اعتبرها البعض صورية وغير جدية اعتمادا على التجارب السابقة.
بعد إعلان مكتب المجلس خلال اجتماعه الأخير، عن تركيبة لجنة التحقيق البرلمانية حول موضوع «وثائق بنما «، والتي ستضم 22 عضوا حسب التمثيل النسبي للكتل، تساءل عديد النواب عن مدى جدية هذه اللجنة وقدرتها على كشف الحقيقة في ظل وجود قطاع قضائي ولجان حكومية تنظر في الغرض، بالإضافة إلى التخوفات المنتظرة من تسييس اللجنة التي قد تفقد مصداقيتها خصوصا في حلالة تضارب أعمالها مع اللجان الحكومية التي تحقق في المسألة.
صعوبات في اختيار أعضاء اللجنة
لكن قبل الإعلان عن تركيبة اللجنة يوم الخميس المقبل، تجد الكتل البرلمانية صعوبة في اختيار ممثليها باعتبار المعايير التي ستضعها والمتمثلة بالأساس في التخصص في سلك القضاء واختصاص المالية، لكن في نفس الوقت يجب أن يكون لدى النواب الوقت الكافي لحضور أشغال لجنة التحقيق. هذا الأمر يعسر المهمة أمام الكتل لاختيار النواب المناسبين باعتبار أن النواب المختصين في الشؤون المالية والقضاء كثيرا ما يكونون مشغولين بأعمال اللجان القارة التي تجتمع يوميا تقريبا كلجنة المالية والتخطيط والتنمية وكذلك لجنة التشريع العام. وبالرغم من عدم توصل الكتل البرلمانية إلى اختيار ممثليها إلى حد الآن نظرا لانشغال مجلس نواب الشعب بالجلسات العامة المخصصة للنظر في جملة من مشاريع القوانين العاجلة، إلا أن هناك بعض التسريبات من هنا وهناك تفيد بأن كتلة آفاق تونس والممثلة بمعقد وحيد ستختار النائب كريم الهلالي، في حين أن الكتلة الحرة قد تختار كلا من النائبين سهيل العلويني وحسونة الناصفي.
في المقابل، لا يخفى أن المعارضة وعددا من النواب متخوفون من إعادة سيناريو لجنة التحقيق البرلمانية التي تم إقراراها في الصائفة الفارطة للتحقيق في وجود عمليات تعذيب في السجون التونسية والتي لم تتوصل إلى شيء بل اكتفت بتقرير مقتضب. إلى جانب وجود عديد المطالب بسحب ممثلي الكتل التي لها علاقة بالأسماء المشتبه في تورطها في إشارة إلى كتلة الحرة.
ضرورة ضبط الصلاحيات والآجال
هذه التخوفات والتي أبرزها البعض جعلت البعض الآخر يطالب بضمانات قبل انطلاق اللجنة في أعمالها، حيث صرح النائب عن الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي لـ»المغرب» أن لجنة التحقيق يجب أن تكون لها أرضية وتضبط بآجال لاستكمال أعمالها، إلى جانب تحديد صلاحياتها على أن تصدر في توصياتها للحكومة بضرورة التنصيص على تسهيل النفاذ للمصالح المختصة والإدارات التي ترى اللجنة فيها مصدرا لاستقصاء المعلومة. وبين أن اللجنة ستسعى إلى إيجاد الأبحاث والاستنتاجات وتصدر توصيات، على أن يكون لها طابع الزامي، ثم تحيل تقريرا لمجلس نواب الشعب الذي يرسله بدوره إلى الحكومة والجهات القضائية.
من جهة أخرى، أبرزت عملية التصويت على تركيز لجنة تحقيق برلمانية في الجلسة العامة وجود تخوفات من قبل بعض الكتل بأن يتم تسييس اللجنة خصوصا في ظل وجود بعض الأسماء من الساحة السياسية. وفي هذا الإطار، صرح النائب كريم الهلالي عن آفاق تونس لـ»المغرب» أن اللجنة ستكون أداة ضغط على الحكومة والقضاء للوصول إلى الحقيقة ولا يتم ركن الملف في الرفوف، في ظل غياب الإمكانيات اللازمة، نافيا في ذلك بأن تخضع اللجنة إلى المحاصصة الحزبية باعتبار وجود نواب من المعارضة ومن مختلف الكتل البرلمانية.
لجنة تحقيق صورية لا غير !!
وبالرغم من المطالب المستعجلة لتسريع تركيز لجنة التحقيق، إلا أن هناك عددا من النواب غير راضين عن هذه اللجنة التي اعتبروها صورية على مستوى تمثيليتها وهيكلتها، حيث تساءل النائب عن التيار الديمقراطي غازي الشواشي عن الانتظارات المرجوة من لجنة تحقيق برلمانية للبحث والتحقيق متكونة من 22 عضوا باعتماد قاعدة التمثيل النسبي من بينهم فقط 4 أعضاء ينتمون إلى الكتل والأحزاب المعارضة مع الإشارة بأن كتلة الحرة ممثلة بثلاثة أعضاء والحال أنها في وضع تضارب مصالح بحكم أن زعيمها محسن مرزوق قد ذكر اسمه من بين المشتبه بهم.
دعوات لاستبعاد بعض النواب
نواب الشعب وعوضا عن الانطلاق مباشرة في تنظيم أعمال لجنة التحقيق و إبراز أهميتها في مكافحة الفساد، إلا أنهم سقطوا منذ الآن في فخ التجاذبات السياسية قبل تكوينها، ولم يخف النائب صلاح البرقاوي وجود مزايدات سياسية ومحاولات للابتزاز السياسي، في ظل وجود دعوات إلى استبعاد بعض النواب من تركيبة اللجنة لوجود شبهة تتعلق ببعض الشخصيات الذين لهم علاقة بهؤلاء النواب .
هذا ومن المنتظر أن تعقد الكتل البرلمانية اجتماعاتها بعد نهاية أشغال الجلسات العامة للحسم في ممثليها في لجنة التحقيق، لتكون القائمة جاهزة في اجتماع مكتب المجلس المنتظر عقده يوم الخميس القادم، والتصويت عليها.
تمثيل كتلة الحرة وتسييس اللجنة
تصريح الشواشي مع عدم رضا كتلة الحرة عن هذه اللجنة، أثار عديد التساؤلات ومدى تسييس اللجنة في أعمالها واستقلاليتها حتى أن مواقفها قد تخضع للتجاذبات السياسية، حيث أكد النائب عن الكتلة الحرة صلاح البرقاوي أن التجارب السابقة تؤكد أن اللجنة تمثل مقبرة لاغير، مقابل وجود عديد المواضيع التي تحتاج تحقيقا على غرار عدم تنشر نتائج تحقيقاتها إلى اليوم، لعل أبرزها لجنة التحقيق في أحداث 9 أفريل 2012. وبين أن لجان التحقيق البرلمانية تعوزها اليوم السلطات والأدوات القانونية التي تمكنها من إنجاز المهمات.
من جهة أخرى، فإن تكوين لجنة البرلمانية رفقة وجود لجان موازية ستعمل سواء بالتنسيق أو فرادى، يبعث على تساؤل البعض عن مآل نتائجها ومصداقيتها في حالة وجود تضارب في نتائج أعمال اللجان. وذلك على إثر إعلان وزير العدل بإجراء التتبعات اللازمة بمجرد ظهور أدلة جدية، ثم إعلان وزير المالية منظوريه في الإدارة الديوانية وغيرها بالبحث في الموضوع، على غرار وزير أملاك الدولة الذي أصدر بدوره بيانا طلب فيه من المكلف العام بنزاعات الدولة بمتابعة الموضوع، إلى جانب رئيس هيئة مكافحة الفساد الذي سعى إلى تكليف محققين بالأمر منذ 5 أفريل الجاري.