ومن بينهم رئيس محكمة المحاسبات الذي وجد نفسه امس امام نواب ادانهم تقرير المحكمة بخصوص تمويلات الانتخابات الاخيرة، تقرير استحوذ على حيز هام من الجلسة العامة أمس.
عقد مجلس نواب الشعب أمس الخميس جلسة عامة للحوار مع رئيس المجلس الاعلى للقضاء يوسف بوزاخر حول وضع القضاء: القضاء المالي والاداري وصولا الى القضاء العدلي، جلسة عامة إنطلقت ببسط بوزاخر للمحة حول أهم الاشكاليات التي تعيشها السلطة القضائية ممثلة في المجلس بداية من علاقتها مع السلطة التنفيذية التي اعتبرها رئيس المجلس الاعلى للقضاء غير متعاونة.
وقد عدد رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر في بداية الجلسة العامة امس ما اعتبره دلائل على عدم تعاون السلطة التنفيذيّة مع المجلس وعلى رأسها تمكينه من الموارد البشريّة والمادية رغم حقّه القانوني بذلك بالإضافة الى الامتناع عن إصدار أمر يتعلّق بإسناد منحة خصوصية للأعوان ممّا ادّى إلى عزوف التحاق موظّفي الدولة بالمجلس، ليخلص بوزاخر الى ان استقلاليتة المجلس الاعلى للقضاء والتسيير الذاتي لم تتم ترجمتها بعد على أرض الواقع.
كما لازال المجلس الاعلى للقضاء الى حدود اليوم دون مقرّ خاصّ به، حيث اكد رئيسه ان المجلس لازال يتقاسم مقرّه مع شركة خاصة تنازع الدولة في حق تجديد الكراء ليعود الى الحركة القضائية السنوية لسنة 2019 ويتهم السلطة التنفيذية بتعطليها من خلال رفض نشر القرارات الترتيبية الصادرة عن المجلس والمتعلقة بالحركة القضائية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في حين ان الاسلم هو نشر الحركة القضائية للطعن فيها امام الجهات المختصّة.
اما في علاقة بالوضع المالي وميزانية المجلس الاعلى للقضاء فقد اوضح رئيسه خلال الجلسة العامة امس الخميس، ان المجلس قرّر التخفيض في مشروع ميزانيته لسنة 2021 بمليوني دينار بعد أن تم صرف حوالي 4 ملايين دينار من الإعتمادات من الميزانية التي رصدها البرلمان للمجلس سنة 2018 والتي بلغت حوالي 8.8 ملايين دينار.
الإشكاليات المعروفة وتقرير محكمة المحاسبات
اثر المداخلة العامة لرئيس المجلس الاعلى للقضاء تم فسح المجال للنقاش العام ومداخلات النواب وتساؤلاتهم التي تمحورت أساسا على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والنيابية حول النقائص التي يعرفها المرفق القضائي منذ سنوات وعلاقتها باستقلاليته ونزاهته والوظائف السياسية التي يشغلها القضاة ومدى تأثيرها على حيادهم، ومنع القاضي من تقلّد مناصب وزارية بالاضافة الى تطوير المرفق القضائي من ضرورة رقمنة خدمات العدالة والقضاء وتقريبها من المواطنين والعلاقة مع المحامين.
كما تطرّق النواب الى الآليات التي وضعها المجلس الاعلى للقضاء لتطوير نجاعة القضاء وتوفير وسائل العمل للقضاة من أجل سرعة البت في القضايا العالقة منذ سنوات وإختصار آجال التقاضي، حيث اكد النواب من مختلف الكتل البرلمانية ان البرلمان مستعدّ لدعم مرفق العدالة بكل الوسائل بهدف تطويره ودعم استقلاليته ونجاعته وقيام المجلس بدوره في تحسين وضعية المحاكم في كل الجهات والقيام بالإصلاحات الضرورية.
ومثل تقرير محكمة المحاسبات احد اهمّ المحاور التي تطرّق النواب في مداخلاتهم خلال الجلسة العامة امس، حيث انتقد بعض النواب تسريب التقرير الى الاعلام مما ادى الى نصب محاكم ومحاكمة الاحزاب على قاعدة تصفية الحسابات السياسية فيما اعتبر عدد من النواب ان التقرير أثبت التهرب الضريبي لعدة سياسيين ونواب موجودين حاليا بمجلس نواب الشعب وحاضرين في جلسة الحوار امس.
حيث راى عدد من النواب أن هذا تقرير دائرة المحاسبات كان من المفترض ان يثير زلزالا سياسيّا يُتّبع بتحقيق القضاء بكلّ فروعه في التجاوزات والخروقات الخطيرة التي كشف عنها التقرير، لكن ما حصل هو ان رئيس دائرة المحاسبات حاضر في مجلس النواب لمناقشة التقرير وما تضمّنه مع نواب اتهمهم التقرير بإقتراف جرائم انتخابية ومالية.
هذا وقد كشف تقرير دائرة المحاسبات عن تمويلات أجنبية تلقتها بعض الأحزاب التي فازت بمقاعد في البرلمان. على تقرير محكمة المحاسبات التي رصدت خلال عملها الرقابي على الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 ،العديد من الإخلالات التي شابت الحسابات المالية للمترشحين وشرعية الموارد ومجالات إنفاقها وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل واستعمال أموال غير مصرح به في الحملات الانتخابية ومخالفة مرسوم الأحزاب.
تفاعل رئيسي المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الادارية
أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر في إجاباته على مداخلات النواب وتساؤلاتهم بخصوص مختلف المواضيع والملفّات، أن المجلس لا يتحمّس عادة لتقلّد قضاة لمناصب سياسية ووزارية رغم ان القانون يسمح بتقلد القاضي لاي منصب، واكد انه لا تتم استشارته بخصوص هذا الموضوع، وأشار إلى أن المجلس الأعلى للقضاء لازال يتأخر في تقديم تقاريره السنوية وأنه يعمل على تجاوز هذه الاشكالية.
أما بخصوص التساؤلات حوال العلاقة بين المجلس الأعلى للقضاء والمحامين فقد أفاد بوزاخر بأن المجلس في اتصال وتواصل مستمر مع هيئة المحامين وعميدهم، مذكرا بوجود أعضاء ونواب للرئيس بالمجلس الأعلى للقضاء من المحامين. ليُفسح رئيس المجلس الاعلى للقضاء المجال امام محمّد مهدي قريصيعة رئيس مجلس القضاء الإداري للاجابة حول تساؤلات النواب في كل ما يخص القضاء الاداري.
واكد قريصيعة ان امكانيّات المحكمة الادارية محدودة جدا في ظل عدم تمتع المحكمة بالاستقلال المالي وارتباط ميزانيتها برئاسة الحكومة كما هو الحال بالنسبة ملحكمة المحاسبات في انتظار صدور مجلة القضاء الاداري، وكشف ان اكثر من 90 ٪ من ميزانية المحكمة موجهة للأجور فيما لا تتجاوز ميزانية التصرف الا نسبة 7 أو 8 ٪ مما دفع المحكمة الى عقد شراكة مع منظمات بالخراج لتدارك نقص الميزانية.
اما بخصوص بطء تنفيذ الاحكام الإدارية وعدم تنفيذها، فقد اعتبر رئيس المحكمة الإدارية انها إشكالية تتجاوز المحكمة التي يتمثّل دورها في اصدار الاحكام وليس تنفيذها لكنه اكد ان المجلس الاعلى للقضاء واع بهذه الاشكالية وسيعمل على تداركها في مجلة القضاء الاداري مؤكدا انها تضمنت احكاما تعلقت بعدم تنفيذ الاحكام وانها ذهبت الى حد اعتبار عدم التنفيذ جريمة يعاقب عليها المسؤول عن عدم التنفيذ.
محكمة المحاسبات لن تسمح بالتوظيف..
اما فيما يتعلّق بتقرير محكمة المحاسبات المثير للجدل فقد اكد الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات نجيب قطاري في رده على الاتهامات بتسريب التقرير للاعلام، ان المحكمة لن تسمح بتوظيف مخرجاتها لأغراض سياسية أو ضرب حزب بحزب خاصة ان كل ما تم ذكره في التقرير يبقى شبهات وليس تهما، واضاف أن المحكمة ستمرّ إلى المرحلة الثانية القضائية ضد من أثبت التقرير مخالفتهم في علاقة بتمويل الحملة الانتخابية والإشهار السياسي.
كما اكد ان نشر التقارير للعموم هو معيار دولي يعكس استقلالية اجهزة الرقابة ومن بينها محكمة المحاسبات التي اكد رئيسها ان رقابتها هي رقابة تحاورية تقوم على احترام حق الردّ، ليعتبر قطاري ان كل المترشحين للاستحقاقات الانتخابية مطالبون بالكشف عن كل الموارد التي استعملوها في حملاتهم الانتخابية مؤكدا ان تقرير المحكمة لم يكن قائما على معطيات من وسائل التواصل الاجتماعي.
كما اكد رئيس محكمة المحاسبات انه لم يقع إحداث محكمة جديدة حيث ان دائرة المحاسبات هي نفسها محكمة المحاسبات وتغيير تسميتها كان ضروريّا للاستجابة للمهام الموكولة اليها، مهام تشمل تسليط عقوبات مالية على المخالفين للقانون الانتخابي لكن دون العقوبات الجزائية التي لا تعود لاختصاصات محكمة المحاسبات، حيث اكد قطاري ان المخالفات التي ترتقي للجرائم الانتخابية من أنظار القضاء المختصّ.