بعد حوار رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الأخير. تنقيح الدستور شهد رفضا قاطعا من قبل الأغلبية باستثناء البعض الذي يرى أنه يجب مزيد من الانتظار، على عكس تنقيح القانون الانتخابي الذي بات مطلبا مستعجلا خصوصا من قبل الأحزاب الكبرى.
بعد تصريح رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في حوار تلفزي حول ضرورة تنقيح الدستور الحالي لأنّه لم يعد متلائما مع الواقع على حد تعبيره، مطالبا في نفس الوقت بتنقيح القانون الانتخابي قصد إلغاء السياحة الحزبية في مجلس نوّاب الشعب. تصريح خلف عديد ردود الأفعال بين الكتل البرلمانية من مؤيد لكن بشروط ومن رافض تماما، الأمر الذي قد يجعل من المسألة محور نقاش في البرلمان.
لا يمكن تعديل الدستور في غياب المحكمة الدستورية
في المقابل، فإن تعديل الدستور بدا موضوعا غير مقبول للبعض خصوصا وأن أغلب الخبراء في المجال القانوني والدستوري اعتبروا أنه لا يمكن إجراء أي تعديل في ظل غياب المحكمة الدستورية. وفي هذا الإطار، قال النائب عن التيار الديمقراطي والكتلة الديمقراطية غازي الشواشي أن الدستور لا يمكن تعديله لعديد الاسباب أولا لكونه لم يتم تنزيله بجميع مؤسساته وتطبيق مبادئه على ارض الواقع وبالتالي فإنها عملية سابقة لاوانها. كما أضاف انه لا توجد محكمة دستورية لان كل مشروع تعديل للدستور يعرض عليها اولا، مشيرا إلى أنه أيضا لا يمكن تعديل القانون الانتخابي الذي يمثل قانون اللعبة الانتخابية الديمقراطية في الربع الساعة الاخير من موعد الانتخابات، باعتبار أن كل تعديل في ظل هذه الاوضاع ستستفيد منه أحزاب الاغلبية على حساب الاحزاب المعارضة، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن كل تعديل سواء للدستور او للقانون الانتخابي من الضروري أن يكون محل حوار معمق وشامل حتى يحظى بالتوافق الواسع ولا يكون على مقاس اطراف سياسية على حساب غيرها.
اختلافات حول تنقيح القانون الانتخابي
التوافقات اليوم تبدو صعبة جدا خاصة في ما يتعلق بالقانون الانتخابي، في النقاط المتعلقة بتغيير نسبة العتبة أو اعتماد أكبر المتوسط عوضا عن أكبر البقايا، باعتبار أن العديد يعتبر أنها ستعمق الإشكال وتكون خدمة لطرف سياسي فقط. وفي هذا الإطار قالت النائبة عن الكتلة الحرة لمشروع تونس خولة بن عائشة أن مسألة تنقيح القانون الانتخابي دعا إليها المشروع منذ المؤتمر التأسيسي في جويلية 2016، حيث يجب أن يكون هناك نظام انتخابي يمكن أن يفرز أغلبية قادرة على الحكم. واعتبرت أنه يجب النظر في إعادة النظام السياسي بتحويله الى نظام رئاسي يخضع الى رقابة البرلمان، من أجل تحديد المسؤوليات ولا يتم تشتيت السلطة بين ثلاثة أشخاص مثلما هو الحال الآن. وأوضحت بن عائشة أن حزبها اقترح نظاما انتخابيا على اسم واحد في كل جهة أو دائرة بلدية وعلى دورتين مثل النظام الفرنسي، حيث يساهم هذا النظام في إفراز أغلبيات، كما أنه يمكن للناخبين التصويت على أشخاص عوضا عن قائمات حزبية.
في المقابل، فإن رفض تنقيح الدستور لم يقتصر على نواب المعارضة فقط، بل حتى كتلة الولاء للوطن التي لها توجه وسطي في البرلمان نوعا ما، اعتبرت على لسان رئيسها رياض جعيدان أن مثل هذه الدعوات تتسم بالشعبوية، موضحا أنه من السابق لأوانه تحت ضغوط سياسية الحديث عن تعديل الدستور بعد مدّة وجيزة لم تتجاوز الخمس سنوات وهي مدة غير كافية لاستكمال إحداث الهيئات الدستورية. وأكد على أن المجلس كان قد فشل في ارساء المحكمة الدستورية مما يستحيل معه القيام باي عملية تعديل تقتضي عرضها على هذه الهيئة غير الموجودة اليوم للتثبّت في مدى قابليّة الفصول المرغوب في تغييرها للتعديل. وحمل جعيدان المسؤولية لكافة الاطراف السياسية الماسكة بالحكم باعتبارها ساهمت في تعطيل إرساء أهم جهاز في منظومة الانتقال الديمقراطي. وبخصوص القانون الانتخابي، أوضح رئيس الكتلة ان هذا الموضوع بات منذ اشهر موضع تجاذبات سياسية ضيقة دون ان يبادر اي طرف بتقديم مشروع او مقترح تعديل مع أن الجميع يعلم انه لا يمكن تغيير النظام الانتخابي سنة قبل الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى أن الطبقة السياسية الحالية همها الوحيد البقاء في الحكم، حيث تَرَى ان القانون الانتخابي يلعب في صالحها بالرغم من أن القانون الحالي يعتبر من اهم أسباب أزمة النظام السياسي في تونس نتيجة اعتماده التمثيل النسبي الذي يجبر الأحزاب على البحث عن التوافقات لإرساء حكومات إئتلافية اثبتت عدم نجاعتها وشوهت المشهد الديمقراطي.
من المبكّر التفكير في تنقيح الدستور
أمام هذا الرفض التام تقريبا، لتنقيح الدستور مقابل وجود نوايا لتنقيح القانون الانتخابي باعتبار أن الحديث عن تنقيح الدستور قبل إرساء بقية الهيئات الدستورية وخاصة المحكمة الدستورية أمر يستحيل قانونا خصوصا وأن الكتلة الأغلبية في البرلمان أي كتلة حركة النهضة ترفض هذا المسألة بتاتا حسب ما صرح به النائب أسامة الصغير الذي اعتبر أنه بالرغم من اعتبار أن الدستور أو النظام الحالي غير مثالي لكن لا يجب الحكم عليه إلا بعد دورات نيابية مختلفة خصوصا وأن الظروف السياسية الحالية قد لا تكون نفسها في المستقبل. في حين يعتبر الصغير أن تنقيح القانون الانتخابي امر ممكن من خلال الترفيع في نسبة العتبة أو استعمال نفس النسبة التي تم استعمالها في الانتخابات البلدية، بالاضافة إلى تغيير طريقة احتساب الأصوات، من أجل منع التشتت من خلال احتساب الأصوات بأكبر المتوسطات عوضا عن أكبر البقايا مع ضمان التعددية الحزبية.
تنقيح الدستور والقانون الانتخابي
من جهة أخرى، فإن كتلة حركة نداء تونس يبدو أنها مع تنقيح كل من الدستور والقانون الانتخابي وعرض المسألة على استفتاء شعبي، حيث قالت النائبة فاطمة المسدي أنه قبل تنقيح الدستور يجب تنقيح القانون الانتخابي لان القانون الحالي جرب سابقا وقد اتضح أن هناك العديد من السلبيات باعتباره تسبب في التشتت ولم يخلق كتلة برلمانية كبيرة تمسك بزمام الأمور. واضافت أن النظام الحالي الذي يعتبر كنظام برلماني لا يتناسب مع القانون الانتخابي الموجود، مطالبة بضرورة تغيير القانون مع الاخذ بعين الاعتبار السلبيات الحالية كالترفيع في نسبة العتبة أو اعتماد نظام الافراد في القائمات. كما أضافت أن تعديل الدستور يهدف إلى تغيير نظام الحكم، حيث من الأفضل التسريع بعرض المسألة على الاستفتاء وتقديم مبادرة في الغرض لأن الوضع لا يتحمل مزيدا من الأزمات السياسية على مستوى الكم.