوث الأمم المتحدة وإتقانه للغة العربية ولا أيضا حماسه كل ذلك لم يساعده على تحقيق ولو نسبة قليلة من النجاحات. حيث فشل في إعادة فتح مقرات البعثة الأممية في طرابلس وبنغازي وتم طرده في أكثر من مناسبة من طرابلس وطبرق.

سجل كوبلر حافل بالإخفاقات والعثرات وذلك ما سوف تعتمد عليه فرنسا ومصر والإمارات كي تقدم توصية لإقالته وتعيين مبعوث جديد لدى طرابلس. الخطوة الثانية الإيعاز لقوات مجلس النواب بتجسيم وجودها غرب البلاد للتقدم نحو العاصمة طرابلس وهذا التقدم سوف يكون سببا في مغادرة المجلس الرئاسي للعاصمة خاصة وأن أطراف نافذة في طبرق تطالب بالقبض على السراج وأعضاء الرئاسي ومحاكمتهم.

ويرى مراقبون عسكريون بأن ما حدث في الهلال النفطي عند تقدم قوات حفتر يمكن أن يعاد في طرابلس، ولن يكون هناك اقتتال بين قوات الجيش والمليشيات لفقدان تلك المليشيات لحاضنة شعبية بين أهالي طرابلس كما أن اندلاع حرب بين الطرفين في مدينة ذات كثافة سكنية عالية لن يقبل به لا المجتمع الدولي ولا عقلاء طرابلس.ومليشيات طرابلس ليست بذلك الانسجام فيما بينها ولا تلك الجاهزية حتى تستطيع الصمود أمام قوات الجيش الذي يدعمه تقريبا نصف سكان طرابلس الذين يمثلون ورشفانة بمليون ونصف نسمة وفق تعداد 2006.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115