سواء بالبقاء أو التخلي عنها، بالرغم من دعوة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة إلى التوجه للبرلمان. لكن في المقابل، بعض الكتل عدلت من موقفها بالمطالبة بالاقتصار على إجراء تحوير وزاري قد يكون بمثابة منح الثقة، في حين اختارت بعض الكتل التريث ومزيد التشاور مع هياكلها بخصوص هذه المسالة.
على خلفية تطرق رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في حوار خاص على قناة الحوار التونسي مساء أول أمس الى علاقته برئيس الحكومة يوسف الشاهد مؤكدا انه لا يقف ضد الشاهد ولم يطالبه بمغادرة الحكم، وأنه قدم نصيحة للشاهد بالتوجه الى البرلمان لتجديد الثقة. وقد بين قائد السبسي ان الشاهد اصبحت له الأغلبية في البرلمان باعتبار الاستقالات المتتالية داخل الكتل البرلمانية وتكوين الكتلة الجديدة كتلة الائتلاف الوطني الى جانب كتلة حركة النهضة .
تجديد دعوة قائد السبسي الشاهد بالتوجه الى البرلمان للمرة الثانية على التوالي، بعد مناسبة سابقة في حوار في شهر جويلية الفارط، يؤكد وجود نية في التخلي عن الشاهد وليس عن طريق اجراء تحوير وزاري. لكن في المقابل، فإن المعطيات والمواقف بين الكتل البرلمانية في مجلس نواب الشعب لم تتغير كثيرا، حيث لا تزال كتلة حركة النهضة متشبثة ببقاء الشاهد على رأس الحكومة، رفقة الكتلة الجديدة الائتلاف الوطني التي ضمت سابقا نفس النواب والكتل المساندة له، مقابل تذبذب في المواقف مع بقية الكتل.
نحو مزيد من التشاور
الكتل البرلمانية، مجمعة على موقف وحيد متمثل في ضرورة توجه رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى مجلس نواب الشعب من أجل نيل الثقة من عدمها، الأمر الذي يرجع الأمور إلى إطارها، حيث قال رئيس كتلة الولاء للوطن رياض جعيدان أن الكتلة ستدرس المسألة بطبيعة الحال اذا قرر الشاهد اللجوء إلى البرلمان، في كيفية التفاعل مع طلبه. وقال أنه يشجع الشاهد على الذهاب للبرلمان لطلب تجديد الثقة ليساهم بذلك من جهة في ترسيخ ممارسة وثقافة ديمقراطية سليمة ولا يبقى رهين المضاربات السياسية الضيقة، كما أن هذه العملية قد تساهم في تقوية الحزام البرلماني الذي يستند اليه للمضي قدما في الإصلاحات المطلوبة في الوقت الحاضر خاصة وان الوضع لم يعد يحتمل عدم الاستقرار السياسي الحالي. واضاف جعيدان أن كتلته لم تدرس المسألة، حيث اعتبرت في أيامها البرلمانية الاخيرة ان اولوية الاولويات تبقى مناقشة ميزانية الدولة وقانون المالية 2019، وفي حالة قرر رئيس الحكومة طلب الثقة فإن الكتلة ستجتمع من أجل دراسة هذا المطلب في حينه على ضوء جميع المعطيات.
من جهة أخرى، فإن كتلة حركة نداء تونس التي تعيش أزمة داخلية حادة نتيجة الاستقالات وعلاقتها بحكومة الشاهد، بعدما كانت تطالب برحيل رئيس الحكومة باتت متذبذبة في موقفها نوعا ما، حيث أعادت دراسة الموقف من جديد من أجل تحديد مصيرها في البرلمان. وفي هذا الإطار، قالت النائبة فاطمة المسدي أن مختلف مكونات نداء تونس في اجتماع متواصل منذ يومين بين اعلى قيادات النداء من اجل تدارس وضعية الحكم في تونس والحزب وكافة السيناريوهات المطروحة، مع بعض النواب واعضاء المكتب التنفيذي والهيئة السياسية، وأيضا مع بعض ممثلي الحزب في الحكومة. كما اكدت على أنه تم الاتفاق على بعض النقاط مثل تغيير قيادة الكتلة والعمل على تجميع كافة العائلة الندائية بمؤتمر توحيدي انتخابي، لكن لا يزال الاجتماع في تواصل مستمر من أجل الحسم في هل ينتقل نداء تونس الى المعارضة ام لا، بالرغم من مساندة الحزب لموقف رئيس الجمهورية باعتبار أن الاشارات التي بعثها تقر بأن لا يتم منح الثقة لحكومة فشلت.
نحو التحوير وليس منح الثقة
اغلب الكتل البرلمانية وإن بدا موقفها واضحا اتجاه مستقبل الشاهد في حالة بلوغه الجلسة العامة، إلا أن هناك من استمات في الدفاع عنه خصوصا من نواب كتلة الائتلاف الوطني، حيث بلغ الدفاع عن الحكومة لدى البعض منهم ومن بينهم النائبة هاجر بالشيخ أحمد إلى حد المطالبة بسحب الثقة من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي باعتباره لم يعد ضامنا للوحدة الوطنية على حد تعبيرها، وذلك من خلال تطبيق الفصل المتعلق بحق أغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. في حين ترى النائبة عن نفس الكتلة ناجية عبد الحفيظ أنه من الضروري مساندة الشاهد لدعم القرار الحكومي، بالرغم من حقه في الذهاب إلى البرلمان، مشيرة إلى أن الكتلة ستسعى في ما بعد إلى طلب إجراء تحوير وزاري وليس منح الثقة.
المواقف تبدو غير واضحة خصوصا بين من يرفض إقالة الشاهد ويطالب بالاقتصار على تحوير وزاري فقط، فعلى غرار كتلة الائتلاف الوطني، فقد تبنت كتلة الحرة لمشروع تونس نفس الموقف بعدما كانت تطالب برحيل الشاهد حين تم طرح فكرة اندماج الحرة مع حركة نداء تونس. وقال الناطق الرسمي باسم الحزب والنائب عن كتلة الحرة حسونة الناصفي أن هذا قرار جماعي و لم يتم الحسم فيه بعد، معتبرا أن قدوم الشاهد إلى البرلمان قد يكون بمناسبة تحوير حكومي يقدم من خلاله رؤيته للمرحلة القادمة وبرنامج عمله مع ترجمة ذلك على مستوى الاختيارات. وأضاف أن التحوير سيكون بمثابة تجديد للثقة في الحكومة وإنجاز ما وعد به من تحويرات، موضحا أن اختياره لعدد من الكفاءات الوطنية والتقليل من عدد أعضاء الحكومة قد يؤدي إلى منحه الثقة. وبين انه لن يتم تفعيل الفصل 98 ، باعتبار أن الشاهد لا يستجيب لرغبة أي طرف و لا يجيب بالطريقة التي ينتظرها الجميع، حيث سيجد عديد المبررات لذلك أهمها عامل التوقيت واقتراب موعد مناقشة قانون المالية وقانون الميزانية.
على نفس الموقف السابق
في سياق آخر، فقد حافظت كتلة حركة النهضة على نفس الموقف السابق من خلال التشبث بالشاهد على رأس حكومة الوحدة الوطنية حسب ما صرح به النائب ناجي الجمل الذي أكد أن الموقف لن يختلف عن الموقف السابق المتمثل في دعم الاستقرار، حتى أنه أكد على أن الشاهد لن يذهب لتجديد طلب ثقة المجلس، باعتبار أنه لا يوجد موجب دستوري لتجديد طلب منح الثقة وما على المجلس إن اراد ذلك، إلا أن يبادر بسحب ثقته. بدورها المعارضة لا تزال على نفس الموقف التي تعتبر أنها لم تمنح الثقة له سابقا، لذلك ستصوت ضد في حالة وصول الشاهد إلى البرلمان. وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي أن المعارضة في معارضة تامة لكل المنظومة الحاكمة باعتبار أنهم لا يحملون نفس مشروع الحكم، مشيرا إلى أنه من الشروط القانونية للتموقع في المعارضة التصويت ضد منح الثقة حسب ما ينص عليه النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب. وأضاف أن هناك ازمة حكم داخل مكونات الائتلاف الحاكم، ستستمر سواء ببقاء الشاهد أو عدمه، كما أن المعارضة لا يمكنها حلحلة هذه الازمة على أن تكون الانتخابات القادمة كفيلة بالخروج من هذه الازمة بعد تغيير المشهد السياسي.
لا تزال مواقف الكتل البرلمانية على حالها تقريبا، منذ تعليق العمل بوثيقة قرطاج، في انتظار ما ستسفر عنه الاجتماعات المقبلة للأحزاب والكتل البرلمانية أسبوعا قبل العودة البرلمانية. مواقف قد تتضح مع نهاية الأسبوع سواء تساهم في تعميق الأزمة السياسية أم تحول الأزمة إلى توافق نسبي نحو إيجاد مخرج سياسي يفك الخناق عن الحكومة والأحزاب الممثلة في البرلمان.