على إثر تصويت البرلمان الأوروبي على تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء المتعلقة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، صادق مجلس نواب الشعب على مشروع قانون يتعلق بتعديل الفصل 14 من النظام الأساسي للمنظمة العالمية للسياحة، وقرض رقاعي بقيمة 850 مليون أورو.
شهدت الجلسة العامة مع انطلاقها مباشرة بعد إلقاء رئيس المجلس محمد الناصر خطابا مقتضبا إحياء لذكرى اغتيال الشهيد شكري بالعيد، بعض من الجدل والاحتجاجات في صفوف نواب المعارضة وبالأخص نواب الكتلة الديمقراطية، وذلك على خلفية عدم بث التلفزة الوطنية (القناة الثانية) لعملية أداء اليمين للنائب ياسين العياري.
وقد نددت النائبة عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو وكذلك النائبة عن حركة النهضة يمينة الزغلامي بعدم تمرير أداء اليمين واستنكروا مثل هذه الممارسات. وعلى إثر ذلك تكاثفت نقاط النظام للتنديد بعدم البث، حتى أن البعض أكدوا وجود أوامر لقطع البث حتى لا تصل الصور للرأي العام وحفاظا على مشاعر البعض من الذين انهزموا في الانتخابات التشريعية الجزئية عن دائرة ألمانيا. وفي هذا الإطار اتهم رئيس الكتلة الديمقراطية سالم لبيض أن المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة وراء قطع البث، مطالبا بإقالته، في حين وصف النائب عن نفس الكتلة عماد الدائمي الأمر بالخطير والفضيحة مما يضرب هيبة المجلس مطالبا في ذلك بإعادة بث عملية أداء اليمين.
العياري يتسبب في إقالة مدير القناة الوطنية 2
من جهته، أكد رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر انه قد تم الاتصال بالمدير العام للتلفزة الوطنية الذي تقدم بالاعتذار موضحا عدم تمريره لأداء اليمين لياسين العياري لوجود عطب فني. لكن في المقابل، فإن رئاسة مؤسسة التلفزة الوطنية سارعت باتخاذ قرار في هذه المسألة والمتمثل في إقالة مدير القناة الثانية على إثر قيامه ببث انطلاق الجلسة على الشبكة الأرضية عوضا عن البث الفضائي مثلما جرت العادة، مع الالتزام بإعادة بث أداء اليمين خلال فترة الاستراحة لنواب الشعب. كما شهدت الجلسة العامة جدلا بخصوص وفاة فتاتين إثر الحريق الذي اندلع بمبيت إعدادية 25 جويلية بتالة من ولاية القصرين، حيث طالب النائب عن الجبهة الشعبية باستقالة وزير التربية، ليدخل في جدل مع رئيس المجلس محمد الناصر بعد اتهام النائب كلا من رئيسي الجمهورية والحكومة حيث أثناه رئيس المجلس عن ذلك. في حين طالب البعض الآخر بإقالة مدير المعهد.
دعم السياحة والصناعات التقيليدية
وبالعودة إلى أشغال الجلسة العامة، فقد انطلق نواب الشعب في مناقشة مشروع القانون المتعلق بالموافقة على تعديل الفصل 14 من النظام الأساسي للمنظمة العالمية للسياحة، ويهدف بالأساس إلى مزيد التعاون القائم مع منظمة السياحة العالمية والاستفادة من خبراتها ودعمها للنهوض بالقطاع السياحي والوجهة السياحية التونسية. وقد طالبت الحكومة مجلس نواب الشعب بتسريع المصادقة على هذا التعديل في أقرب الآجال الممكنة، خصوصا وأن هذه المصادقة لا تترتب عنها آثار مالية ولا قانونية، بل تسمح بالالتحاق بالدول التي صادقت سابقا على التعديل من أجل تعزيز علاقات الصداقة والتعاون.
النقاش العام بين نواب الشعب، تطرق بالأساس الى وضع القطاع السياحي في علاقته بقطاعي الصناعات التقليدية والثقافة، حيث قال النائب رضا الدلاعي عن الكتلة الديمقراطية أن وزارة السياحة نجحت إلى حدّ ما في تجاوز أزمة قطاع السياحة، لكن يجب عليها الانطلاق في عملية الإصلاح خاصة في قطاع الصناعات التقليدية. وأضاف أنه من حق التونسيين الاستمتاع بالخدمات السياحية خاصة وأن أغلبهم ممنوعون من الدخول إلى النزل، مطالبا في ذلك بضرورة التدخل العاجل لوزارة السياحة من أجل دعم السياحة الداخلية، والعمل على الدمج بين السياحة والثقافة. أغلب نواب الشعب طالبوا وزارة السياحة بالعمل على تحسين الخدمات السياحية المقدمة للسائحين الداخليين باعتبار أنه من حق التونسي التمتع بثروات بلاده بكلفة مناسبة وبخدمات ذات جودة عالية.
كما تمحور المحور الثاني من تدخلات النواب حول مضمون الاتفاقية وتأثيرها الايجابي على القطاع السياحي، وقالت النائبة عن كتلة حركة النهضة هالة الحامي أن تعديل الفصل 14 من النظام الأساسي للمنظمة العالمية للسياحة سيكون له انعكاس إيجابي على القطاع السياحي والاقتصاد الوطني ككل، خصوصا وأنه لن تكون له تكاليف مادية على غرار مساهمته في تحسين الخدمات السياحية وفي المقابل، ردت وزيرة السياحة سلمى اللومي الرقيق على تدخلات النواب بأن المصادقة على تعديل الفصل 14 من النظام الأساسي للمنظمة العالمية للسياحة سيمكن من دعم القطاع السياحي ومن فتح آفاق جديدة أمامه، مشيرة إلى وجود مشروع قانون يتعلق بالقرى الحرفية سيعرض قريبا على مجلس الوزراء إلى جانب وجود مخطط خماسي لدعم الصناعات التقليدية سيتم عرضه على نواب الشعب في القريب العاجل. كنا أكدت أن مخطط تنمية قطاع الصناعات التقليدية يتضمن برنامجا لإعادة الهيكلة وستخصص له ميزانية تقدر بـ 50 م.د، ليتم في الأخير المصادقة عليه برمته بــ 119 نعم 04 احتفاظ ودون رفض.
انتقاد لارتفاع سياسة التداين
من جهة أخرى سيصادق مجلس نواب الشعب على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على الإحالة لفائدة الدولة للقرض الرقاعي المصدر من قبل البنك المركزي التونسي بالسوق المالية العالمية، موضوع الاتفاقات المبرمة بين البنك المركزي التونسي وجمع من مؤسسات مالية أجنبية، بقيمة 850 مليون أورو. النقاش العام تطرق إلى مخاطر هذا القرض على الاقتصاد الوطني، وكيفية استغلاله سواء لدعم الاستثمار أو الميزانية في ظل ارتفاع نسبة التداين، هذه النسبة التي عرفت انتقادات موسعة من قبل نواب المعارضة والكتلة الحرة لمشروع تونس. وقال النائب عن الجبهة عمار عمروسية أنه تم الإعلان سابقا عن نية لوضع سقف للتداين الأمر الذي لم يحصل، حيث واصلت الحكومة انتهاج سياسة الاقتراض، مطالبا في ذلك بالتعويل على الموارد الذاتية، باعتبار أن الاقتصاد الوطني يمر بوضعية حرجة في ظل انتشار الاقتصاد الموازي والفساد وانزلاق الدينار إضافة إلى تدهور مخزون تونس من العملة الصعبة وتردي وضعية المؤسسات العمومية.
كما اعتبر نواب الشعب أن الحكومة تتعامل مع القروض من منطلق الحلول الظرفية والمؤقتة في ظل غياب إستراتيجية واضحة لدعم الاستثمار والموارد المالية، والعجز عن القيام بالإصلاحات الضرورية وعلى رأسها إصلاح القطاع الجبائي لتوفير موارد مالية إضافية لميزانية الدولة. وطالب النائب عن مشروع تونس حسونة الناصفي أن أكثر من 2000 مليار ستسددها الدولة إلى غاية سنة 2024، مطالبا الوزير بتقديم تصور للحكومة لكيفية سداد الديون الثقيلة على البلاد.
حول تنصيف تونس من قبل الاتحاد الأوروبي
كما تطرقت الجلسة العامة فور مصادقة البرلمان الأوروبي الى تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء المتعلقة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، في ظل وجود تقارير رسمية تدل على وجود تمويلات مشبوهة للكثير من الجمعيات التي تمول الإرهاب مع عدم تصدي الحكومة. هذا الخبر جعل عديد النواب يطالبون بجلسة عامة للحوار مع رئيس الحكومة في هذه المسألة، إلى جانب مطالبة النائب عن حركة النهضة ماهر المذيوب بعقد جلسة أيضا مع رئيس الحكومة حول موضوع البطالة. في المقابل، دافع النائب عن حركة النهضة الهادي بن براهم عن مشروع القانون معتبرا أن ديون تونس تتوزع بين الاقتراض الداخلي والاقتراض الخارجي من السوق المالية أو من بنوك ومؤسسات دولية، مقترحا في ذلك إحداث مرصد وطني يهتم بموضوع المديونية للحد منها مستقبلا والتعويل على الذات من خلال دعم الإنتاج والقيام بالإصلاحات الضرورية.
رد الوزير حول تصنيف الاتحاد الأوروبي
من جهته، حاول وزير المالية رضا شلغوم الدفاع عن سياسة الحكومة تجاه المديونية، حيث اعتبر أن من المشاكل الأساسية التي تستوجب العناية مسألة المديونية باعتبار أن المرحلة التي تمر بها البلاد تتطلب وفاقا وطنيا خصوصا وأن التداين لا يمثل حلا للمشاكل الاقتصادية، وقد تجلى موقف الحكومة حول التقليص من الالتجاء إلى المديونية في قانون المالية لسنة 2018. وبين أن الدولة قدمت مبادرة تشريعية لحث الموظفين على المغادرة الطوعية وهو ما يتطلب موارد مالية إضافية، إلى جانب أن منظومة الدعم تستوجب تدخلا عاجلا لتوجيها إلى مستحقيها وإحكام التصرف في موارد الصندوق. وبين شلغوم أن احتياطات البلاد من العملة الصعبة غير كافية ولا يمكن دعمه إلا عبر الاقتراض، في ظل تواصل تقلص مخزون البنك المركزي من العملة نتيجة تقلص الاستثمار والتصدير والتحويلات من الخارج.
وبخصوص القروض قصيرة المدى المسجلة في تقارير البنك المركزي أكد الوزير أنها قروض تجارية تحصلت عليها مؤسسات خاصة، متطرقا في ذلك إلى تصويت الاتحاد الأوروبي بتصنيف تونس ضمن القائمة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، اعتبره أمرا مؤسفا وليس محل اجماع بين البرلمانيين الأوروبيين، مشيرا إلى ان الاتحاد الأوروبي كان قد طلب حذف الامتيازات الجبائية الممنوحة للشركات التونسية المصدرة ويعتبر أن المنظومة الجبائية في تونس شفافة وتحترم المعايير الدولية لكنه يختلف حول العلاقة بالحوافز الجبائية للشركات المصدرة. كما أوضح أن هذا التصنيف وقع بصفة آلية دون الاطلاع على آخر التقارير التي أصدرتها مجموعة العمل المالي والتي تقر بأن تونس ملتزمة ببرنامج العمل المتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.