اتخذ رئيس الحكومة يوسف الشاهد من خطابه بمناسبة منح الثقة لعضوي الحكومة الجديدين في جلسة عامة بمجلس نواب الشعب يوم أمس، منبرا للدفاع عن حكومته وتعداد مناقبها، في رسالة واضحة للأحزاب التي قررت عدم مساندته، وللمعارضة في آن واحد. خطاب لم يتطرق إلى أسباب التحوير الوزاري، وإنما كان خطابا حجاجيا، من أجل استعراض العضلات من خلال ما قدمه من أرقام وأعمال وتعهدات.
تميز خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال جلسة منح الثقة لوزيرين اثنين، بمحاولة إقناع نواب الشعب بأهمية الانجازات التي قامت بها حكومته. خطاب حجاجي بامتياز، حاول فيه الشاهد تفنيد الأقاويل بانحراف حكومته على بنود وثيقة قرطاج، حيث جدد في بداية كلمته التزامه بتطبيق مختلف محاور وثيقة اتفاق قرطاج والتي اعتبرها خارطة طريق بالنسبة لحكومته. «الحكومة لا تنفذ اتفاق قرطاج»، «الحكومة حادت على اتفاق قرطاج» عبارات أدرجها الشاهد في باب المزايدة السياسية، قائلا أن الحكومة لم تخرج عن وثيقة اتفاق قرطاج.
الإقناع.. فالإقناع
ومن أجل مزيد الإقناع، اتخذ الشاهد من النجاحات الأمنية التي حققتها المؤسستان العسكرية والأمنية سبيلا له من أجل إبراز نجاحاته والتزاماته إزاء وثيقة قرطاج، حيث بين أن مكافحة الإرهاب تمثل الأولوية القصوى في إطار عمل الحكومة، لانعكاسه المباشر على بقية القطاعات من بينها السياحة والاستثمار والوضع الاقتصادي عموما.
كما أكد أنه تم اصدار النصوص الترتيبية المتعلقة بمجلس الأمن القومي، بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية، على غرار احداث المركز الوطني للاستخبارات والذي سيسمح بتفادي الثغرات التي كشفت عنها الممارسة السابقة. كما لم تقتصر مكافحة الإرهاب على المقاربة الأمنية فقط، بل بين الشاهد الدور الفعال لوزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان، في ترسيخها لإستراتيجية الخطاب المضاد والخطاب البديل. وعلى هذا المنوال، اعتبر الشاهد أن حكومته أوفت بوعودها في مختلف الميادين، حتى أنها حققت الأهداف المنشودة في تسريع نسق النمو لتحقيق أهداف التنمية، وذلك بعد مواصلة المصادقة على قانون الاستثمار الجديد، والنصوص التطبيقية للقانون، ثم قانون الامتيازات الجبائية المتعلقة بالاستثمار، بالإضافة إلى العمل على معالجة المالية العمومية.
النهوض بالاقتصاد الوطني
الشاهد وبكل ثقة في النفس، اعتبر أنه متمسك بتحقيق أهداف الثورة على مستوى التشغيل بعد الانطلاق في برنامج عقد الكرامة الذي سيشغل 25 ألفا من أصحاب الشهائد العليا، خصوصا وأنه يعرف مسبقا أن المعارضة ستتجند من أجل التشكيك في قدرة حكومته على ذلك. لكنه في المقابل، قدم كافة التفاصيل الممكنة حول كيفية النهوض بالاقتصاد الوطني من خلال العمل على رفع كل الحواجز المعيقة للاستثمار العمومي والخاص، بعرض مشروع قانون دفع النمو والاستثمار. هذا وقد اعتبر الشاهد أن حكومته على غرار الانتقادات فإنها حققت عديد النتائج الايجابية من بينها عودة إنتاج ونقل الفسفاط إلى نسب قياسية قريبة من نسب سنة 2010، علاوة على انتعاش القطاع السياحي حيث أنه من المتوقع تطور عدد السياح سنة 2017 إلى حوالي 6.5 مليون سائح أي بارتفاع بنسبـــة 30 % مقارنة بسنة 2016، بالإضافة إلى تسجيل قيمة 150 مليون دينار من الاستثمارات خلال شهري جانفي وفيفري.
«الحكومة أوفت بتعهداتها»
الجزء الأول من خطاب الشاهد اعتمد على إبراز الانجازات التي حققتها الحكومة خلال 6 أشهر من أعمالها، حيث كرر عبارة «الحكومة أوفت بتعهداتها» مع كل موضوع تطرق إليه سواء في التشغيل أو التنمية أو الاقتصاد أو مكافحة الإرهاب والمسائل الاجتماعية والمسائل الفلاحية، حتى هيمنت هذه العبارة على تفاصيل الخطاب. كما خصص الشاهد الجزء الثاني من خطابه، للحديث عن موضوع مكافحة الفساد،والذي يعتبر من المواضيع الحارقة في علاقة بقرار حذف هذه الوزارة بعد رفض خليل الغرياني تولي هذه الحقيبة عقب إقالة الوزير السابق عبيد البريكي. حيث أكد رئيس الحكومة أنه يعمل على وضع أسس الحوكمة الرشيدة وتعزيز الترسانة التشريعية، حيث تم الانتهاء من إعداد مشروع قانون يتعلق بالتصريح بالمكاسب وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في القطاع العام، في انتظار عرضه على مجلس نواب الشعب. كما أكد أنه عزز عمل كل هيئات الرقابة وإحالة مئات الملفات لهيئة مكافحة الفساد وللقضاء، بالتزامن مع الانطلاق في برنامج رقابة وتفقد يشمل عددا من المؤسسات العمومية من بينها الإذاعة الوطنية، إذاعة شمس اف ام، الشركة المتوسطية للبناء والتشييد، وكالة التهذيب والتجديد العمراني، المركز الإفريقي لتدريب الصحفيين وشركة تطاوين للخدمات في مرحلة أولى.
نجاحات على جميع المستويات
من جهة أخرى، تطرق الشاهد إلى مكافحة التهريب والتجارة الموازية مستعرضا في ذلك بعض الأرقام التي تدعم حججه، حيث قامت الإدارة العامة للحرس الوطني في 6 أشهر الأخيرة بحوالي 3300 عملية وصلت قيمة المحجوز فيها إلى أكثر من 100 م.د، وأحالت الإدارة العامة للأمن الوطني أكثر من 1000 قضية و أكثر من 900 شخص على القضاء، بالإضافة إلى قيام الإدارة العامة للديوانة بعمليات أدت إلى حجز ما قيمته أكثر من 360 م.د. كما نجحت الحكومة في استخلاص ديون الدولة الجبائية وغيرها بزيادة قدرهــا 20 % مقارنة بفيفري 2016، بالإضافة إلى استخلاص الخطايا الديوانــية بـ 74 % مقارنة بمارس 2016.
نجاحات متعددة حققتها الحكومة في جميع المجالات حسب يوسف الشاهد، حتى أنها تمكنت من حصر نسبة العجز في حـــــدود 5.7 % بالنسبة لميزانية 2017، حتى أنها نجحت على المستوى البيئي من خلال توزيع 320 آلية على البلديات المستفيدة من جملة 394، إلى جانب اقتناء 28 ألف حاوية لتوزيعها على البلديات خلال شهر أفريل بكلفة 6م.د، وبرمجة إنجاز 12 مركز تحويل بتونس الكبرى 6 منها في طور الأشغال بكلفة 5.9م.د ، وتأهيل 55 محطة تطهير موزّعة على 18 ولاية لتحسين جودة المياه المعالجة والمساهمة في حماية الأوساط الطبيعية، بكلفة جملية تبلغ 696 م.د.
وضعية المؤسسات العمومية
كما لا يمكن أن يمر خطاب الشاهد دون العودة إلى أهم المقترحات التي تبناها والمتمثلة في البنوك العمومية والمؤسسات العمومية التي تعاني من عجز حتى أنها باتت تمثل عبئا على الدولة. الشاهد مهد لسياسة الإصلاحات من خلال العمل على تركيز مؤسسة مالية كبرى، قائلا أنه ليس بالإمكان أن تواصل الدولة المساهمة في رأس مال عدد كبير من البنوك غير الثلاثة بنوك العمومية الكبيرة، حيث قررت الحكومة مراجعة مساهمة الدولة في هذه البنوك. هذا الأمر سهل على الشاهد التطرق كذلك إلى وضعية الصناديق الاجتماعية، حيث بين أن ديون صندوق التأمين على المرض من قبل الصيدليات بلغت 600 م.د، إلى جانب أن الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية يدين لـ»الكنام» بـ 130 م.د، والذي يدين للمؤسسات العمومية والدولة بـ 500 م.د.
رئيس الحكومة سعى جاهدا إلى إقناع النواب، ليغطي نوعا عن الجدل الحاصل بخصوص إقالة البريكي وحذف وزارة الوظيفة العمومية والحكومة الرشيدة وفي نفس الوقت للتصدي إلى المعارضة من خلال خطاب مسبق. لكن في المقابل، فإن هذا الأمر لن يشفي غليل النواب الذين استعدوا جيدا لهذه الجلسة، من خلال الإعداد للخطابات والمداخلات متغافلين في ذلك عن نتيجة التصويت التي تعتبر محسومة نوعا ما.