إلى مشروعي قانون تنقيح مجلة الضريبة على الشركات وتدعيم الأسس المالية لبنكي الإسكان والشركة التونسية للبنك. فقد شهدت الجلسة العامة جدلا واسعا بين المعارضة ونواب حركة نداء تونس بعد قرار حرمان النائب فيصل التبيني من الكلمة لمدة 3 جلسات. وجاء هذا القرار على خلفية اهانة النائب المذكور لرئاسة المجلس، مما عطل سير الجلسة العامة وأدخلها في حالة من الفوضى.
سرعان ما شهدت الجلسة العامة المنعقدة يوم أمس بمجلس نواب الشعب خلافات منذ بدايتها، وفي سابقة من نوعها تم على إثرها رفع الجلسة من أجل عقد مكتب استثنائي لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضد النائب عن صوت الفلاحين فيصل التبيني بعد اهانته لرئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر خلال تدخله صلب الجلسة. ووصف التبيني الناصر بـ«الكارثة»، في تلاسن حاد بينه وبين الناصر على خلفية لما اعتبره تحاملا على النواب غير المنتمين للكتل حول توقيت التدخلات، مما عرضه للشتائم والاعتداء اللفظي عليه من قبل نواب حركة نداء تونس.
حالة من الفوضى
وعلى إثر ذلك دخلت الجلسة في حالة من الفوضى خصوصا من قبل نواب كتلة حركة نداء تونس الذين اعتبروا أن هذا التدخل مهين للبرلمان ولرئيسه ويستوجب اعتذارا منه ورفع الجلسة الى حين التفاوض في هذا الأمر لمعرفة المراد من الكلام الذي قاله التبيني. ولأول مرة في تاريخ مجلس نواب الشعب يتم تطبيق الفصل 131 من النظام الداخلي الذي ينص على أن رئيس الجلسة يذكر كل نائب يقوم بعرقلة النظام أو الاخلال به، ويوجه تنبيها ضد كل نائب وقع تذكيره بالنظام مرتين في نفس الجلسة أو صدر منه شتم أو تهديد نحو عضو أو أكثر، يتم سحب الكلمة منه وحرمانه من التدخل إلى آخر الجلسة. وفي صورة عدم الامتثال يمكن حرمانه من أخذ الكلمة دون منعه من التصويت، على أن لا يتعدى مدى الحرمان 3 جلسات متتالية ويتخذ القرار بأغلبية أعضائه، وللنائب الإدلاء بوجهة نظره أو إنابة أحد زملائه وذلك بعد استدعائه بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا.
اتخاذ إجراءات ضد التبيني
مع استئناف الجلسة وإعلان رئيس المجلس قرار عدم تمكين النائب فيصل التبيني من الكلمة لمدة 3 جلسات متتالية، دخلت الجلسة في مشاحنات بين المعارضة ونواب نداء تونس، مع محاولات بقية الكتل تهدئة الأوضاع بالمطالبة بمراجعة القرار. الجبهة الشعبية وصفت القرار بأنه ضد مبدأ حرية التعبير، خصوصا وأن الجلسات الفارطة ولعل أبرزها الجلسة المتعلقة بالتصويت ضد التمديد في مهام هيئة الحقيقة والكرامة لم يتخذ فيها أي قرار ضد نواب كتلة حركة النهضة الذين قاموا بهرسلة الناصر. كما اعتبر نواب المعارضة حتى من قبل الكتلة الديمقراطية أن رئيس المجلس ينحاز لأطراف دون غيرها، مع مواصلة استفزازه بكلمات جارحة مثلما قال التبيني. في حين اعتبر الناصر أن القرار لا يمثل قرار رئيس المجلس، بل مكتب المجلس. وتجدر الإشارة إلى أن ممثلي الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية غابوا عن الاجتماع. في المقابل قال النائب عن كتلة حركة النهضة سمير ديلو أنه بالرغم من وقوفه ضد القذف والشتائم، إلا أن قرار مكتب المجلس باطل لأنه لم يستوف الإجراءات، من خلال التنبيه عليه أو وجود أثر كتابي.
قرار مكتب المجلس يبدو أنه جاء على خلفية انتشار ظاهرة الخلافات والتبادل بالتهم بين نواب الشعب، حتى أنها باتت ظاهرة تؤرقها رئاسة المجلس وتضر بصورته لدى الرأي العام، خصوصا وأنها في أغلب الأحيان تخرج عن السير الطبيعي للمجلس وتعرقل عمليات المصادقة على مشاريع القوانين. الجلسة العامة توقفت مرة ثانية من أجل مناقشة هذا القرار من خلال نقاط النظام، لقرابة الساعة.
تجاوزات في ميزانية 2013
وبالعودة إلى مضمون الجلسة العامة، فقد تمت مناقشة مشروع قانون يتعلق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2013، المصادق عليها بـ 109 نعم 23 احتفاظ و33 رفض. النقاش العام بين نواب الشعب شهد جدلا بين نواب المعارضة ونواب كتلة حركة النهضة بالأساس، وذلك على خلفية اتهام الائتلاف الحاكم السابق بما يعرف «الترويكا»، بسوء التصرف على مستوى الميزانية خلال تلك الفترة. وقال رئيس لجنة المالية والنائب عن الجبهة الشعبية المنجي الرحوي أن تقرير دائرة المحاسبات يتحدّث عن انتدابات عشوائيّة في وزارة النقل ممّن تمتّع بالعفو التشريعي العام ومن عائلات شهداء وجرحى الثورة، مشيرا إلى وجود إخلالات حقيقيّة خصوصا وأن الانتدابات لا تستند إلى أيّ سند قانونيّ لذلك من غير الممكن التصويت على قانون غلق ميزانية 2013 بالصيغة الحالية، لأنه بحاجة إلى المساءلة السياسية والمساءلة القضائية. وطلب الرحوي من وزير المالية رضا شلغوم إحالة ما ورد من فساد مالي في تقرير دائرة المحاسبات بخصوص التصرف في ميزانية الدولة في 2013 على النيابة العمومية.
من جهة أخرى، تواصل النقاش العام بين النواب للحديث عن التجاوزات التي تضمنها تقرير دائرة المحاسبات في علاقة بميزانية سنة 2013، حتى من قبل نواب كتلة حركة نداء تونس. وقالت النائبة فاطمة المسدي أن قرار غلق ميزانية 2013 يثبت أنه هنالك إخلالات على مستوى الصفقات على غرار تلك المتعلقة بمستشفى الأمراض السرطانية بجندوبة، معتبرة أنهم لن يكونوا شهود زور. لكن في المقابل، فقد تجند نواب كتلة حركة النهضة من أجل الدفاع عن أنفسهم باعتبارهم كانوا من ضمن الائتلاف آنذاك. وقال النائب الهادي بن براهم أن المعنى الأساسي من غلق الميزانية يتمثل في الوقوف على حيثيّاتها وتطابقها مع الحسابات، مشيرا إلى أنه بالامكان التثبّت من تطابق الميزانية مع دائرة المحاسبات. في حين هدد النائب محمد بن سالم من ان عدم المصادقة على غلق الميزانية سيؤدي إلى تصنيف تونس تصنيفا سلبيّا جديدا يتعلق بالشفافية، لافتا إلى أنّ بعض أطراف الائتلاف الحاكم تعتبر هذا التصنيف إنجازا ونجاحا في إستراتيجيّتها السياسيّة.
غياب النقاش عن بقية المشاريع
من جهة أخرى، صادقت الجلسة العامة في الجزء الثاني من أعمالها على جملة من مشاريع القوانين غاب النقاش عنها باستثناء تدخل وحيد من قبل النائب عن حركة النهضة عامر العريض وتدخل صادر عن وزير المالية. وقامت الجلسة بالتصويت على مشروعي قانون أساسيين يتعلقان بالموافقة على اتفاق في مجال خدمات النقل الجوي بين تونس وحكومة جمهورية السودان، بـ 152 نعم 04 احتفاظ و01 رفض، واتفاقية ثانية مع مصر في مجال النقل البحري بـ 157 نعم 01 احتفاظ و01 رفض. وللتذكير فإن الاتفاقيتين تمت مناقشتهما في جلسة سابقة مع تأجيل التصويت عليه نتيجة غياب النواب حينها.
هذا وقد صادقت الجلسة على مشروع قانون يتعلق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2014، بـ 102 نعم 13 احتفاظ و10 رفض، وأيضا مشروع قانون غلق ميزانية الدولة لسنة 2015 المصادق عليه بـ 93 نعم 12 احتفاظ و10 رفض. وعبر وزير المالية عن أمله في تقلص عدد ملاحظات دائرة المحاسبات في السنوات القادمة، معتبرا أن الميزانيات القادمة ستشهد تطورا، بالرغم من أن التحديات جسيمة مع ارتفاع سعر برميل النفط. وأوضح شلغوم أنه في حالة وجود شبهات أو رصد اخلالات هامة عند عملية مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة فإن دائرة المحاسبات يخوّل لها القانون تحويل مختلف الملفات على العدالة أو على دائرة الزجر المالي.
من جهة أخرى، صادقت الجلسة على مشروع قانون يتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات بـ86 نعم 09 احتفاظ و08 رفض ، يهدف إلى إضفاء أكثر مرونة على شروط شطب الديون البنكية بما يساعد على تطهير موازنتها والتقليص في نسبة الديون المصنفة، من خلال التقليص في إجراءات وآجال التقاضي. كما تمت المصادقة على مشروع قـانون يتعلّق بتنقيح وإتمام القانون عدد 31 لسنة 2015 المؤرّخ في 21 أوت 2015 المتعلّق بتدعيم الأسس المالية لبنك الإسكان والشركة التونسية للبنك، ويندرج المشروع في إطار رسملة البنوك العمومية كل حسب وضعياتها ومتابعة تنفيذ إعادة هيكلتها. واعتبر نواب الشعب خلال النقاش العام أن المشروع سيعطي البنوك العمومية أكثر حرية في التصرف.