حيث كانت البداية بمشروع ميزانية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ثم في الجزء الثاني تمت مناقشة ميزانية هيئة الحقيقة والكرامة. النقاش العام بين نواب الشعب اختلف كثيرا عن النقاشات بخصوص ميزانيات الوزارات، حيث تلقى ممثلو الهيئات الدستورية كما هائلا من الانتقادات سواء على مستوى الأداء أو بعض القضايا العالقة، حتى انها حادت نوعا ما عن السير العادي للجلسات بعد التجريح في شخص سهام بن سدرين
انطلقت الجلسة العامة في جلسة مسائية، بمناقشة ميزانية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، حيث تقدر ميزانية الهيئة المصادق عليها بـ114 نعم دون احتفاظ و01 رفض. بـ 24.900 م.د مقابل 67.280 م.د سنة 2017، أي بنقص قدره 42.380 م.د بنسبة 63 % موزعة على نفقات تصرف بـ 16.900 م.د، نفقات التنمية 8.000 م.د. ويعود هذا النقص الكبير لعدم وجود ترسيم اعتمادات بعنوان تنظيم الانتخابات الجهوية خلال سنة 2018 باعتبار تأخير الانتخابات البلدية إلى شهر مارس 2018، على أن يتم توفير الحاجيات الأساسية للهيئة بعنوان الانتخابات الجهوية عن طريق اعتماد إضافي عند الغرض.
غياب بعض أعضاء الهيئة
لكن النقاش العام لم يتطرق تقريبا إلى مضمون الميزانية، حيث انتقد نواب الشعب غياب أغلب أعضاء الهيئة عن الجلسة العامة مما وصفه البعض بأنه دليل على صحة الأخبار المتداولة بوجود بعض الخلافات صلب مجلس الهيئة. وتساءلت النائبة كلثوم بدر الدين عن سبب غياب بعض الأعضاء على هذه الجلسة، مشيرة إلى انه يجب توضيح مسألة ما يشاع حول وجود خلافات بين أعضاء الهيئة وتأثير ذلك على حياديتها واستقلاليتها. كما عبرت عن تخوفها من وجود إرادة لتعطيل الانتخابات البلدية في ظل عدم رصد الاعتمادات الضرورية لذلك في مشروع ميزانية 2018. في حين اعتبر النائب سهيل العلويني أنه كان من الأجدر حضور جميع أعضاء الهيئة، باعتبار أن العبث على حد توصيفه الحاصل داخلها غير مقبول.
وعبر نواب الشعب عن اهتمامهم الشديد بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، باعتبار أهمية جاهيزيتها لانجاز الانتخابات المحلية في أحسن الظروف، حيث اعتبر النائب عماد الدائمي أن أعضاء الهيئة مطالبون بالوحدة والتصدي لكل المؤامرات التي تريد ضرب الهيئة واستنقاص دورها الدستوري، مشددا على ضرورة التمسك بتاريخ الانتخابات البلدية والاستماتة في الدفاع على الرزنامة. وبالرغم من ذلك فإن نواب الشعب أصرّوا على انتقاد غياب بقية الأعضاء، مما جعل النائب الجيلاني الهمامي يعبر عن مخاوفه من وجود محاولات للسيطرة على الهيئة سياسيا، موضحا أنّ الهيئة مستهدفة على غرار بقية الهيئات الدستورية لوجود مسعى سياسي لضربها لأنها عماد الديمقراطية والرقابة بشكل غير مباشر على بقية السلط.
«التشكيك في الهيئة غير مقبول»
رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري حاول تبرير غياب بعض الأعضاء الذين خرجت أسماؤهم في قرعة تجديد ثلث أعضاء مجلس الهيئة، حيث أكد أن العضو نجلاء إبراهم في سفر وأن العضو رياض بوحوش له ظرف خاص حال دون حضوره. كما أضاف أن مسألة الاستقلالية هو أمر دستوري، معتبرا أنه من غير المقبول أن تتحول المسألة إلى اتهام ومطالبة أعضاء الهيئة بأن يثبتوا استقلاليتهم، مؤكدا على أن كافة أعضاء الهيئة منزّهون من التجاذبات الحزبية والخلافات لا تتعدى طريقة ومنهجية العمل. وأشار إلى أن التعقيدات الواردة بالقانون الانتخابي ساهمت في خلق الخلافات، وهو ما يستوجب تنقيحه وتعديله إلى جانب علاقة الهيئات الدستورية بالسلطة التنفيذية، حيث يوجد تناقض مع أحكام الدستور في علاقة باستقلالية الهيئة، في المقابل فالسلطة التنفيذية هي التي تحدد ميزانيتها، إلى جانب أن القانون الانتخابي كرّس مبدأ التسجيل الإرادي بالرغم من وجود نقص في تسجيل الشباب والمرأة الريفية.
كما شدد المنصري على أن قوة الهيئة تكمن في بنية إدارتها وحرفيّة أعوانها وإطاراتها، معتبرا أن تونس لا تحتمل المزيد من التعطيل في علاقة بالانتخابات، خصوصا وأن كل التعهدات المتعلقة بالانتخابات البلدية قد أنجزت، باستثناء تركيز المحاكم الإدارية الفرعية والمصادقة على مجلة الجماعات المحلية، مبينا أن الهيئة طالبت بـ 60 م.د في حين تحصلت على 44 م.د على أن يستكمل المبلغ الباقي في صورة إنجاز الانتخابات البلدية.
انتقادات لاذعة لبن سدرين
وواصلت الجلسة العامة أعمالها في جلسة ليلية، حيث تمت مناقشة ميزانية هيئة الحقيقة والكرامة، المقدرة بـ 8.322 م.د مخصص مجملها لنفقات التصرف التي تتوزع اعتماداتها حسب نوعية النفقة، حيث تبلغ نفقات الأجور 6.727 م.د ونفقات التسيير 1.4 م.د. النقاش العام بين نواب الشعب تميز الانتقاد لمهام الهيئة، حيث قال النائب عماد أولاد جبريل أنه إلى حدّ الآن لا يوجد أي ملف أحيل على الهيئة وتمت تسويته، مشيرا إلى أن الهيئة في حدّ ذاتها في حاجة لإصلاح مسارها وفض الإشكاليات والانشقاقات التي تعاني منها، حتى أنها فقدت كل صلاحياتها وأصبحت عبئا على تونس.
في المقابل، لم يقتصر النقاش العام على الانتقاد فقط، بل حاول البعض الدفاع عنها بالرغم من بعض الاحترازات، حيث قال النائب الجيلاني الهمامي أن السنة الفارطة تمت المطالبة بتمكين الهيئة من الاعتمادات الضرورية التي تساهم في أدائها لمهامها على أكمل وجه، إلا أن جلسات الاستماع الأخيرة التي قامت بها الهيئة خارجة عن المألوف خاصّة الأخيرة التي ساهمت في طمس الحقيقة في علاقة بأحداث الرشّ بسليانة ولا لإبرازها. كما استغرب عدد من النواب بأن يتم تكريس الهيئة في شخص رئيستها سهام بن سدرين، حيث اشتدت لهجة الانتقادات مع تدخل النائبة هاجر بالشيخ أحمد التي اعتبرت أن هيئة الحقيقة والكرامة أرادت من العدالة الإنتقالية إنتقاما، مشيرة إلى أن رئيستها لم تتصالح مع ماضيها وهو ما يجعلها غير مؤهلة بأن تصالح الناس مع ماضيهم. وتساءلت بالشيخ أحمد عن الحياد في عمل رئيسة الهيئة، خصوصا وأن مسار العدالة الإنتقالية حاد عن طريقه.
في المقابل، ردت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين بسؤال استنكاري قائلة « هل أن تغيير رئيسة الهيئة هو مطلب من مطالب الضحايا؟»، معتبرة أن الهيئة تسيّر وفق مبادئ الحوكمة الرشيدة ولم تتخذ قرارا خارج إطار مجلس الهيئة. وأوضحت أن الهيئة لها برنامج واضح وتنتهي أشغالها في ماي 2018، حيث أنفقت الهيئة 5.2 م.د للتدخل العاجل، لكن هيئة الحقيقة والكرامة لا يمكن أن تسند تعويضات لأي كان وذلك حسب القانون. وانتقدت بن سدرين القضاء العسكري الذي امتنع على حد تعبيرها عن مدّ الهيئة بالملفات المتعلقة بشهداء الثورة، إلى جانب رفض المحكمة الإدارية إجابة هيئة الحقيقة والكرامة بتعلّة أن الهيئة لا صفة لها. وأضافت بن سدرين أن الهيئة لا تصدر أحكاما قضائية وإنما تعالج الملفات بمعايير العدالة الانتقالية، مؤكدة على أنه يوجد تدقيق قانوني من قبل مراقب الحسابات ثم إن الهيئة توجهت لدائرة المحاسبات من أجل الرقابة. كما استغربت بن سدرين من اعتبار البعض أن الجلسات العلنية مكلفة في حين انه يتم الإنفاق بالأضعاف في أيام قرطاج السينمائية، معتبرة أنه سيتم نشر الحقيقة التي توصلت إليها الهيئة في التقرير النهائي.
مطالبة بن سدرين بالاعتذار
لكن الغريب في الأمر، أنّه قبل المصادقة على الميزانية طالب رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري رفع الجلسة لمدة 5 دقائق من أجل التشاور قبل عملية التصويت، دون ذكر السبب. كما شهدت هذه الفترة جدلا بين نواب الشعب، بعد تدخل النائبة صابرين القوبنطيني بصفتها الجبهة الوطنية الوسطية مطالبة رئيسة الهيئة بالاعتذار للنائب مصطفى بن أحمد قبل عملية التصويت باعتبارها تصرفا تصرفا غير لائق. وتدخل بن أحمد بدوره مؤكدا أن ما صدر من بن سدرين غير أخلاقي وغير لائق. وتتمثل المسالة في أن رئيسة الهيئة رفعت كتابا وكأنها بصدد قراءته خلال تدخل بن أحمد، الامر الذي فهمه البعض انّ فيه احتقارا لهيبة النائب. وأعطى النائب الأول لرئيس المجلس الكلمة لرئيسة الهيئة الكلمة إن أرادت الاعتذار أو لا، حيث اعتبرت أنه لا مجال للاعتذار لشيء لم يحصل، بل كانت حينها بصدد تلاوة نصوص قانونية للرد على تساؤلات النواب. وفي الأخير تم التصويت على ميزانية الهيئة إلا أن نتيجة التصويت عكست هذا السجال الحاصل، بعد حصولها على 79 نعم، 16 محتفظ، 4 لا، وهي نتيجة تعتبر الأقل تصويتا مقارنة ببقية الميزانيات.
ويواصل مجلس نواب الشعب مناقشة الميزانية الأخيرة وهي مشروع ميزانية المجلس الأعلى للقضاء بعدما تمكنت لجنة التشريع العام من تعديلها في نفس اليوم.