وذلك على خلفية الاحتجاجات ضد قانون المالية التي كانت قد نادت بها المعارضة. لكن عمليات النهب والفوضى استغلتها بعض الكتل من اجل انتقاد المعارضة التي صعدت بدورها لتطالب بإسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها عدة مناطق من البلاد وما طالتها من عمليات تخريب ونهب للأملاك العامة والخاصة أول أمس، قرر مكتب مجلس نواب الشعب المنعقد صباح أمس مع رؤساء الكتل إدخال تغيرات على جدول أعمال الجلسة العامة التي كان من المفروض أن تصادق على جملة من مشاريع القوانين. وخصصت الجلسة العامة الجلسة الصباحية لمناقشة الوضع العام في البلاد، على أن تتم المصادقة على مشاريع القوانين في الجلسة المسائية، ليتحول النقاش العام من الحديث عن الوضع العام، إلى تحميل المسؤوليات والخصام السياسي.
حراك موظف سياسيا
وانطلقت الجلسة العامة بحضور 127 نائبا، جلسة لم تناقش بالأساس الوضع العام في البلاد بل تحولت إلى منبر لتبادل التهم وتحميل المسؤوليات بين كتل الائتلاف الحاكم ونواب المعارضة. كتل الائتلاف الحاكم وبالخصوص كتلتي حركتي النهضة ونداء تونس حاولتا الدفاع عن انجازات الحكومة وما حققته من مكاسب في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وانتقاد الجهة المقابلة أي المعارضة باستغلال الاحتجاجات ضد قانون المالية من أجل إسقاط الحكومة وإضعافها وبث الفوضى. وقال الصحبي عتيق النائب عن كتلة حركة النهضة أن الحراك السلمي يحميه القانون والدستور وهو ما جعل حركة النهضة تساند التحركات السلمية والمطالب المشروعة، مبينا أن هناك بعض التحركات غير السلمية منها المداهمات الليلية لمقرات السيادة الوطنية والمستودعات البلدية وهو أمر مرفوض. وأكد عتيق أن هذا النوع من الحراك موظف سياسيا واستغلال معاناة الفقراء تقف وراءه بعض الأطراف سياسية، خصوصا وأن قانون المالية لم يطبق إلى حد الآن، على غرار المصادقة عليه من قبل اغلب الكتل البرلمانية.
كتلة حركة النهضة اعتبرت نفسها غير مسؤولة عن المصادقة على قانون المالية، حيث بين النائب محمد بن سالم أن الفصل المتعلق بالترفيع في الأسعار تم التصويت عليه مع انسحاب كتلته من الجلسة والمعارضة نفسها صادقت على نفس الفصل. المداخلات صلب الجلسة العامة تحولت إلى تراشق بالتهم وتحميل المسؤوليات دون التطرق تقريبا إلى الموضوع الأصلي محور الجلسة العامة.
توجيه الاتهام للمعارضة
أصابع الاتهام وجهت في بداية الجلسة إلى نواب المعارضة ومطالبتها بإسقاط قانون المالية لسنة 2018، وهو ما أكده النائبان الحبيب خضر عن حركة النهضة وحسن العماري عن حركة نداء تونس اللذان اعتبرا أن الأطراف التي دعت إلى الاحتجاجات يجب عليها أيضا أن تدعو إلى تطويقها وتنظيمها، مشيرين إلى أن قانون المالية يعتبر بمثابة تعلة واهية تم استغلاله من أجل حملة انتخابية سابقة لأوانها. التدخلات الأولى غابت عنها المعارضة، لكن كتلة الحرة لمشروع تونس أشارت رغم تنديدها بعمليات النهب والتخريب، إلى سوء التصرف الحكومي أمام ما يحصل. وفي هذا الإطار، قال النائب حسونة الناصفي عن الكتلة الحرة لمشروع تونس أن ما حصل هو أمر منتظر في ظل ضعف كل مؤسسات الدولة، حيث أبرزت الأزمة غياب التوافقات الحزبية. وأضاف أنه لا يجب التملص من المسؤولية في ظل ضعف الدولة والأداء الحزبي وخاصة الأحزاب المشاركة في الحكومة، إلى جانب الضعف على مستوى الانسجام والتواصل والخطاب الإعلامي الموجه من قبل الحكومة والتضارب في التصريحات بهدف التهرب من المسؤولية وتشويه الحقائق.
الترفيع من سقف المطالب
من جهة أخرى، تجندت المعارضة من أجل الدفاع عن نفسها وإبراز تقصير الحكومة والرد كذلك على اتهامات كتل الائتلاف الحاكم التي اعتبروها غير واقعية وفيها محاولة لربط الاحتجاجات بعمليات السرقة. وقال نزار عمامي النائب عن الجبهة الشعبية أن الاحتجاجات في منوبة انطلقت في فترة الظهر وسقط حينها شهيد على حد تعبيره تحت دهس سيارات الأمن، وليس ليلا مثلما تم الادعاء، مطالبا بذلك بفتح تحقيق في الغرض. وأضاف أنه بالرغم من تشويه الاحتجاجات التي تمت مواجهتها بالقمع احتجاجات شرعية وهي نتيجة ما جاء في الميزانية لكن في المقابل، بالرغم من رفض الجبهة للسرقة والنهب، إلا أن هذه الممارسات ممنهجة ومدسوسة من اجل تشويه هذه الاحتجاجات، مطالبا في ذلك بضرورة إيقاف العمل بكافة الفصول التي تقف ضد مصلحة الشعب.
المعارضة صعدت من سقف مطالبها خلال الجلسة العامة من رفض قانون المالية إلى المطالبة بإسقاط الحكومة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، حيث قال النائب عن الجبهة عمار عمروسية أن قانون المالية يعتبر قانون تفجر اجتماعي، مطالبا بإجراء انتخابات مبكرة وإسقاط هذه المنظومة التي وصفها بالفاسدة. في حين طالب النائب عن حركة الشعب زهير المغزاوي بفتح تحقيق حول من يقف وراء أحداث الشغب خصوصا وأنها دائما ما تتكرر في كل احتجاجات ويتم تشويهها بالسرقات والنهب وهي مدفوعة الأجر. مطلب إجراء انتخابات مبكرة تكرر في أكثر من تدخل حتى من قبل الكتلة الوطنية، حيث قال النائب مصطفى بن أحمد أنه يجب الفصل بين الاحتجاجات والتحركات الخطيرة، لكن في نفس الوقت فإنه لا يمكن طلب إلغاء قانون المالية بل يجب إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها من اجل تقديم الأحزاب لبرامج بديلة. وبين أن الأسعار التي ارتفعت لم تكن نتيجة قانون المالية، بل ذلك نتيجة هيمنة لوبيات التهريب والاحتكار والفساد على البلاد.
غياب النواب
وبالرغم من الجدل صلب الجلسة العامة، إلا أن الملاحظ أن الجلسة العامة غاب عنها 127 نائبا، حيث بقي وسط الجلسة أصحاب الكلمة فقط. وقد سعى البعض من بينهم النائبان رياض جعيدان وعدنان الحاجي أن يجعلا الجلسة بمثابة جلسة فرّغ قلبك، متسائلين في ذلك عن أسباب هذه الجلسة في ظل غياب أي طرف من الحكومة. في المقابل، سعت بعض الكتل البرلمانية إلى تقديم بعض المقترحات من بينها كتلة آفاق تونس التي طالبت من خلال تدخل رئيسة الكتلة ليليا يونس القصيبي بإجراءات جديدة من خلال قانون مالية تكميلي والمضي في حلول جذرية وإصلاحات هيكلية من اجل استرجاع الثقة بين المواطنين والحكومة.
الجلسة العامة توقفت في حدود النقاش العام، دون وجود أية قرارات أخرى لكنها أبرزت عمق الهوة بين المعارضة وكتل الائتلاف الحاكم وهو ما ينبئ بجلسات ساخنة لاحقا، خصوصا وأن مجلس نواب الشعب سيصادق خلال المدة القادمة على مجموعة من مشاريع القوانين ذات الطابع الاقتصادي والمالي.