الحكومات المتعاقبة على تونس للأوساط المالية الدولية بما فيها حكومة يوسف الشاهد مما انتج تعمق الازمة الاجتماعية والاقتصادية اكثر، ودعا الطبوبي النخب السياسية التي وصفها بالـ»العاجزة» الى الوعي بدقّة الظرف الذي تمرّ به البلاد وتركّز على حلّ الملفات الاجتماعیّة والاقتصادية المفتوحة.
في حدود التاسعة صباحا انطلق النقابيون في التوافد على بطحاء محمد علي امام المقٍرّ المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل حالمين اعلام تونس وشعارات منظمتهم، وبعد ساعة ونصف اصبح من الصعب المرور وسط المئات من العمال والنقابيين لايجاد مكان للوقوف قبالة الشرفة التي كان الامين العام نور الدين الطبوبي يلقي منها خطابا مطوّلا استهلّه بالتاكيد انه لم تعد هنالك اية ضرورة لتحفّظ النقابيين في خطاباتهم بل يجب عليهم تسمية الاشياء بمسمّياتها.
ليمرّ الطبوبي مباشرة الى توجيه انتقاداته للحكومات المتعاقبة على تونس بعد ثماني سنوات من الثورة، بسبب ما راى فيه انصياعها جميعها للأوساط المالية الدولية التي تعمل على فرض سياسة التقشّف عبر المقايضات والمساومات وهو ما جعل القرار السيادي الوطني ومطالب الثورة واستحقاقات التنمية والمقتضيات الأساسية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على المحكّ حيث اعتبر امين عام اتحاد الشغل انه بعد ثماني سنوات من الثورة لا تزال تونس تُساس وفق نفس المنوال التنموي المُمْلَى من قبل الأوساط المالية الدولية والذي لم يُنتج سوى مواصلة تكريس الحيف والتفاوت الجهوي الذي يزداد تعمّقا يوما بعد يوما وتحوّل الى تفاوت حتى داخل الجهة الواحدة وافرز تفاقم البطالة والتهميش والإقصاء ومزيدا من تحكّم «أباطرة التهريب والاقتصاد الموازي في مسالك التوزيع إلى حدّ ارتهان معيشة المواطن»، وفق تعبيره.
تجاذبات سياسية انتجت تعمق الازمة
تعمّق الازمة الاقتصادية والاجتماعية في تقدير امين عام اتحاد الشغل وهي نتيجة حتميّة لثماني سنوات من «التجاذبات السياسية التي تحكمها مصالح وأطماع فئوية ضيّقة يُغذّيها المال الفاسد وتحكُمها أجندات مالية وجيوسياسية دولية لا همّ لها إلا مُصادرة قرارِنا وارتهان سيادتنا الوطنية».
ليواصل الطبوبي الحديث باتهام الحكومات المتعاقبة بالخضوع «للمنطق الليبرالي الجائر» وتنكرها لالتزاماتها وتعهّداتها تجاه الأجراء وتجاه الفئات والجهات المحرومة والمفقّرة والمهمّشة، ليمرّ الى اتهام حكومة يوسف الشاهد بالمواصلة في نهج الخضوع للدوائر المالية العالمية وتفويتها في استقلالية القرارات الاقتصادية الوطنية.
قانون مالية انتخابي
ذلك المنطق الليبرالي، وفق الطبوبي، دفع بالحكومة الحالية الى اقصاء أعوان الوظيفة العمومية من الزيادة ضمن ميزانية سنة 2019 في تنفيذ حرفي لإملاءات صندوق النقد الدولي ضاربةً عرض الحائط بالحوار الاجتماعي وبكلّ التزاماتها وتعهّداتِها مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
وعرّج الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على قانون المالية الحالي الذي وصفه بانه قانون لا يختلف عن سابقيه من قوانين المالية من حيث عدم الانصاف الا انه تجاوزها بقيامه على خلفيّات انتخابية وتكريسه لهيمنة لوبيات الفساد والانحياز إلى العائلاتِ المُتنفِّذة مما يجعله متعارضا مع روح الدستور ومع أهداف الثورة ومجرّد إعادة انتاج لمقاربات وسياسات النظام السابق.
الاتحاد العام التونسي للشغل نبّه مرارا وتكرارا الى تواصل انحدار المؤشّرات الاقتصادية ومن ارتفاع نسب التضخّم وتفاقم العجز التجاري وتراجع مخزون العملة الصعبة وانحدار قيمة الدينار واستمرار الصعوبات المالية التي تعاني منها جلّ البنوك العمومية والمنشآت العمومية مما شأنه أن يعيق تمويل الاقتصاد ويُفاقم من الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، وفق الطبوبي.
نخب سياسية عاجزة
ذات التنبيه من تفاقم ظاهرة الإرهاب والسكوت عن ملفّات الاغتيالات وتسفير الشباب إلى بؤر التوتّر وتواصل الأزمة السياسية وغياب الوعي والمسؤولية لدى أغلب الأطراف السياسية بمقتضيات المرحلة وانعدام التوافق وتغييب المصلحة الوطنية واللهث وراء المُحاصصات الحزبية التي اعتبرها الطبوبي «لعبا بالنار» وتعبيرا عن عجز النُخب السياسية عن استكمال استحداث أو تجديد الهيئات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية والهيئة العليا للانتخابات ومواصلة استكمال الإصلاح السياسي والاستقرار الاجتماعي والانتقال الديمقراطي.
ووفق الطبوبي فبسبب عجز النخب السياسية سرى الاحباط واليأس في صفوف الشعب التونسي وخاصة الشباب الذي اصبح يعزف عن المساهمة في إدارة الشأن العام، وحتى المستثمرين المحلّيين والأجانب شملهم الاحباط الذي انتجهته التجاذبات السياسية وعجز النخب السياسية عن القيام بدورهم ممّا أفقد المسار الانتقالي الكثير من الفرص المحفّزة والداعمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
دعوة الحكومة الى...
الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي جدد دعوته للحكومة الحالية إلى التدقيق في المديونية والمالية العمومية وفي منظومة دعم المحروقات والمواد الأساسية ومنظومة دعم التشغيل والتكوين المستمر ككل ومنظومة إسناد القروض الصغرى، وطالب بالإسراع في تقييم سياسات التشغيل المعتمدة والإتفاقيات التجارية الحالية والمنظومة الديوانية ومنظومة العائلات المعوزة، وذلك تمهيدا لوضع استراتيجية وطنية وفق مقاربة تشاركية تأخذ بوجهات نظر كل الأطراف وتراعي مصالح الجميع.
ليمرّ الطبوبي مباشرة الى الحديث عن انحياز الاتحاد للطبقات المظلومة ودفاعه عنها والنجاح في حلّ عدة ملفات على رأسها ملفّ المفروزين أمنيا والاتفاق على مبدإ الانتداب النهائي لعمّال حضائر ما بعد 2010 وغيرها، ليؤكّد ان المنظمة الشغيلة عازمة على تسوية ملفّ التشغيل الهشّ في التعليم والقطاع المسجدي وغيرها من القطاعات.
الاتحاد العام التونسي للشغل وفق امينه العام معني بالانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة من حيث «مجرياتها ومآلاتها ونتائجها»، وبالحديث عن الانتخابات المقلة انهى الطوبي كلمته بالتعبير عن أمله في أن تعي النُخب السیاسیة دقّة الظرف الذي تمرّ به البلاد وتركّز على حلّ الملفات الاجتماعیّة والاقتصادية المفتوحة على مصراعیها وانه على الحكومة تسوية ملفّ التعليم الثانوي ومباشرة الاصلاحات الضروريّة.