لكن في المقابل، فقد عرفت الصيغة الأخيرة انتقادات بالجملة خصوصا في ما يتعلق بالاستثناءات وهو ما يجعله مهددا بالسحب من قبل الحكومة أو العودة إلى المربع الأول.
بعد الجدل الحاصل صلب لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بخصوص مشروع القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة، إثر سحبه في مناسبة أولى من قبل الحكومة نتيجة عدم رضاها على الفصل المتعلق بالاستثناءات. لكن حاولت اللجنة مرة أخرى ملاءمة هذا الفصل مع مطالب المجتمع المدني لتكون الاستثناءات متلائمة مع مقتضيات الدستور في ما يتعلق بالشفافية وحق الحصول على المعلومة، وهو ما تم حسمه في المصادقة على الصيغة النهائية لمشروع القانون والمنتظر المصادقة عليه في الجلسة العامة التي ستنعقد يوم الثلاثاء المقبل.
لكن في المقابل وقبل مرور مشروع القانون على أنظار الجلسة العامة أعربت عدد من منظمات المجتمع المدني وحتى النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وبعض النواب عن عدم رضاهم عن محتوى مشروع القانون باعتبار أن اللجنة صادقت على الفصل 24 المتعلق بالاستثناء دون تحسينات تذكر، حيث بدت الاستثناءات غامضة وغير واضحة المعالم.
منظمة بوصلة تقدم مقترحات تعديل في مشروع القانون
منظمة (بوصلة) كانت من الأوائل التي اعترضت على مشروع القانون في مجلس نواب الشعب، حتى أنها طالبت بتقديم مقترحات تعديل لتنقيح الفصل وملاءمته مع الفصل 49 من الدستور « يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلّا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية
وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفّل الهيئات القضائية بـحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. لا يجوز لأيّ تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور.»
وبالاستئناس بهذا الفصل، ترى المنظمة أنّ ضوابط الحقّ الدستوري لا يمكن أن توضع إلاّ لضرورة تقتضيها دولة مدنيّة ديمقراطيّة، وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتمّ تحديد مفهوم الضّرر في هذا القانون حتّى لا يتمّ استعماله لتبرير رفض المدّ بالمعلومة. وتعتبر منظّمة البوصلة أنّ توصيف الضّرر بالجسيم في هذا الفصل كفيل بالحدّ من التّجاوزات الممكنة في تقديره، وذلك بإخضاعه إلى مقارنة مع المصلحة العامّة المنجرّة عن الإفصاح عن المعلومة. هذا بالإضافة إلى ضرورة التّأويل الضيّق للمجالات المنصوص عليها في هذا القانون.
من جهة أخرى، عارضت المنظمة أيضا الفصلين 58 و59 من مشروع القانون المتعلقان بالعقوبات في حالة عدم منح المعلومة وذلك من خلال الترفيع فيها إلى خمسة آلاف دينار لكلّ من يتعمّد تعطيل النّفاذ إلى المعلومة بالهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون، وعقوبة عشرة آلاف دينار كلّ من يتعمّد إتلاف معلومة بصفة غير قانونيّة أو حمل شخص آخر على ارتكاب ذلك. باعتبار أنه يجب التّعامل بشدّة مع الفعل المرتكب من خلال العمل على التّرفيع في مقدار الخطايا بصفة تجعل العقوبة تؤدّي وظيفتها الرّدعيّة، إلى جانب وضع إمكانية الأثر الرّجعي بالنّسبة للعقوبتين التّأديبية والماليّة في حالات الإتلاف التّي جدّت إبّان الثّورة.
كما قدمت المنظمة جملة من مقترحات التعديل تتعلق بطريقة تعيين أعضاء الهيئة، حيث ترى أنه من المستحسن أن يتمّ اختيار أعضاء الهيئة في كلّ المراحل من قبل مجلس نوّاب الشّعب نظرا لشرعيّته المكتسبة من الانتخابات، مع التنصيص على حثّ الإدارة على السّرعة في الاستجابة لمطالب النّفاذ وذلك بتقييد الإدارة بأجل لتوفير التّكوين اللاّزم لأعوانها بما يساهم في تيسير التّعامل في مجال النّفاذ للمعلومة، بالإضافة إلى المطالبة بمجانية الحصول على المعلومة وعدم ربطها بمقابل مالي.
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ستقدم مقترحاتها
عدم الرضا على مشروع القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة لا يقتصر على منظمة (بوصلة) فقط، بل كذلك كان للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين موقف مماثل تقريبا، حيث بين نقيب الصحفيين ناجي البغوري أن تمرير مشروع قانون النفاذ إلى المعلومة في شكله الحالي أمر غير مقبول باعتباره يتضمن استثناءات تتعارض مع مقتضيات الدستور، معتبرا انه يشكل طعنة في مسار الانتقال الديمقراطي ويعبّد الطريق لعودة الاستبداد. ومن المنتظر أن تقدّم نقابة الصحافيين اليوم في ندوة صحفية ملاحظاتها حول مشروع القانون ومقترحاتها بهدف ضمان الحق في النفاذ إلى المعلومة.
تأجيل النظر أم سحب المشروع؟
مشروع القانون الذي بات مهددا بعدم المرور على أنظار الجلسة العامة نتيجة الكم الهائل من الانتقادات قد يتم تأجيله أو التصويت على إعادته من جديد إلى لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية. هذا النقد سببه الضغط الممارس من قبل الحكومة على اللجنة التي عجزت عن تغيير هذا الفصل خوفا من سحبه مرة أخرى مثلما حصل في الصائفة الفارطة خصوصا وأن هناك مثال مشروع للقانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي سقط في مناسبتين بعد تغيير لجنة التشريع العام في ملامحه.
وأمام هذه المقتضيات بات من الواضح أن مشروع القانون مهدد بالسحب من قبل الحكومة في ظل وجود بعض المعلومات التي تشير إلى أن الحكومة قد طالبت من مكتب المجلس سحبه من جديد، لكن تم رفض هذا المطلب باعتبار أن رئاسة المجلس ترى نفسها ملتزمة بجدول الأعمال المصادق عليه.
وصرحت عضو مكتب لجنة الحقوق والحريات إيمان بن محمد لـ»المغرب» أنه لا مجال للعودة إلى المربع الأول وإعادته إلى اللجنة باعتبار أنه يجب التسريع في المصادقة على مشروع القانون رغم عدم رضا الأغلبية عليه حتى من قبل النواب، على أن تكون الجلسة العامة هي الفيصل من خلال تبني مقترحات التعديل التي ستقدمها الكتل البرلمانية خلال الجلسة العامة. وبينت أن مشروع القانون يأتي تعويضا للمرسوم عدد 41 لسنة 2011 المتعلق بالوثائق الإدارية، مشيرة إلى أن تقدير الاستثناءات سيبقى في يد هيئة مستقلة.
في انتظار الجلسة العامة يوم الثلاثاء المقبل، يبقى مشروع القانون بين الشك واليقين مفتوحا على كامل السيناريوهات، وهو ما ينبئ بجلسة عامة ساخنة نتيجة كثرة مقترحات التعديل من جهة، والخلافات من جهة أخرى. وهو ممّا جعل البعض من النواب صلب اللجنة يفكرون منذ الآن في سن مبادرة تشريعية في الغرض انطلاقا ما ستسفر عنه سير أعمال جلسة يوم الثلاثاء.