ومن بينها معضلة التمدید في مهام هيئة الحقيقة والكرامة، التي لا تزال محل تجاذبات بين الكتل البرلمانية. مكتب المجلس أحال المسألة برمتها إلى التصويت في جلسة عامة وهو ما يجعل المسألة مفتوحة على كافة السيناريوهات والاحتمالات والمفاجآت أيضا.
على خلفية قرار مجلس هيئة الحقيقة والكرامة، التمدید في مدة عمل الهیئة بسنة إضافیة باعتماد قراءتها للفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالیة، على أن تنهي الهیئة أعمالها یوم 31 دیسمبر 2018، وفق روزنامة محدّدة في الغرض. ويأتي هذا القرار بعد معاینة الهيئة استحالة إنهاء مهامها في موفى ماي 2018، وفق ما تم تفصيله في تقريره السنوي لسنة 2016. ويذكر أن الفصل 18 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالیة وتنظیمها، ینص على أن «مدة عمل الهیئة حددت بأربع سنوات بدایة من تاریخ تسمیة أعضائها، قابلة للتمدید مرة واحدة لمدة سنة بقرار معلل من الهیئة، یرفع إلى المجلس المكلف بالتشریع قبل ثلاثة أشهر من نهایة مدة عملها».
هذا الفصل عرف عديد التأويلات إذ اعتبرته رئيسة الهيئة سهام بن سدرين أنّ الصلاحية في هذا الصدد تعود بالأساس إلى مجلس الهيئة الذي سيقوم برفع الإعلام للبرلمان معللا بالنظر إلى وجود تبعات مالية ومدّة إضافية. وقالت بن سدرين إنّ رفع القرار إلى البرلمان معلل وإعلامه يهدف إلى تمكين مجلس النواب من تشكيل لجنة للنظر في توصيات الهيئة من جهة وأخذ الاحتياطات والتدابير اللازمة من جهة أخرى، مؤكدة أنّ الهيئة على ذمّة البرلمان إذا ما تمت دعوتها لتوضيح سير أعمالها مؤكدة على ضرورة عقد جلسة مشتركة للنظر في مسألة التمديد وأثاره واستعدادات المجلس لما بعد استكمال الهيئة لأعمالها.
بين الرفض والقبول
قرار مجلس الهيئة بدا متحديا لقرار مكتب مجلس نواب الشعب الذي قرر في وقت سابق عدم التمديد في مهام الهيئة، وهو ما جعل كتلة حركة النهضة تنسحب من الاجتماع حينها وتطالب بالتمديد في آجالها. كما حاولت اللجنة الخاصة لشهداء الثورة وجرحاها وتنفيذ قانون العفو العام والعدالة الانتقالية بمساندة كتلة حركة النهضة والكتلة الديمقراطية وكتلة الجبهة الشعبية
الضغط على رئاسة المجلس من أجل إعادة النظر في المسألة، حتى أن البعض قد يلتجئ إلى المحكمة الإدارية من أجل الطعن في قرار المكتب السابق.
مكتب المجلس أعاد النظر في الموضوع في اجتماع يوم أمس أمام تشبث كتلة حركة نداء تونس بإنهاء مهام الهيئة في الآجال المحددة وعدم التمديد لفائدتها، خصوصا وأنه خلال مناقشة أبواب ميزانية الدولة لسنة 2018 في مجلس نواب الشعب، تم تمكين الهيئة من ميزانية محددة من أجل اختتام أشغالها في شهر ماي وتقديم تقريرها النهائي. أشغال مكتب المجلس انطلقت أيضا بالتزامن مع تنظيم عدد من معتصمي باردو لتفعيل العفو التشريعي العام، وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان، للمطالبة بعدم التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، معتبرين أن الهيئة قد استوفت قانونيا أعمالها، وأن غايتها من التمديد ليس لتدارك ما لم يتم إنجازه، بل من أجل ترتيبات مؤسساتية تسعى إلى إجرائها رئيسة الهيئة.
انسحاب كتلة حركة النهضة والكتلة الديمقراطية
اجتماع المكتب يوم أمس لم يكن مختلفا عن الاجتماع السابق، إذ انسحب ممثلو كتلة حركة النهضة والكتلة الديمقراطية من الاجتماع، بعد اتفاق اغلب أعضاء مكتب مجلس النواب على تمرير هذا الموضوع على الجلسة العامة للتصويت عليه حسب ما أكده عضو المكتب الحبيب خضر، الذي أضاف أن القانون يمنح للهيئة الحق في تمديد المدة المخصصة لها وان أغلبية الحاضرين في اجتماع المكتب يصرون على عدم سد الشغور بهيئة الحقيقة والكرامة مما تسبب في انسحابهم قبل انتهاء أشغال الاجتماع. الجبهة الشعبية المساندة لخيار التمديد لم يكن لها موقف صلب مكتب المجلس بعد تعذر حضور ممثلها النائب نزار عمامي لأسباب صحية، لكنه أكد في تصريح لـ»المغرب» أن الجبهة مع التمديد، باعتبار أن قانون العدالة الانتقالية يخوّل لها ذلك، مشيرا إلى أنه في حالة اللجوء إلى الجلسة العامة فإن كتلته ستصوت مع التمديد.
عديدة هي التجاذبات الحالية بين الكتل البرلمانية بمجلس نواب الشعب حول مواضيع مختلفة على غرار هيئة الحقيقة والكرامة، وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وحول رئاسة لجنة التحقيق في تصنيف تونس من قبل الاتحاد الأوروبي كجنة للتهرب الضريبي، بالإضافة إلى مشروع مجلة الجماعات المحلية، وهو ما يعكس الأثر السلبي لسياسة التوافق خلال هذه المدة بالتحديد. وفي الأخير تم الاتفاق في اجتماع مكتب مجلس نواب الشعب على تحديد جلسة عامة للتصويت ومناقشة قرار هيئة الحقيقة والكرامة بالتمديد في عملها، لكن دون تحديد تاريخ لذلك. وأكد مساعد رئيس مجلس نواب الشعب المكلف بالاعلام والاتصال والنائب عن نداء تونس محمد بن صوف أن أغلبية أعضاء المكتب صوّتوا لتمرير طلب التمديد على الجلسة العامّة. وبين أن قرار مجلس الهيئة باطل نظرا لعدم اكتمال نصاب مجلس الهيئة على غرار ان البرلمان له سلطة رقابيّة على الهيئة وان من مشمولاته تسخير ميزانية للهيئة.
تخوفات من التصويت
رفض كتلة حركة النهضة الالتجاء إلى التصويت صلب الجلسة العامة يبدو أمرا طبيعيا بعدما اصطفت حليفتها في الحكم كتلة حركة نداء تونس في الجهة المقابلة، وهو ما يجعل الكفة غير متوازنة، باعتبار أنه في حالة احتساب أصوات حركة النهضة 68 نائبا مع الديمقراطية 12 نائبا والجبهة الشعبية 15 أي 95 صوتا مع التمديد، مقابل أصوات كتلة حركة نداء تونس 56 والحرة لمشروع تونس 21، وآفاق تونس 10، الاتحاد الوطني الحر 11 ، الكتلة الوطنية 10 اي اجمالا 108 صوتا دون احتساب غير المنتمين الذين ليس لهم موقف موحد.
من جهة أخرى، هناك سيناريو جديد قد يطرح صلب الجلسة العامة، يتمثل في مواقف بعض الكتل من بينها كتلة آفاق تونس حسب ما صرّحت به رئيسة الكتلة ليليا يونس القصيبي لـ»المغرب» أنه في حالة التزام الهيئة بتطبيق القانون المتمثل في عملية التجديد فإن الكتل قد تغير رأيها نحو التمديد في آجالها، باعتبار أن المسألة لا تتعلق بالوقوف ضد مبدأ العدالة الانتقالية. في حين قد تلتجئ الكتل المساندة لمبدأ التمديد إلى المحكمة الإدارية من أجل الطعن في قرار مكتب المجلس.