القانون الأمريكي «العدالة ضدّ رعاة الإرهاب»: «استراتيجية الصّدمة» وتداعياتها على واشنطن والرياض

صوّت الكونغرس الأمريكي في وقت متأخر الأربعاء لصالح تمرير قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب « أو مايعرف كاختصار للتسمية باللغة الانقليزية «Justice Against Sponsors of Terrorism Act »بقانون «جاستا» ، يأتي هذا التصويت لينقض الفيتو الذي استعمله الرئيس الأمريكي

باراك أوباما قبل أسبوع ضدّ الموافقة على هذا القانون المثير للجدل لعلاقته بشكل غير مباشر بالاتهامات الموجّهة الى المملكة العربية السعودية بالوقوف وراء أحداث الـ11 من سبتمبر ، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من تداعيات على الجانبين الأمريكي والسعودي.
وجرى تمرير القانون بعد أن صوت الكونغرس بشقيه – مجلس الشيوخ والنواب- بأغلبية الثلثين لكل منهما ما أدى إلى نقض الفيتو الذي استخدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضد مشروع قانون جاستا، في سابقة أولى من نوعها خلال ولايتي أوباما في الرئاسة الأمريكية .
يشار إلى انّ قانون «جاستا» هو مشروع قانون معلق في كونغرس الولايات المتحدة يُضيّق المفهوم القانوني للحصانة السياسية عبر تعديل قانوني حصانات السيادة الأجنبية وقانون مكافحة الإرهاب. مشروع القانون مرر من قبل مجلس الشيوخ بلا أي معارضة في ماي 2016 ، وفي سبتمبر 2016 مرر كذلك بالإجماع من مجلس النواب. القانون لا يذكر هجمات 11 سبتمبر أو المملكة العربية السعودية بشكل صريح، إلا أنه سيسمح ضمنيًا بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة من قبل الضحايا وأسرهم بالإضافة إلى قضايا أخرى تتورط فيها حكومات أجنبية.

تمرير هذا القانون المثير للجدل سيساعد – وفق مراقبين – عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر على مقاضاة أي طرف حتى وان كان مسؤولا رفيعا في دولة أجنبية .علما وان هناك عدة دعاوي مرفوعة أمام المحكمة الاتحادية في نيويورك، يسعى عبرها عدد كبير من المحامين الى إثبات الاتهامات الموجهة الى الرياض بضلوع مسؤولين سعوديين في الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001، والتي شارك فيها 19 شخصا، من بينهم 15 مواطنا سعوديا .

واعتبر مراقبون انّ هذا التضاد في مواقف الرئيس الأمريكي والكونغرس ، خلق توترا بين الطرفين حيث وصف أوباما تمرير القانون بأنه يحمل خلفيات «سياسية» في حين يجمع نواب المجلس من جمهوريين وديمقراطيين على ضرورة المصادقة على قانون تم تعطيله لسنوات . ويتوقع متابعون للشأن الدولي صدور هذا القرار ببداية مرحلة توتر جديد بين واشنطن والرياض تتعلق بمصالح البلدين المشتركة سواء المشاريع الأمريكية في الشرق الأوسط ومايمثله ذلك من تهديد للتحالف التقليدي بين الطرفين (المتأثر أساسا بتضارب المواقف في سوريا)، أو المشاريع الاقتصادية والسندات السعودية الضخمة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تبلغ 750 مليار دولار عبر إمكانية سحبها أو بيعها كردّ فعل من الرياض على تمرير مثل هذا القانون المتضارب مع مصالحها.

وتعدّدت القراءات التي رافقت المصادقة على هذا القانون،إذ اعتبر شق إمكانية صمود القانون ضئيلة أمام أهمية المصالح والاستراتيجيات المشتركة بين واشنطن والرياض في حين اعتبرها شق أخر تكتيكا أمريكيّا سعوديّا مشتركا لإعطاء دفع لرؤية بن ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الجديدة عبر تغيير الداخل السعودي النمطي التقليدي.

ازدواجية في المفاهيم
من جهته قال علي مراد الكاتب اللبناني والباحث المختصّ في الشؤون السعودية لـ»المغرب» انّ قانون «جاستا» يشمل بندا لم تسلط الضوء عليه وسائل الإعلام، وهو ان وزارة الخارجية بإمكانها التفاوض من اجل تحصيل التعويضات خارج المحاكمة بمعنى أن القاضي يأمر بحجز أرصدة سعودية بأمر قضائي، وتتولى الخارجية التفاوض مع الحكومة السعودية للاتفاق على دفع المبلغ كتعويض.

وتابع محدّثنا «بذلك تكون واشنطن قد حفظت ماء وجه حليفتها الرياض في اي دعوة قضائية ستُرفع، وستتفادى الرياض تثبيت حكم دعم الإرهاب معنوياً لكنها ستُستنزَف في دفع المبالغ المالية».

وأشار الباحث اللبناني إلى انّ الغالبية الساحقة التي حصل عليها القانون في التصويت من كلا الحزبين، تثبت أن كل الأمريكيين متفقون على الاستحواذ على الأرصدة السعودية الموجودة في البنوك الأمريكية بالإضافة إلى الأصول والممتلكات التي يقدرها الخبراء بأكثر من 2.5 تريليون دولار».

واعتبر محدّثنا أن القانون رغم أنه ظاهراً ضدّ السعودية، إلا أن حكومة الرياض ستستفيد منه محمد بن سلمان تحديداً ، نظرا إلى انه يسعى منذ مدة إلى فرض الخطوات التي وضعها في رؤيته على المجتمع السعودي، في ظل خشيته من ردة الفعل عليها في الداخل السعودي سيما في ما يتعلق بالضرائب والرسوم وفق تعبيره.

وتابع مراد أنّ المجــــتمع السعودي الآن مصدوم وغاضب على الأمريكيين، وهذا الغضب سيُترجم التفافاً حول الحكومة السعودية وتأييدا لإجراءاتها وهو ما سيعطي دفعا لرؤية ابن سلمان التي سوف تشكل بصيص الأمل الوحيد للسعوديين لتخطي المرحلة الحرجة . وأشار

مراد إلى ان «رؤية بن سلمان التي وصفها زلماي هليل زاد في مقاله الأخير في مجلة بوليتيكو في 14 سبتمبر الفائت هدفها الأساسي تغيير العقلية السعودية أكثر منها اقتصادية ، واشنطن بالتعاون مع بن سلمان تريد نقل المجتمع السعودي من حالة التطرف والتشدد إلى حالة المدنية والليبرالية عبر اعتماد إستراتيجية الصدمة، فالتيار الديني المتمثل في هيئة كبار العلماء سوف يحشد باتجاه الالتفاف حول القيادة وسوف يعمل على تبرير كل خطوات ابن سلمان بحجة حالة الطوارئ والخطر الخارجي».

وعن الفيتو الذي رفعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال محدّثنا انّه كان من البديهي ان يعلن اوباما رفضه للقانون ، مضيفا انّ تصويت أعضاء الكونغرس ومجلس النواب الديمقراطيين بالأغلبــــية الساحقة لصالح تمرير القانون تفسر أنّ حزب أوباما مع القانون واعتراض أوباما كان شكليا فقط .

وأكّد محدّثنا انّ واشنطن لا تريد التخلي عن الرياض بل إعادة هيكلتها وتحديد دورها الوظيفي في المنطقة ، معتبرا ان فهم الإستراتيجية الجديدة لواشنطن ممكن من خلال كلام اوباما في حديثه لمجلة The Atlantic في افريل الماضي اذ قال لهم أوباما «عليكم ان تتغيروا وان تلتفتوا الى الخطر الذي في داخل دولتكم (تطرف الشباب ومشاكل حرية التعبير والقمع) ،والقبول بأن تتشاركوا الإقليم مع ايران وان تكفوا عن الاعتماد كلياً علينا لنقوم بحروبكم».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115