في النوايا بين الاطراف السياسية، مما يجعل من تنقيح قانون المحكمة الدستورية خاصة عبر النزول في الاغلبية المطلوبة لانتخاب البرلمان لعضو فيها غير كاف باعتبار ان تحصل مرشّح على 131 صوتا يستوجب توافقا شبه مستحيل بين الكتل البرلمانية في هذا الظرف.
بعد تصويت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب في 8 اكتوبر الماضي على تأجيل التصويت على مُقترح ومشروع القانونين لتنقيح الفصلين 10 و11 من القانون الاساسي للمحكمة الدستورية، عاد البرلمان امس الى عقد جلسة عامة تواصلت الى ساعة متأخيرة من ليلة أمس بحضور وزيرة العدل بالنيابية حسناء بن سليمان في محاولة للمصادقة على التنقيحات المقترحة خاصة تلك المتعلقة بتنقيح الفصل 11 قبل عقد جلسة عامة انتخابية للمحكمة الدستورية يوم 8 أفريل المُقبل.
مواقف النواب من تعديل الاغلبية المطلوبة لانتخاب عضو في المحكمة الدستورية التي يقترحها مشروع تنقيح الفصل 11، بالنزول الى اغلبية الثلاثة أخماس عوض اغلبية الثلثين كانت مختلفة، حيث عبّرت النائب عن الكتلة الديمقراطية ليلى الحداد في مداخلتها عن رفض تغيير الاغلبية المطلوبة لانتخاب البرلمان لعضو في المحكمة الدستورية، حيث اعتبرت ان النزول بالأغلبية المعززة إلى الأغلبية المطلقة لاستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية سيخلق عدم توازن خصوصا في ظل انتخاب أحد الأعضاء بأغلبية الثلثين وسيفرز مسّا وتشكيكا في مصداقيّتها ومشروعيّتها باعتبار ان الاعضاء اللذين سينتخبهم البرلمان ليسوا محل اجماع صلبه.
يُذكر ان مجلس نواب الشعب السابق تمكّن من انتخاب عضو في المحكمة الدستورية، وهي مرشّحة حركة نداء تونس آنذاك القاضية روضة الورسيغني بـ 150 صوتا.
أما النائب عن كتلة تحيا تونس مروان فلفال فقد اعتبر في مداخلته خلال الجلسة العامة امس الاربعاء ان بناء دولة القانون والمؤسسات لا يمكن أن يتم دون استكمال المحكمة الدستورية، لكن مناقشة تنقيح الاغلبية التي يفرضها القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية لانتخاب البرلمان عضوا فيها يتمّ في وقت ومشهد سياسي تغلب عليه التجاذبات السياسية والمحاصصات الحزبية والفوضى والتشريع للفوضى وتكميم الأفواه والرأي المخالف ينسف كل الآمال في بناء المؤسسات والانتقال الديمقراطي، وفق تعبيره.
النائب غير المنتمي للكتل عدنان الحاجي عبّر عن رفضه لتغيير الاغلبية المطلوبة لانتخاب عضو في المحكمة الدستورية، حيث اعتبر انه من الاسلم عدم تركيز المحكمة الدستورية على تركيز محكمة مشكوك في نزاهتها وموضوعيتها ومصداقيتها مطعون فيها، ليخلص الى ان التنقيح المقترح سيُعمّق منطق المحاصصة الحزبية والسياسية وسيحاول الجميع تطويعها لمصلحته الحزبية بعقد تحالفات تصبّ في ذلك الهدف.
في المقابل طالب النائب عن كتلة حركة النهضة بمجلس نواب الشعب بلقاسم حسن باعتماد الأغلبية التي يقرها مشروع قانون تنقيح المحكمة الدستورية والمتمثل في النزول من أغلبية الثلثين الى الثلاثة أخماس لانتخاب البرلمان لأعضاء المحكمة الدستورية، حيث رأى فيه مقترحا يحافظ على الأغلبية المعززة خاصة انه من الممكن ان يكون انتخاب أعضاء المحكمة باكثر من الاغلبية المقترحة لتفادي التشكيك في مصداقية المحكمة فيما بعد.
اما النائب عن كتلة قلب تونس آمال الورتتاني فقد اعتبرت في مداخلاتها انه أمام الأزمات التي نعيشها وانفراد رئاسة الجمهورية بتأويل الدستور الذي يعطل دواليب الدولة ومصلحة الشعب التونسي تتأكد الحاجة إلى تركيز المحكمة الدستورية، لتؤكّد النائب عن قلب تونس انه يجب المضي في تنقيح القانون المتعلق بانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية كحلّ لتيسير عملية تركيز المحكمة الدستورية.
لجنة التوافقات
لمحاولة التوصل الى توافق وتمرير مقترح ومشروع قانون تنقيح المحكمة الدستورية إنعقدت بعد ظهر امس لجنة التوافقات التي تظم اساسا رؤساء الكتل البرلمانية، وقد ذهب أغلب رؤسا الكتل للاتفاق مبدئيّا على اعتماد مشروع تنقيح الفصل 11 والنزول باغلبية الثلثين (145 نائبا) الى اغلبية الثلاث اخماس (131 نائبا) في استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وكذلك حذف لفظ تباعا من الفصل 10 من قانون المحكمة الدستورية.
كما قرر اجتماع لجنة التوافقات تجاوز الاشكالية الإجرائية التي منعت التصويت على مقترح ومشروع تنقيح المحكمة الدستورية يوم 8 اكتوبر الماضي، عبر دمج مقترح ومشروع تنقيح المحكمة الدستورية في مشروع واحد.
مشروع تنقيح الفصل 11
مشروع القانون لتنقيح الفصل 11 من القانون الاساسي للمحكمة الدستورية تقدمت به حكومة يوسف الشاهد منذ صائفة 2018، واعتبرت انه يُنتج ضرورة انتخاب عضو في المحكمة الدستورية بعد 3 دورات انتخابية حيث يُبقي المشروع على الاغلبية المُعززة لحصول أحد المترشحين على عضوية المحكمة الدستورية في الدورة الاولى فقط، لكن في حالة عدم حصول المترشح على ثلثي الأصوات يقع المرور الى الدورة الثانية ويتمّ النزول من الاغلبية المعززة الى الاغلبية المطلقة.
وبعد دورتين انتخابيّتين وفي حال عدم حصول المترشّح على الاغلبية المُطلقة في الدورة الثانية يتم حصر الانتخاب في العضوين اللذين يتحصلان على اكثر عدد من الاصوات في الدورة الثانية وعقد دورة انتخابية ثالثة واخيرة يفوز فيها المترشّح الذي يتحصل على اكثر عدد من اصوات النواب الحاضرين فقط، لكن لجنة التشريع العام نقحت مشروع القانون خلال السنة النيابية الماضية واقرت اعتماد أغلبية الثلاثة اخماس لانتخاب عضو في المحكمة الدستورية في حالة فشل الانتخاب عبر اضافة فقرة في الفصل 11 تنصّ على انه « إن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة فيما بقي من نقص، يتمّ المرور إلى دورة جديدة يتمّ فيها انتخاب بقيّة الأعضاء بالاقتراع السرّي بأغلبية الثلاثة أخماس».
ليصبح الفصل 11 من مشروع تنقيح قانون المحكمة الدستورية ينص على انه «لكل كتلة نيابية (...)ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه فإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه. وإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة فيما بقي من نقص، يتمّ المرور إلى دورة جديدة يتمّ فيها انتخاب بقيّة الأعضاء بالاقتراع السرّي بأغلبية الثلاثة أخماس. وفي صورة التساوي في عدد الأصوات المتحصل عليها، يصرح بفوز الأكبر سنّا».
مُقترح القانون
مقترح القانون لتنقيح الفصل 10 من القانون الاساسي للمحكمة الدستورية تقدّم به نواب التيار الديمقراطي بمجلس نواب الشعب منذ بداية العُهدة النيابية الالية، وهو يتلخّص في لحذف لفظ «تباعا» من الفصل 10، والذي يفرض انتظار المجلس الاعلى للقضاء استكمال البرلمان لانتخاب 4 اعضاء لينتخب بدوره الاعضاء الـ4 الذين هم في عُهدته ليحلّ بعده دور رئيس الجمهورية لتعيين 4 اعضاء، وذلك لفسح المجال امام رئيس الجمهورية والمجلس الاعلى للقضاء انتخاب وتعيين من في عُهدتهم من أعضاء في المحكمة الدستورية دون إنتظار استكمال البرلمان للثلاث الاعضاء المتبقين في عُهدته.