لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، يجد مجلس نواب الشعب نفسه أمام سيناريوهات واحتمالات متعددة، بالرغم من أن الفرضية الأكبر تتجه نحو إلغاء الفصل برمته نظرا لضيق الوقت وانتظار حل ثان من الحكومة.
جاء قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين أول أمس، بقبول الطعن، في الاصل بعدم دستورية الفصل 36 وفصله من مشروع قانون المالية لسنة 2019، بعد تقديم 76 نائبا بالبرلمان طعنا في قانون المالية الى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين يوم 17 ديسمبر 2018.
مضمون الفصل 36
وينص الفصل 36 من مشروع قانون المالية لسنة 2019 المطعون فيه، والذي جاء تحت عنوان توضيح مجال السر المهني، الذي يمكن الاعتصام به ازاء مصالح الجباية، فإنه يمكن لمصالح الجباية طلب المعلومات المتعلقة بالخدمات المسداة من قبل الاشخاص المحمول عليهم قانونا الاعتصام بواجب المحافظة على السر المهني باستثناء الوثائق والمعلومات المتبادلة بين المعنيين بالامر وحرفائهم في اطار تقديم استشارة قانونية او قضية منشورة او مزمع نشرها أمام القضاء وكذلك طبيعة الخدمة بالنسبة للمهن الطبية والصيدلية. ويذكر ان الفصل جاء تعويضا للفقرة الاخيرة من الفصل 16 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية.
وعلى إثر ذلك، فإن مجلس نواب الشعب يبدو أنه في أزمة حاليا إذ يصعب عليه الحسم في الفصل المذكور من خلال ملاءمته مع قرار الهيئة الوقتية، باعتبار أن البرلمان في توقف من أعماله على امتداد الأسبوع في إطار ما يعرف بأسبوع الجهات، ليعود مع بداية السنة الإدارية الجديدة، وبالتالي فإنه يصعب الالتزام بالآجال الدستورية أي قبل 31 ديسمبر 2018. وحسب الفصل 23 من القانون الأساسي المحدث للهيئة « اذا قضت الهيئة بعدم دستورية مشروع القانون يحال مصحوبا بقرار الهيئة إلى رئيس الجمهورية الذي يحيله إلى المجلس الوطني التأسيسي أو مجلس نواب الشعب للتداول فيه ثانية طبقا لقرار الهيئة في أجل عشرة أيام من تاريخ الإحالة، وعلى رئيس الجمهورية قبل ختمه إرجاعه إلى الهيئة للنظر في دستوريته».
قراءة في قرار الهيئة
وحول الطعن في دستورية مشروع قانون المالية لسنة 2018، فقد استندت الهيئة الوقتية على الآجال المضبوطة في قانونها واعتبرت أنه لا يمكن الاستناد إلى الفصل 66 من الدستور لإحتساب الآجال بالطعن ضد الفصل 36 المتعلق بالسر المهني، لكن مجلس نواب الشعب يعتبر أن مشروع قانون المالية سيتم ختمه من طرف رئيس الجمهورية في أجل 31 ديسمبر، مع عودة الفصل 36 والذي اعتبرت الهيئة انه يمكن فصله عن قانون المالية سيعود إلى مجلس نواب الشعب للتداول فيه ثانية في أجل 10 أيام وهو ما يعني عودته إلى لجنة المالية ومنها إلى الجلسة العامة للتصويت عليه في صيغة معدلة. وفي حالة التصويت عليه معدلا ستتم إحالته إلى رئاسة الجمهورية ومنه إلى الهيئة للتثبت في مدى مطابقته الدستو، و اذا ما أعلنت مطابقته الدستور يتم ختمه ونشره بالرائد الرسمي. وفي صورة عدم التصويت عليه في الاجال فإن الفصل يعتبر لاغيا بطبيعته، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفصل المذكور لا يندرج ضمن ما يعرف بفرسان الميزانية «cavalier budgétaire» أي ان هذا الفصل بحاجة إلى إفراد في قانون خاص به لوحده، حيث بالإمكان أن يصبح دستوريا بعد تنقيحه.
السيناريوهات والاحتمالات
وبالعودة إلى الإجراءات المتبعة في حالات الطعن بعدم الدستورية، وأمام ضيق الوقت فإن مجلس نواب الشعب أمام سيناريوهات متعددة، أولها وهو السيناريو المستحيل، دعوة مكتب مجلس نواب الشعب للاجتماع وإحالة قرار الهيئة الوقتية إلى اللجنة المختصة أي لجنة المالية والتخطيط والتنمية لتنقيح القانون وذلك بعد الاستماع إلى النواب الطاعنين في الفصل، والمدافعين أيضا عن الفصل الأصلي ثم صياغة تقرير في الغرض وإعادته إلى مكتب المجلس الذي يعيد إحالته بدوره إلى الهيئة الوقتية للنظر في مدى تطابق الفصل مع مقتضيات الدستور ثم رد الهيئة ومن بعدها تحديد موعد لجلسة العامة من أجل المصادقة عليه.
هذا السيناريو يبدو مستحيلا باعتبار أنه لا يمكن جمع النصاب القانوني لا لاجتماع المكتب واللجنة أيضا أو حتى الوصول إلى موعد الجلسة العامة باعتبار أنه لا تفصلنا سوى 3 أيام عن الاجال الدستورية. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في استيفاء الاجال الدستورية أي 31 ديسمبر والنظر في الفصل مباشرة بعد العودة من اسبوع الجهات، لكن سيكون المجلس قد أضاع كثيرا من الوقت مما يعني أن الفصل يسقط مباشرة ويخرج من قانون المالية، لتقتصر لجنة المالية على إعادة تبويب وترتيب الفصول لا أكثر.
كما أن هناك رأيا ثالثا وهو غير مرجح بأن يختم رئيس الجمهورية مشروع قانون المالية في الاجال المحددة، ثم ينظر البرلمان في الفصل المطعون فيه على حدة، على أن يتم فيما بعد إحالة الفصل من جديد على رئيس الجمهورية للمصادقة عليه، وهو أمر صعب أيضا لان الاجال لا تسمح بذلك، ليكون هناك سيناريو آخر وهو البحث عن مخرج في حالة أن الحكومة لا
تزال متشبثة بمضمون الفصل، من خلال تقديمه في قانون خاص به حتى وإن لم يتم اعتباره ضمن فرسان الميزانية.
وفي حالة التشبث بتمرير الفصل ضمن قانون المالية، فإن مجلس نواب الشعب سيخرق الدستور في ما يتعلق بالآجال النهائية للمصادقة على مشروع الميزانية قبل الأجل الذي تم تحديده في الفصل 65 الذي ينص على ان يرخص القانون في موارد الدولة وتكاليفها. يصادق مجلس نواب الشعب على مشاريع قوانين المالية وغلق الميزانية. يقدم مشروع قانون المالية للمجلس في أجل أقصاه 15 أكتوبر ويصادق عليه في أجل أقصاه 10 ديسمبر.
وعند إقرار دستورية المشروع أو عند المصادقة عليه ثانية إثر الرد أو عند انقضاء آجال الرد والطعن بعدم الدستورية دون حصول أي منهما، يختم رئيس الجمهورية مشروع قانون المالية في أجل يومين. وفي كل الحالات يتم الختم في أجل لا يتعدى 31 ديسمبر. إذا لم تتم المصادقة على مشروع قانون المالية في أجل 31 ديسمبر، يمكن تنفيذ المشروع في ما يتعلق بالنفقات، بأقساط ذات ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بمقتضى أمر رئاسي، وتستخلص الموارد طبقا للقوانين الجاري بها العمل.
هل حسمت المسألة؟
الفصل 36 المتعلق بالسر المهني، يبدو أن سقط مباشرة وقد حسمت المسالة مباشرة مع قرار الهيئة الوقتية، وهو قرار قد يرضي الهيكل المهني للمحاماة الذي علق بدوره تحركاته الاحتجاجية تجاه هذا الفصل، وينصف المعارضة ونواب كتلة حركة نداء تونس الذين تقدموا بالطعن. ويعتبر الطعن في قوانين المالية التجربة الثانية أمام مجلس نواب الشعب بعدما تم الطعن سابقا في قانون المالية لسنة 2016 و 2015 في ما يتعلق بالفصول التي اعتبرها البعض ضمن قانون المصالحة.