باتت ظاهرة شبيهة بالعدى أو الوباء على حد توصيف البعض.
كنا قد تسائلنا في عدد سابق عندما نشرت «المغرب» معدل الحضور حسب كل كتلة خلال شهر مارس 2016، عن الأسباب الحقيقة وراء اختفاء النواب عن أشغال مجلس نواب الشعب. فحسب الاحصائيات الاخيرة فإن النائب اليوم بات غير قادر على التوفيق بين العمل النيابي وعمله الخاص من جهة، وبين التزاماته مع الناخبين في الجهات. لكن كل هذا لا يبرر الغياب المتكرر خصوصا وان هناك من النواب من لا يحضر بتاتا في أشغال اللجان القارة والخاصة، حتى أن البعض وصف هذه الظاهرة بالوباء، حيث أن هناك من النواب الملتزمين بالحضور باتوا لا يشاركون مؤخرا في مختلف الأعمال البرلمانية نتيجة تأجيل وتغيير مواعيد اللجان بين الحين والآخر لعدم توفر النصاب القانوني أو في حالة الجدال على قانون معين.
مكتب المجلس بدوره يتحمل مسؤولية الغيابات المتكررة فكثيرا ما يغير مواعيد الجلسات العامة في آخر لحظة ليبقى نواب الشعب يوما ونصف اليوم ينتظرون حتى أن البعض ييأس ويغادر، ففي بعض الأحيان تأجل الجلسة أكثر من مرة في نفس اليوم. وهو ما جعل النائب عن حزب المبادرة أحمد السعيدي في الجلسة العامة الأخيرة يطالب رئيس مجلس النواب بتحمل المسؤولية بخصوص انتظار النواب انطلاق الجلسة لساعات إضافة إلى ضرورة احترام الوقت الذي فيه احترام للمجلس، ووصف ذلك بسوء التدبير.
«لجنة التوافقات سبب في عزوف النواب عن اللجان»
من الملاحظ والمتابع لأعمال مجلس نواب الشعب أنه استحال انعقاد أية جلسة عامة بحضور كافة النواب أي 217 نائبا، وكذلك الغياب البارز في أعمال اللجان القارة والخاصة حتى ان البعض منها يجتمع بأقل من 10 نواب، ثم نجد في ورقة الحضور التي ينشرها مجلس نواب الشعب في موقعه الالكتروني توضيحا بأن جلّ الغيابات مبررة من خلال وجود عبارة «متعذر». فالغياب صلب اللجان يرجع بالأساس حسب البعض إلى أن الجميع يعتقد أن اللجان لا قيمة لها باعتبار أن مشاريع القوانين دوما ما تناقش مرة أخرى في لجنة التوافقات.
وفي هذا الإطار، صرح النائب عن حركة نداء تونس حسن العماري لـ»المغرب» أن الجميع مساهم في الغيابات رغم أن أكثر الغيابات هي في صفوف المعارضة خاصة في أعمال اللجان، مشيرا إلى أن طريقة عمل اللجان ومحاولة «تقزيمها» بعد أن أصبح كافة النواب يغيبون لأنهم يعرفون أن القوانين ستعاد في لجنة التوافقات التي وصفها بـ»البدعة»، باعتبار أنه لجنة التوافقات مخصصة للنظر في النقاط الخلافية الكبرى وليس إعادة النظر في مشروع القانون برمته.
الغيابات المبررة والأعمال الخاصة
مفهوم الغيابات المبرّرة في مجلس نواب الشعب، يتمثل في أن النائب الغائب عن اشغال البرلمان يقدم ما يبرر سبب غيابه إما لمتابعة أنشطة برلمانية خارج أسوار البرلمان كالمشاركة في المجالس الجهوية أو الاجتماعات الوزارية وأيضا الزيارات الميدانية في تونس وخارجها، وكذلك في حالات المرض والعجز.
لكن في المقابل، فإن أغلب نواب الشعب لهم مهن خاصة على غرار صفة النائب كالمحامين ورجال الأعمال وأصحاب المؤسسات وغيرها من المهن الخاصة باستثناء الوظائف العمومية، فحسب الفصل 20 من النظام الداخلي « كلّ عضو بمجلس نواب الشعب نائب عن الشعب بأكمله بداية من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية. ويصبح العضو المنتمي إلى الوظيفة العمومية في حالة عدم مباشرة خاصة وفق مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 83 من القانون الأساسي عدد 01 لسنة 4102 المؤرخ في 14 ماي 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء». وكذلك حسب الفصل 25 « لا يمكن الجمع بين عضوية مجلس نواب الشعب والوظائف المنصوص عليها بالفصل 83 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء».
بين العضوية الحزبية والنيابية
لا يخفى على الجميع أن عديد النواب دائما ما ينشغلون بالأعمال الحزبية في هياكل الحزب واجتماعات المكاتب السياسية والتنفيذية، بالتزامن مع الأشغال النيابية وهو ما جعل عديد الأحزاب تفكر في فصل العمل الحزبي عن العمل النيابي وهو أمر صعب باعتبار أن أغلب النواب دائما ما يبحثون عن المناصب السياسية لتطوير قدراتهم. فعلى سبيل المثال المكتب التنفيذي لحركة النهضة يضم قرابة 11 نائبا، في حين أن تركيبة المكتب التنفيذي لحركة نداء تونس السابقة تضم أكثر من ....