حيث تسببت ظاهرة الغيابات في سقوط الفصول الواحد تلو الآخر، مما تسبب في إرجاع مشروعي قانون إلى لجنة التوافقات حتى لا يسقطا بأكملهما، وهما كل من مشروعي برنامج الأمان الاجتماعي، والفصول المعدلة للاحكام المشتركة للهيئات الدستورية. ظاهرة جديدة تجتاح البرلمان، حيث لم يتمكن من المصادقة على 4 مشاريع قوانين نتيجة الغيابات والخلافات بين الكتل.
بعد فشل مجلس نواب الشعب أول أمس في المصادقة على مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث برنامج الأمان الاجتماعي للنهوض بالفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل نتيجة غياب النصاب القانوني والاختلاف حول بعض الفصول التي تعتبرها المعارضة محاولة لتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي. تواصل سقوط الفصول الواحد تلو الآخر، نتيجة الخلافات بين المعارضة من جهة ونواب كتلة حركة نداء تونس من جهة أخرى، على غرار الغياب حيث لم يتجاوز عدد النواب 107، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون أساسي بامتياز يحتاج إلى 109 أصوات.
سقوط الفصول
تجدد الخلاف مجددا مع سقوط الفصل 21، وهو الفصل عدد 6 تم إسقاطه، حيث اتهم نواب المعارضة كتل الائتلاف الحاكم باسقاط الفصول باعتبار أن الغيابات تنحصر بالأساس في كتلة حركة نداء تونس على حد تعبير نواب الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية وأمام قلة عدد النواب الحاضرين فإن مجلس نواب الشعب لم يكن قادرا على المصادقة على فصول مشروع القانون البالغ عددها 23 فصلا، واستغل نواب حركة نداء تونس الوضع من أجل اتهام المعارضة بعدم التصويت لفائدة الفقراء والمحتاجين، خصوصا وأن رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق اعتبر أن المعارضة حرة في التصويت مع أو ضد مشروع القانون، فهي ليست ملزمة بتبني مشاريع حكومية. واعتبر الصديق أن مشروع القانون يندرج في إطار املاءات الصندوق الدولي والبنك الدولي، في علاقة بالدعم.
تواصل غياب النواب
غياب النصاب القانوني عن الجلسات العامة، باتت آفة تهدد مشاريع القوانين المعروضة عليها، حيث أن جلستي الثلاثاء والاربعاء مخصصتان للنظر في 7 مشاريع قوانين من بينها قوانين لم يتم التصويت عليها سابقا نتيجة غياب النواب، والبعض منها لم يتحصل على أية نقاش عام. الجلسة العامة تعطلت على امتداد الجلسة الصباحية، واقتصرت على نقاط النظام بين النواب من أجل تبادل التهم وتحميل المسؤوليات بين الكتل.
وتجدر الإشارة إلى ان مشروع القانون يهدف بالأساس إلى تنظيم برامج المساعدات الاجتماعية في إطار تشريعي موحد يمكن من تجاوز الفراغ القانوني وحالة التشتت على مستوى النصوص الترتيبية، وذلك من خلال إحداث مجلس أعلى للتنمية الاجتماعية يتولّى تقييم ومتابعة وتنسيق التوجهات العامّة للسياسات الاجتماعية للدولة في مجال الإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي والحد من الفقر ومتابعة تنفيذها. بالإضافة إلى إحداث «الوكالة الوطنية للتنمية والإدماج الاجتماعي» تتولّى تنفيذ برامج وآليات الحد من الفقر والإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي للفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل ويُشار إليها فيما يلي بالوكالة.
إعادة مشروع القانون إلى التوافقات
ومع استئناف المصادقة على الفصول، صادقت الجلسة على الفصل 22، لتقع العودة إلى الفصول المسقطة من خلال تقديم وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي لمقترحات تعديل، تمت المصادقة على فصل جديد عوضا عن الفصل 5 يتعلق بإحداث مجلس أعلى للتنمية الاجتماعية لكن في المقابل تجدد الخلاف مع سقوط الفصل المقدم من قبل الوزير عوضا عن الفصل 6 المتعلق بالوكالة الوطنية للإدماج والتنمية الاجتماعية بعد حصوله على 108 أصوات وهو عدد غير كاف للمرور. وأمام انسداد الأفق أمام الجلسة العامة، طالبت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بإرجاع مشروع القانون إلى لجنة التوافقات حتى تواصل التوافق حول فصوله.
مشروع قانون ثان يعاد إلى التوافقات
وعلى إثر ذلك، استأنفت الجلسة العامة أشغالها في المساء من أجل المصادقة على الفصول المعدّلة من مشروع القانون الأساسي المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة، المطعون فيه من قبل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، الذي تم تأجيله في مناسبتين سابقتين. الفصول الثلاثة المطعون فيها تتعلق باستقلالية الهيئات الدستورية، وعدم تدخل اية جهة في أعمالها سواء من قبل السلطة التشريعية أو الحكومة سواء بالاعفاء أو سحب الثقة. النقاش العام بين نواب الشعب تطرق إلى مضمون المراسلة من قبل الهيئة الوقتية، حيث قال النائب نذير بن عمو أن الفصل 33 من المشروع المطعون فيه يمكن الاستغناء عنه في حين قالت النائبة سامية عبو أن هناك بعض الفصول تمسّ من إستقلالية الهيئات المستقلة.وبعد 3 مداخلات فقط، اقتصرت مداخلة المهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان على أن المجلس له الحرية في اختيار ما يراه مناسبا بخصوص الفصول المطعون فيها.
مرة أخرى يتسبب غياب نواب الشعب في سقوط فصل من مشروع قانون، الأمر الذي يثير الاستغراب حيث لم يتحصل الفصل 11 محل الطعن إلاّ على 98 صوتا. تواصل الغياب في صفوف النواب بالرغم من قرار المجلس بنشر قائمة في أسماء النواب المتغيبين والاقتطاع من منحتهم، إلا أن الظاهرة في تواصل مستمر أمام أهمية مشاريع القوانين المعروضة على
الجلسة العامة. ومع تواصل رفض مقترحات التعديل بخصوص الفصل سقط بدوره الفصل 24، مما أدخل الجلسة في حالة من التشنج خصوصا وأن المجلس سيكون في إحراج ومأزق، حيث لم يتمكن المجلس من المصادقة على 4 مشاريع في أقل من أسبوعين نتيجة لنفس الاسباب. وقال النائب حبيب خضر أنه يجب إعادة المشروع إلى لجنة التوافقات، باعتبار أن القانون المنظم للهيئة الوقتية لا يعطي أي حلول في حالة رفض النسخ المعدلة، حتى لا يبقى المشروع معلقا. كما طلب رئيس اللجنة إعادة مشروع القانون إلى اللجنة من أجل التوافق حول الفصل المتبقي 33، حتى يمكن الرجوع إلى الفصول المسقطة وتعديلها.
وبذلك لم يتمكن مجلس نواب الشعب من استكمال جدول أعماله بالنسبة للجلستين أول أمس وأمس والتي كانت من المفروض أن تصادق على 7 مشاريع قوانين.
إشكالية الغيابات وعدم التنسيق بين الكتل يبدو أنها معضلة ستحول إلى مكتب المجلس من أجل مناقشتها واتخاذ القرارات الضرورية في شأنها.