حتى بات يصعب توفير النصاب القانوني من أجل تمرير مشاريع القوانين بعد كسر قاعدة التوافق. مجلس نواب الشعب يوم أمس لم يتمكن من المصادقة على المشاريع الأربعة المبرمجة ضمن جدول الأعمال، واقتصاره على اثنين فقط.
عرفت الجلسة العامة في بدايتها عديد النقاشات الجانبية، من بينها مسألة مشاركة تونس في كأس العالم بروسيا، حيث أكد النائب عن آفاق تونس كريم الهلالي أنه تم تقديم عريضة لعقد جلسة عامة استثنائية من أجل مساءلة وزيرة شؤون الشباب والرياضة ماجدولين الشارني حول ما وصفه بالمهزلة التي عاشها الشعب التونسي في كأس العالم روسيا 2018. وبين إنه ستتم مساءلة الوزيرة على استفحال الأزمة في قطاع الشباب والرياضة وعن البعثة الشبابية التي تنقلت إلى روسيا ليجد المشاركون فيها أنفسهم أمام عمليات تحيل. هذا وقد قام نواب الشعب بتلاوة الفاتحة ترحما على روح الشاب لمجد القريري الذي استشهد مساء الأحد الماضي جرّاء الجروح والإصابات العديدة التي تعرض لها من قبل مجموعة إرهابية بالمنطقة العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي.
إمكانية ممارسة الطب عن بعد
انطلقت الجلسة العامة بمناقشة مشروع القانون المتعلق بإتمام القانون عدد 21 لسنة 1991 المؤرخ في 13 مارس 1991، المتعلق بممارسة مهنتي الطب وطب الأسنان وتنظيمهما المصادق عليه بـ 129 نعم و9 متحفظين دون اعتراض.، ويهدف المشروع إلى تقنين مسألة الطبّ عن بعد، بما أن ممارسة الطبّ عن بعد أمر معتمد من قبل الأجهزة الطبية رغم غياب التأطير القانوني للأمر من بينها الاتصالات الهاتفية التي يقوم بها إطار الاسعاف في سيارات الإسعاف. وتطرق نواب الشعب خلال النقاش العام إلى أهمية مشروع القانون حيث تعتبر المساعدة الطبية عن بعد ممارسة شائعة، لكن لم يتم وضعها في إطار قانوني من قبل، ومع المصادقة على هذا المشروع فإن الأطباء والمرضى سيستفيدون على حد سواء من ذلك. في حين طالب البعض من النواب بضرورة حماية البيانات الشخصية للمرضى خلال الممارسة عن بعد. كما تساءل البعض الآخر عن كيفية تطبيق هذا القانون على أرض الواقع، في حين أن هناك عديد المستشفيات التي تعاني من نقائص بالجملة على غرار الأدوية المفقودة. وقال النائب عن كتلة حركة النهضة بشير اللزام أن مشروع القانون تمت صياغته بطريقة تشاركية، الأمر الذي سيسمح باستخدام الهواتف ومقاطع الفيديو ومختلف البيانات الأخرى، لكن الإشكال الأساسي يكمن في مدة تمتع الدولة بالبنية التحتية اللازمة لمثل هذا المشروع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الأمر يتطلب خبراء من الكفاءات والاخصائيين الذين باتوا اليوم يفضلون الهجرة على البقاء في تونس.
في المقابل، تطرق وزير الصحة عماد الحمامي في مداخلته أن مشروع القانون تمت مناقشته قبل تقديمه إلى مجلس نواب الشعب 10 سنوات باعتباره يمثل إصلاحا جذريا للنظام الصحي في تونس، متعهدا في ذلك بحماية المعطيات الشخصية للمرضى خلال تطبيق مشروع القانون.كما تطرق الحمامي إلى بعض المسائل الجانبية حيث بلغ معدل الإشراف على المستشفيات في ولايتي باجة وتطاوين من قبل أطباء متخصصين 97 ٪. وقال الوزير إنّ المشروع سيرسي قاعدة تشريعية لممارسة الطب وطب الأسنان عن بعد وسيدعم المساواة بين الجهات وكل المواطنين مع التخفيض في مصاريف العلاج. وأكّد على أنّ تونس لديها رأس مال بشري في القطاع الطبي وشبه الطبي الذي يمكنها من ممارسة الطب عن بعد، مشيرا إلى وجود عدة مشاريع نموذجية أخرى ستتم بالشراكة بين المدن الطبية وولايات الساحل والداخل.
مشروعي قانون يتعلقان برقمنة المدارس
كما ناقشت الجلسة العامة مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 28 فيفري 2018 بين حكومة الجمهورية التونسية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع دعم التعليم الابتدائي، بقيمة 50.000.000 دينار كويتي، المصادق عليه بـ 88 نعم، 7 محتفظين، 6 لا. ويهدف المشروع إلى توفير الظروف الملائمة والامكانيات الضرورية لتطوير التعليم الابتدائي وإرساء مقومات الجودة ومبادئ الانصاف وتكافئ الفرص، وذلك من خلال المساهمة في سد النقص في المباني التعليمية وتوسعة المدارس القائمة، وصيانة وإعادة تأهيل العديد منها وتوفير الأثاث والتجهيزات المدرسية وأجهزة الحاسوب والتجهيزات الرقمية ومستلزماتها. ويتضمن المشروع بناء 50
مدرسة جديدة وأعمال توسعة تشمل 2000 مدرسة قائمة، وأعمال الصيانة لـ 800 مدرسة، علاوة على توفير أجهزة حاسوب وتجهيزات رقمية لفائدة 500 مدرسة.
وخلال النقاش العام تحدث نواب الشعب عن ضرورة توفير النقل المدرسي وتحسين وضعية المدارس الابتدائية وذلك من خلال تخصيص مبلغ من ميزانية وزارة التربية،لاصلاح المدارس الابتدائية وللصيانة باعتبار أن المدارس لا تملك ميزانية خاصة بها. كما استغرب عدد من النواب من عدم استشارة لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي خلال مناقشة مشروع القانون صلب لجنة المالية والتخطيط والتنمية. وفي رده على تساؤلات النواب، قال وزير التنمية والإستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري أن هناك 1000 مشروع صيانة للمدارس الابتدائية، مقابل إنشاء 50 مدرسة جديدة، مشيرا إلى أن قرابة 500 مدرسة ابتدائية ستستفيد من البرنامج التونسي «ديجيتال»، من أجل مواكبة التطور التكنولوجي وتفادي الامية الرقمية.
وفي الجلسة المسائية، صادقت الجلسة العامة على مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بتاريخ 21 ديسمبر 2017 بين الجمهورية التونسية والبنك الإفريقي للتنمية لتمويل مشروع دعم القدرات التقنية والتكنولوجية، بقيمة 72.000.000 أورو. ويهدف المشروع إلى دعم القدرات التقنية والتكنولوجية بالمنظومة التربوية في تونس في إطار السعي إلى تكريس مبادئ الانصاف وتكافؤ الفرص وإرساء مقومات الجودة وكذلك دعم المسالك والشعب من أجل دفع القدرة التشغيلية. كما سيساهم في تطوير أنماط التعليم العالي والتقني والتكنولوجي والفني وتحسين البنية التحتية وتوفير المستلزمات المتعلقة بخدمات الإسناد المدرسي من أجل مقاومة الفشل المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة.
تشنجات ورفع الجلسة
وفي هذا الإطار، تحدث نواب الشعب عن وضعية المدارس العمومية التي لا تملك بعضها إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وهو ما يجعل الأجهزة اللوحية المقدمة غير مجدية. وطالب بعض النواب حتى من قبل كتلة حركة النهضة من لجنة المالية التدقيق في المديونية خصوصا وأن رئاساتها من قبل المعارضة، الأمر الذي جعل النائب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية يجدد رفض كتلته لتكاثف الديون التي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، معتبرا أنهم لا يصوتون لفائدة القروض. في حين قال وزير التنمية والاستثمار زياد العذاري أنه تم تخصيص 1200 مليون دينار لدعم المدارس الابتدائية، معتبرا أن التكنولوجيات والرقمنة لم تعد أمرا زائد عن الحاجة، بل حاجة مهمة مثل ضرورة توفير بيوت الراحة والماء والكهرباء. وعبر الوزير عن أسفه من تدخلات بعض النواب الناقدة للحكومة معتبرا أنه يحب دعم أعمال الحكومة ومساندتها، والتفرقة بين نوعية القروض.
الجلسة العامة عرفت تشنجات مباشرة بعد انتهاء الوزير من كلمته وذلك بعد تعقيب النائبة عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو باعتبار أن الوزير على حد تعبيرها لم يقم بالاجابة عن أسئلة النواب، الأمر الذي رفضه رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري باعتبار أن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب يحجر الرد على الوزير بعد إلقاء الكلمة، مطالبا برفع الجلسة من أجل التشاور قبل عملية المصادقة.
الجلسة العامة توقفت لقرابة الساعة نتيجة غضب نور الدين البحيري لتستأنف من خلال إعلان النائبة الثانية لرئيس المجلس فوزية بن فضة تأجيل الجلسة العامة إلى أجل غير مسمى، بالرغم من عدم المصادقة على مشروع القانون المذكور، وأيضا مشروع القانون الرابع المتعلق باتفاق القرض المبرم بتاريخ 21 ديسمبر 2017 بين الجمهورية التونسية والبنك الإفريقي للتنمية للمساهمة في تمويل مشروع دعم تركيز المخطط الوطني الاستراتيجي «تونس الرقمية 2020»، دون ذكر الأسباب.
وتعود الاسباب حسب نواب كتلة حركة النهضة الى ان المعارضة طورت من خطابها الذي بلغ حد التطاول على الوزراء، في إشارة إلى تشنج نواب المعارضة بعد عدم إجابة زياد العذاري عن أسئلة النواب، والاكتفاء بلوم نواب عن انتقادهم للحكومة. في حين تشير الكواليس صلب المعارضة إلى أن السبب الحقيقي وراء رفع الجلسة ثم التأجيل إلى غياب النواب في صفوف نواب حركة النهضة، مقابل عدم الثقة في تصويت بقية الكتل لفائدة مشروع القانون.