بعد تعطيله منذ شهر جويلية 2015، عاد الجدل من جديد بخصوص مشروع قانون المصالحة الاقتصادية في مجلس نواب الشعب، بعد ورود بعض التسريبات بوجود نسخة جديدة من مشروع القانون معدلة في طريقها من قصر قرطاج إلى قصر باردو. مبادرة جديدة من قبل رئاسة الجمهورية تهدف إلى تجاوز كافة النقاط الخلافية التي شهدتها النسخة الأولى خلال مناقشتها صلب لجنة التشريع العام، من خلال عقد جلسات الاستماع. جدل وخلافات من جديد ترافق مشروع القانون كلما تم ذكره في مجلس نواب الشعب خصوصا من قبل المعارضة، التي تسببت في تعطيله ليبقى حبيس أدراج لجنة التشريع. بوادر هذه المبادرة اتضحت كذلك من خلال لقاء رئيس الجمهورية الباجي القائد السبسي بوفد عن ودادية قدماء البرلمانيين التونسيين يوم أمس للبحث عن سبل دعم مشروع قانون المصالحة الوطنية.
خلفية النسخة الجديدة
الكتل البرلمانية لا تزال حائرة فيما بينها بخصوص الصيغة الجديدة، في ظل عدم الحصول على النسخة وعدم التعرف على محتواها. وفي هذا الإطار سعى مستشار رئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة إلى تقريب وجهات النظر بين الكتل البرلمانية، خصوصا بين كتلتي حركة النهضة ونداء تونس، من خلال لقائه ببعض النواب من الكتلتين. لكن في المقابل، فإن نواب المعارضة سواء من الجبهة الشعبية أو الكتلة الديمقراطية تجندوا من جديد للوقوف ضد هذا المشروع الذي يعتبرونه مخالفا لمسار العدالة الانتقالية. وفي هذا الإطار، قال النائب عن التيار الديمقراطي وعضو مكتب المجلس غازي الشواشي في تصريح لـ«المغرب» أن هذه المبادرة الجديدة تأتي في إطار الأحكام الأخيرة الصادرة ضد عدد من وزراء بن علي، والذين كانوا ينتظرون قانون المصالحة إلا أنه تم تعطيله، وقد بات اليوم يهدد رموز النظام السابق الذين يرفضون اللجوء إلى هيئة الحقيقة والكرامة. ويذكر أن الأحكام الصادرة الأخيرة تتمثل في الحكم حضوريا بالسجن 6 سنوات مع النفاذ العاجل، ضد عدد من الوزراء من النظام السابق وعدد من متعهدي الحفلات، في قضية حفل الفنانة الأمريكية « ماريا كاري»، وحكما غيابيا بالسجن 6 سنوات ضد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، في القضية ذاتها.
القانون يحال يوم 20 مارس
وحسب التسريبات الأولية فإن مشروع القانون سيكون جاهزا أمام مكتب المجلس للإحالة يوم 20 مارس القادم، لكن في المقابل فإن مكتب المجلس قد يتفادى هذه المرة لجنة التشريع العام ويحيله إلى لجنة أخرى قد تكون لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، باعتبارها تسببت في تعطيل النسخة الأولى. اللجوء إلى لجنة أخرى، سيكون بحجة أن لجنة التشريع العام منغمسة حاليا في مشروع القانون المتعلق بمكافحة المخدرات بالاضافة إلى مقترح القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ثم مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة العدول المنفذين.
تصريحات ممثلي الكتل البرلمانية لم تتحدث إلى حد الآن، عن وجود مبادرة جديدة إلا أنهم انطلقوا في جس نبض الرأي العام وبقية الكتل من خلال الحديث عن إدراج مشروع القانون ضمن برنامج عمل المجلس للسنة الحالية، مع إمكانية التسريع فيه وتنقيحه حسب المقترحات التي تم التوافق حولها. حركة النهضة ونداء تونس من أهم الكتل البرلمانية المساندة لقانون المصالحة، وهو ما اتضح من خلال تصريحات رؤساء كلتها بأنهم يدعمون مختلف المبادرات من أجل تفعيل المصالحة الشاملة، بهدف انجاح المسار الديمقراطي.
مشروع القانون في طريق مفتوح
لكن في المقابل، فإنّ بقية الكتل أي كتلة مشروع تونس وكتلة الإتحاد الوطني الحر لاتزال خارج هذا التوافق بين الكتلتين الأكبر تمثيلا، وهو ما يجعل موقفهم غير رسمي أو أنهم في انتظار دراسة مضمون مشروع القانون. كما يمكن للكتلتين مساندة مشروع القانون المذكور ويعدلون عن قرارهم بعدم مساندتهم لحكومة الوحدة الوطنية، وهو ما يتضح من خلال المبادرات التي قدموها في هذا الصدد. وفي ظل غياب النسخة أو عدم جاهزيتها إلى حد الآن، إلا أن مشروع القانون هذه المرة سيحظى بتوافق واسع بعد الأخذ بعين الاعتبار كافة المقترحات دون النظر إلى مواقف المعارضة باعتبار أن الأغلبية البرلمانية ستكون مع مشروع القانون.
مبادرات متنوعة..
مجلس نواب الشعب سيشهد نهاية هذا الشهر، جدلا واسعا بخصوص مشروع قانون المصالحة يعيد نفس الأحداث التي شهدتها النسخة الأولى التي اقتصرت على عقد جلسات الإستماع، وهو ما ينبئ بجلسات ساخنة ستكون أولها في اجتماع مكتب المجلس الذي يضم أعضاء من المعارضة. ثم تظاهرة ثانية مقدمة من قبل مشروع تونس يوم 18 مارس بقصر المؤتمرات بالعاصمة، من أجل تقديم موقف الحزب ونظرتهم للمبادرة التشريعية حول نفس الموضوع، لكنها ترتكز حسب ما صرحت به النائبة خولة بن عائشة على المصالحة الإدارية والسياسية، يعني ممن طبقوا تعليمات المسؤولين من أبناء الإدارة المعزولين والمقدر عددهم 7000 شخص والذين لم تتعلق بهم تهم فساد مالي ولا جرائم أخرى. هذه المبادرة سبقتها مبادرة مقدمة يوم أمس من كتلتي حركة نداء تونس والاتحاد الوطني الحر والتي ستهيئ المناخ الملائم لتمرير النسخة الجديدة، حيث تتمثل هذه المبادرة في «مشروع قانون أساسي يتعلق بالمصالحة بخصوص الموظفين العموميين وأشباههم من أجل أفعال تتعلق بالفساد المالي وبالإعتداء على المال العام». وتهدف هذه المبادرة إلى إعادة الثقة إلى إطارات الدولة وتحرير الإدارة التونسية من حالة الشلل التي أصابتها بسبب إحجام الموظفين عن تحمل المسؤولية والتوقيع على الوثائق الإدارية التي تهم إنجاز مشاريع أو غيرها بسبب الخوف من العقاب والملاحقة القانونية.