تغير المشهد البرلماني منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2014، في أكثر من مناسبة نتيجة الخلافات السياسية سواء داخل الحزب أو الكتلة نفسها أو نتيجة تغير موازين القوى حسب تمثيلية الأحزاب المشاركة في حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد. فمع بداية أشغال مجلس نواب الشعب، تصدرت كتلة حركة نداء تونس البرلمان بـ 86 مقعدا، تاركة كتلة حركة النهضة وراءها في المرتبة الثانية بـ 69 مقعدا، ثم الاتحاد الوطني الحر 16 مقعدا، الجبهة الشعبية 15، آفاق تونس 8، المؤتمر من أجل الجمهورية آنذاك بـ 4، التيار الديمقراطي 3، المبادرة 3، حركة الشعب 2، تيار المحبة 2، وأحزاب أخرى ترشح عنها شخص واحد 8 مقاعد.
من غير المنتمين إلى كتلة
هذا المشهد البرلماني المتشعب مع وجود كتلتين أغلبيتين، والبقية كتل متوسطة، خلق 5 كتل باعتبار أن الفصل 34 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ينص على انه «لكل 7 أعضاء أو أكثر حق تكوين كتلة نيابية، ولا يجوز لنفس الحزب أو الائتلاف أن يكون له أكثر من كتلة نيابية واحدة، ويمكن لكل عضو من أعضاء المجلس الانتماء للكتلة التي يختارها، ولا يمكن للعضو الانتماء إلى أكثر من كتلة نيابية واحدة».
لكن هذا المشهد لم يدم طويلا مع بروز أول كتلة معارضة ثانية بعد الجبهة الشعبية وهي الكتلة الديمقراطية بقيادة النائب السابق إياد الدهماني تضم 8 نواب أغلبهم من غير المنتمين ثم تطورت لتصل إلى 10 نواب وهو ما ساهم في تغير الترتيب حسب التمثيلية، وذلك من أجل الحصول على رئاسة لجنة المالية والتخطيط والتنمية التي تمنح إلى المعارضة بصفة دورية رفقة الجبهة. بعض النواب الملتحقين بالكتل لم يكن بالأساس من أجل مصالح شخصية، بل كانت بهدف تعزيز تمثيليتها وتحسين موقعها صلب البرلمان وذلك من أجل الحصول على مقاعد في هياكل المجلس. فعلى غرار الكتلة الديمقراطية، حاولت أيضا كتلة آفاق تونس أن تنسج على نفس المنوال من أجل الحصول على مقعد في مكتب المجلس من خلال ضمها للنائب المستقل قائمة نداء التونسيين بالخارج فرنسا 2 رياض جعيدان، النائبة نزهة البياوي عن قائمة الجبهة الوطنية للإنقاذ بسيدي بوزيد، ليتحول بذلك اسم الكتلة إلى آفاق تونس ونداء التونسيين بالخارج.
عامل نجاح تجربة توحيد الصفوف ككتلة فنية وليست سياسية بهدف الاستفادة من الامتيازات الممنوحة للكتل من قبل المجلس، أنجب كتلة جديدة بعد حل الكتلة الديمقراطية الاجتماعية في السنة النيابية الثالثة، وهي الكتلة الديمقراطية التي تضم 12 نائبا، منهم 10 لم يغيروا الكتل بل هي أول تجربة لهم، كالنواب عن حزب الإرادة عماد الدائمي ومبروك الحريزي وصبري الدخيل، إبراهيم بن سعيد من غير المنتمين إلى الكتلة الديمقراطية، وهي نفس المسألة بالنسبة لنواب التيار الديمقراطي سامية عبو، غازي الشواشي، نعمان العش، وكذلك عن حركة الشعب سالم الأبيض وزهير المغزاوي، رضا الدلاعي. مقابل استقالة النائبة ريم الثائري عن تيار المحبة من الكتلة الديمقراطية الاجتماعية لتنضم إلى مجموعة غير المنتمين، وتحوّل النائبين أحمد الخصخوصي، عدنان الحاجي من الكتلة الديمقراطية الاجتماعية إلى الكتلة الديمقراطية.
الخلافات السياسية وأزمة نداء تونس
البداية الحقيقية لتغير المشهد البرلماني تزامنت مع الأزمة التي عرفتها حركة نداء تونس والانشقاقات في صفوفها منذ 23 ديسمبر 2015 لتنبثق عنها كتلة نيابية جديدة تحمل اسم «الحرة» في 22 جانفي 2016 قبل أن تتحول إلى حزب سياسي بقيادة محسن مرزوق. وقد ضمت الكتلة في بدايتها 12 نائبا ثم 17 نائبا، وتطورت لتبلغ 25 نائبا ثم تقلصت إلى 21. بداية بروز التحركات في صفوف النواب من كتلة إلى أخرى كانت مع الكتلة الحرة لمشروع تونس أي أن نواب كتلة الحرة الحالية الـ 21 قد غيروا انتماءهم السياسي والبرلماني مرة على الأقل، منهم 3 نواب لهم نقلتان من كتلة حركة نداء تونس إلى الكتلة الحرة ثم العودة إلى كتلة النداء وهم (محمد الراشدي، فاطمة المسدي، الناصر جبيرة)، ونائب وحيد تجول بين الاتحاد الحر والنداء ثم الحرة وهو النائب نور الدين بن عاشور.
من الملاحظ أن الأزمات السياسية صلب الحزب نفسه تعتبر من أهم العوامل التي تساهم في تطور ظاهرة تحركات النواب، على غرار الخلافات بين الأحزاب. تنقلات نواب الكتلة الحرة لمشروع تونس حينها لم تصنف بالأساس ضمن السياحة الحزبية، بل كانت بالأساس نتيجة خلافات سياسية، حيث اعتبرت النائبة خولة بن عائشة في هذا الإطار، أن استقالة نواب الحرة من كتلة وحزب نداء تونس جاء في ظرف استثنائي، بعد مبادرات متعددة للإصلاح داخل الحزب والكتلة.، كما جاءت الاستقالات من قبل مجموعة من الأشخاص لديهم نفس التشخيص بعدما باتت الكتلة البرلمانية الندائية مشلولة على وقع الصراعات الداخلية صلب الحزب. وفي هذا الإطار، خلقت الكتلة الحرة ككتلة برلمانية مستقلة يمكن للنواب فيها العمل بصفة منتظمةً والتركيز على خدمة المواطنين، وهي عملية لا يمكن تصنيفها ضمن السياحة الحزبية أو البرلمانية بما أن النواب عند استقالتهم أرسوا كتلة مستقلة ولم يلتحقوا بأي حزب آخر حينها.
قد تختلف أسباب و دواعي بعض النواب للاستقالة من كتلة ثم الالتحاق بكتلة ثانية فثالثة، وقد يعود هذا أيضا إلى الممارسة السياسية الناشئة أو عدم نضجها، خصوصا وأن تجربة المجلس الوطني التأسيسي قد أخرجت مصطلح «السياحة البرلمانية» لأول مرة على الساحة السياسية. لكن تحركات نواب هذه المرة كانت لأسباب سياسية ما عدا بعض الحالات القليلة جدا، وهو ما جعل الكتل التي عانت من هذه الظاهرة تتهم المنشقين عنها بالخيانة وطالبت حينها بإسقاط عضوية النائب في حالة الاستقالة من الكتلة. فعقب تكوين الكتلة الحرة، سارعت كتلة حركة نداء تونس بالمطالبة بتنقيح النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وذلك بالتنصيص على أن الاستقالة من الكتلة تعني الاستقالة من المجلس، إلا أنه حينها اعتبر البعض الآخر ان النائب يعتبر نائب شعب ولا علاقة له بالانتماء السياسي. المسألة تبدو أخلاقية أكثر من ان تكون نصوصا قانونية، وهو ما تأكد من خلال عدم طرح المسألة إلى حد الآن صلب لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية التي هي بصدد تنقيح النظام الداخلي. من جهتها، بينت النائبة خولة بن عائشة أنه من الناحية القانونية، وجد جدال حول مسالة السياحة الحزبية في أشغال المجلس التأسيسي، وقد حسم الأمر في الدستور بتعريف النائب كممثل لناخبيه لا لحزبه السياسي، ثم إن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب كرس آليات الإقالة والاستقالة من كتلة برلمانية وتكوين كتلة أخرى أو الانضمام إلى كتلة مغايرة، مشيرة إلى أنه في ظل وجود هذه الآليات فلا يمكن منع النواب من ذلك.
خلافات بين الكتل والأحزاب
من جهة أخرى، فإن موجة التنقلات وتغير المشهد من جديد جاء مع محاولة لملمة كتلة نداء تونس جراحها وتنظيم بيتها البرلماني بعد خسارة جزء كبير من تمثيليتها مقابل تصدر حركة النهضة المشهد البرلماني. حيث استقطبت كتلة نداء تونس نائبين اثنين من كتلة الإتحاد الوطني الحر وهما كل من يوسف الجويني والطاهر فضيل لتتقلص تمثيلية الاتحاد الحر إلى 12 مقعدا، مع اعتبار نور الدين بن عاشور المتواجد حاليا في الحرة، وعلي بالأخوة الذي تحول إلى النداء ثم إلى غير المنتمين. ثم في مرحلة أخرى ضمت الحركة النواب أحمد السعيدي ولطفي علي والناصر الشنوفي (الآن من غير المنتمين) من الكتلة الديمقراطية الاجتماعية بعد التحاق رئيسها بحكومة الوحدة الوطنية. هذا وقد أحدثت حينها المسألة جدلا من جديد وتسببت في أزمة سياسية بين كتلتي الاتحاد الوطني الحر ونداء تونس خصوصا وأن الاثنين يمثلان الائتلاف الحكومي في حكومة الحبيب الصيد حينها.
يوسف الجويني والذي له نية في تقديم استقالته من جديد من كتلة حركة نداء تونس في بداية الأسبوع المقبل، طرح عديد التساؤلات حول جدية الأشخاص الذين تنقلوا لأكثر من مرة من كتلة إلى أخرى، حيث أرجع الجويني هذا السبب لقلة خبرته السياسية، إلى جانب الركود الذي شهده حزب الاتحاد الوطني الحر بعد الانتخابات التشريعية مع إغلاق المكاتب الجهوية والمحلية وانعدام الأنشطة في ظل تواصل اللامبالاة لرئيس الحزب وتهميشه للكتلة البرلمانية. هذا الأمر دفعه للاستقالة والالتحاق بنداء تونس، لكن سرعان ما اكتشف على حد تعبيره أن مشاكل النداء أعمق بكثير من الاتحاد الوطني الحر وهي نفس الأسباب تقريبا التي استقال على إثرها النواب الذين يشكلون كتلة الحرة حاليا.
تحركات إجبارية...
أغلب تحركات النواب انحصرت صلب كتلة حركة نداء تونس، لكن هناك منهم من لم يخرج من الكتلة أو غيّر انتماءه البرلماني عن طواعيّة أو بإرادته، بل ساهمت الخلافات السياسية والتجاذبات في طردهم أو إقالتهم أو إجبارهم على الاستقالة من الكتلة. ولعل أكبر مثال على ذلك، نواب الكتلة الوطنية الحالية وبعض من غير المنتمين، فقد تحولت النائبتان ليلى أولاد علي وناجية عبد الحفيظ من النداء إلى الكتلة الوطنية. في حين مارس بقية أعضاء الكتلة الوطنية نقلتين على الأقل من كتلة نداء تونس الى الحرة وصولا إلى الكتلة الوطنية وذلك على خلفية مواقفهم تجاه حكومة الوحدة الوطنية وهم كل من وليد الجلاد، ليلى الحمروني، بشرى بلحاج حميدة، منذر بلحاج علي، ومصطفى بن أحمد.
الكتلة الوطنية طرحت نفسها كمساند ناقد من خلال تقديم المقترحات والحلول للإشكاليات القائمة، تماشيا مع المشروع الحضاري الأصلي الذي تأسس عليه حزب نداء تونس على حد تعبير أعضائها. لكن في المقابل، وعلى خلفية مواقفهم السياسية وفشل تجاربهم السابقة في بعض الكتل، فقد اختار البعض الانضمام إلى المستقلين أي غير المنتمين في انتظار عودتهم الى كتلتهم الأصلية أو الدخول في كتلة أخرى حسب التطورات والمستجدات البرلمانية، حيث التحق كل من ألفة السكري، عبد العزيز القطي، ليلى الشتاوي، عبد الناصر شويخ، خميس قسيلة، الناصر الشنوفي، محمد الحامدي، صابرين قوبنطيني الى صف غير المنتمين بعد تجربتهم في كتلة النداء والكتلة الديمقراطية.
تغير المشهد البرلماني
57 نائبا من جملة 217 تنقلوا من كتلة إلى أخرى نتيجة نفس الأسباب تقريبا وهي الخلافات السياسية والأزمات التي عرفتها الأحزاب والكتل ، إلى جانب 10 نواب التحقوا لأول مرة بكتلة من أجل توحيد الصفوف والتموقع. هذا الأمر ساهم في تغير المشهد البرلماني ليصبح الآن كالآتي « كتلة حركة النهضة 69، كتلة حركة نداء تونس59، كتلة الحرة لمشروع تونس 21، كتلة الجبهة الشعبية 15، الكتلة الديمقراطية 12، كتلة الإتحاد الوطني الحر11، كتلة آفاق تونس والتونسيين بالخارج 10، غير المنتمين 13، الكتلة الوطنية7. في المقابل وأمام الكم الهائل من الاستقالات المودعة لدى مكتب الضبط والتي يتم سحبها قبل دخول الاستقالة حيز النفاذ، فقد تميزت كتلتا حركة النهضة والجبهة الشعبية بالانضباط باعتبارهما لم تشهدا أي تغيير منذ انطلاق مجلس نواب الشعب في أشغاله.
عدد النواب حسب الانتقالات من كتلة إلى أخرى
نقلة وحيدة
من كتلة حركة نداء تونس إلى الكتلة الحرة لمشروع تونس 21 نائبا (نواب الكتلة حاليا)
من الاتحاد الوطني الحر إلى حركة نداء تونس إلى الحرة لمشروع تونس 1 نائب (نور الدين بن عاشور)
من الاتحاد الوطني الحر إلى حركة نداء تونس 2 نواب (يوسف الجويني – الطاهر فضيل)
من الكتلة الديمقراطية الاجتماعية إلى حركة نداء تونس 2 نواب (أحمد السعيدي - لطفي علي)
من الكتلة الديمقراطية الاجتماعية إلى غير المنتمين 2 نائبا (ريم الثائري - محمد الحامدي)
من الكتلة الديمقراطية الاجتماعية إلى الكتلة الديمقراطية 2 نواب (أحمد الخصخوصي – عدنان الحاجي)
من حركة نداء تونس إلى الكتلة الوطنية 2 نواب (ناجية عبد الحفيظ – ليلى أولاد علي)
من كتلة حركة نداء تونس إلى غير المنتمين 5 (ألفة السكري، عبد العزيز القطي، ليلى الشتاوي، عبد الناصر شويخ، خميس قسيلة)
نقلتان
من الاتحاد الوطني الحر إلى حركة نداء تونس إلى غير المنتمين 1 نائب ( علي بالأخوة)
من الكتلة الديمقراطية الاجتماعية إلى حركة نداء تونس إلى غير المنتمين 1 نائب ( الناصر الشنوفي)
من كتلة حركة نداء تونس إلى كتلة الحرة لمشروع تونس إلى الكتلة الوطنية 5 نواب (وليد الجلاد- ليلى الحمروني- بشرى بلحاج حميدة- منذ بلحاج علي- مصطفى بن أحمد).
من غير المنتمين إلى آفاق تونس 2 (رياض جعيدان – نزهة البياوي)
من كتلة حركة نداء تونس إلى حركة نداء تونس من جديد إلى غير المنتمين 1 (صابرين قوبنطيني)