الذي جمع مكتب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وممثلين عن الأحزاب، ورئاستي الحكومة والجمهورية، الوزير المكلف بالهيئات الدستورية. قرار التأجيل خلف ردود أفعال كثيرة خصوصا من قبل المعارضة التي اعتبرت أنه تم الإعداد له مسبقا بين الأحزاب الحاكمة ورئاسة الجمهورية بالتحديد بمعية الهيئة.
اتضح الخيط الأبيض من الأسود بخصوص إجراء الانتخابات البلدية من عدمها في موعدها المقرر يوم 25 مارس 2018، وهو التاريخ الثاني المقترح بعد إقرار الاستغناء عن تاريخ 17 ديسمبر 2017. لكن في المقابل، فإن تأجيل الانتخابات هذه المرة جاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وبطلب من الأحزاب الحاكمة، بعد إبراز بعض العوامل الجانبية التي تحول دون إجرائها في الموعد المذكور، وبالرغم من تأكيد أعضاء هيئة الانتخابات عن جاهزيتهم لاجراء الانتخابات في موعد 25 مارس. لكن يبدو أن هناك غياب إرادة سياسية لانجازها في الموعد المحدد، الأمر الذي جعل الهيئة تجد نفسها مضطرة لتحديد موعد آخر يتماشى مع الروزنامة الموضوعة سابقا.
قرار مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، جاء عقب انتهاء أشغال اللقاء التشاوري بين أعضاء الهيئة وممثلي الأحزاب السياسية بتأجيل الانتخابات إلى يوم 6 ماي 2017، في انتظار الإعلان عنه بصفة رسمية يوم غد الاثنين. الموعد الجديد للانتخابات البلدية، جاء باقتراح من قبل الأحزاب الممثلة في الحكومة أي بما يعرف الآن بـ«الترويكا» الجديدة، بالرغم من عدم تأكيد هذه المسألة من قبل الفاعلين السياسيين أو حتى من صلب الهيئة نفسها. وفي هذا الإطار اكتفى رئيس الهيئة محمد التليلي المنصري بالقول، أنه وبعد تداول مجلس الهيئة والمشاورات مع الأحزاب السياسية، تم الاتفاق على إجراء تعديل بسيط في الرزنامة على أن لا تتجاوز الانتخابات البلدية شهر رمضان وبداية شهر ماي. وشدد المنصري على أن هذا التعديل لن يؤثر على بقية المسار الذي بدأته الهيئة، مؤكدا نشر الرزنامة مفصّلة في بداية الأسبوع المقبل. كما دعا رئاسة الحكومة إلى النشر الفوري للرزنامة في الرائد الرسمي دون انتظار أجل الثلاثة أشهر، ورئاسة الجمهورية إلى دعوة الناخبين فور صدور الروزنامة الجديدة.
توجيه أصابع الاتهام
قرار التأجيل، جعل عديد الأحزاب توجه أصابع الاتهام إلى رئاستي الجمهورية والحكومة بالضغط على الهيئة من أجل تبني موعد 6 ماي القادم، حتى تحول النقاش إلى مشادات كلامية خصوصا بين المستشار لدى رئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والقيادي في حزب التكتل خليل الزاوية. لكن في المقابل، اعتبر بن تيشة أن الاجتماع شهد أكثر من 19 تدخلا لممثلي الأحزاب الذين أبرزوا عدم توافق حول تاريخ الانتخابات، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية أكد بكل وضوح أن الموعد الذي سيتم الاتفاق حوله ستوافق عليه رئاسة الجمهورية وأن مؤسسة الرئاسة ليست طرفا في الانتخابات البلدية، على غرار تأكيد رئيس الجمهورية أن الانتخابات البلدية يجب أن لا تتجاوز أفريل 2018.
أصابع الاتهام موجّهة أيضا إلى حركتي النهضة ونداء تونس، حيث قال القيادي في الجبهة الشعبية محمد جمور، إن حركتي النهضة ونداء تونس اتخذتا قرار تأجيل الانتخابات البلدية وأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تبحث عن توريط كل الأحزاب بهذا القرار من خلال هذا الاجتماع، مبينا أن الجبهة الشعبية ليس لها أي مشكل مع موعد 25 مارس 2018 لإجراء الانتخابات البلدية لكن بتوفير كل الشروط وخاصة منها المصادقة على مجلة الجماعات المحلية.
«ليست هناك ضغوطات»
لكن الأحزاب الحاكمة حاولت إبراز مواقفها الرسمية بأنها ضد تأجيل الانتحابات البلدية على عكس تصريحات المعارضة التي تثبت عكس ذلك، حيث قال رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري أن الحركة مع إجراء الانتخابات البلدية في أقرب تاريخ وفي تاريخ 25 مارس، مشيرا إلى أن النهضة ضد كل الأصوات التي تحدثت عن تأجيل الانتخابات البلدية إلى ما بعد شهر رمضان القادم. ووجه البحيري المسؤولية إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مشددا على أن النهضة لا تريد أن تكون الانتخابات سببا في التفرقة وفي نزاعات سياسية البلاد في غنى عنها. ودعا في ذلك الحكومة ورئيس الجمهورية إلى إصدار الرزنامة الانتخابية ودعوة المشاركين للانتخابات البلدية.
من جهته، نفى رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال وجود ضغوطات على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتأجيل موعد الانتخابات البلدية المقرّرة يوم 25 مارس 2018، وبين أن الدعوة لتعديل الرزنامة جاء تفاعلا مع مطلب عدد من الأحزاب الصغيرة، معتبرا أن نداء تونس لا يهمه تاريخ الانتخابات بقدر ما يهمه نجاح العملية الانتخابية ومشاركة جميع الأحزاب فيها.
تأجيل أم تعديل؟؟
الأمور بدت محسومة سابقا بالنسبة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، خصوصا في ظل الأصوات المتعالية باشتراط المصادقة على مشروع مجلة الجماعات المحلية من قبل مجلس نواب الشعب قبل اجراء الانتخابات البلدية، وتهيئة مناخ مناسب لها كالمحاكم الإدارية الفرعية في الجهات على سبيل المثال. هذه الشروط وأهمها مجلة الجماعات المحلية تبدو صعبة نوعا ما، خصوصا وأن لجنة تنظيم الإدارة والقوات الحاملة للسلاح بالبرلمان لا يزال أمامها شوط هام على غرار ايقافها سلسلة المناقشات من أجل مناقشة مشاريع قوانين أخرى تحظى بطلب استعجال النظر من قبل الحكومة. اللقاء التشاوري بين الأحزاب وهيئة الانتخابات، تميز بتبادل الاتهامات حول أسباب وتداعيات تأجيل الانتخابات بين من يحمل رئاسة الجمهورية لمسؤولية عدم امضاء رئيس الجمهورية على دعوة الناخبين، وبين من يتهم الأحزاب الحاكمة هذه المسؤولية.
لكن في المقابل، أبرزت عديد الأحزاب تخوفاتها من أن يتم تأجيل الانتخابات مرة أخرى، الامر الذي من شأنه أن يعطي رسائل سلبية وفي نفس الوقت يزيد من هوة الثقة بين الرأي العام والهيئة بعد الأزمة التي عاشتها مؤخرا على خلفية انتخاب رئيس لها. تأجيل الانتخابات وإن تم التمهيد له سابقا من خلال بعض التصريحات الإعلامية، إلا أن العديد اعتبروه
خرقا واضحا حتى على المستوى الأخلاقي، باعتبار أن الهيئة كانت قد انطلقت فعلا في تنفيذ الروزمامة الانتخابية، بالرغم من محاولة الهيئة تسويق مصطلحات التعديل أو التأخير عوضا عن التأجيل. وفي هذا الإطار، شدد ممثلو جمعية البوصلة وكلنا تونس وعتيد والجمعية التونسية للحوكمة المحلية وائتلاف أوفياء، في بيان مشترك أن تغيير تاريخ تنظيم الانتخابات البلدية يعدّ ضربا صريحا للمسار الديمقراطي، باعتبار أن تأخير الانتخابات البلدية يمسّ من مصداقية الهيئات المستقلة ومن إلتزام مكونات الدولة كافة بتطبيق الدستور.
في انتظار الإعلان الرسمي عن تأجيل موعد الانتخابات البلدية، يبقى التحدي الأكبر في كيفية الالتزام بهذا الموعد من جديد، واستكمال المصادقة على مجلة الجماعات المحلية في آجال يحددها مجلس نواب الشعب حتى تكون الرؤية المستقبلية واضحة.